تسعى الولاياتالمتحدة، حسب سياستها المعلنة، إلى نشر الديموقراطية في العالم ككل وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً, بالطبع السعي الاميركي «لدمقرطة» الدول العربية ليس حباً في شعوب المنطقة ولا هياماً في سواد عيونها، وإنما ينطلق من مصالح اميركية بحتة تعتبر أن المناخ الديموقراطي في هذه المنطقة الحساسة «المصدرة للإرهاب» سوف يوفر استقراراً في المنطقة ويحد من خطر «الإرهاب» الذي تخشاه اميركا وتعتبره عدوها الأول، ما يصب بالتالي في مصالح أميركا الاستراتيجية. السؤال: ماذا ينبغي أن يكون موقف شعوب الدول التي تضغط اميركا على أنظمتها الحاكمة لسلوك النهج الديموقراطي، الحقيقي، وليس الشكلي؟ هل ينبغي ان تتوجس هذه الشعوب من التوجه الاميركي باعتبار أن اميركا فاقدة المصداقية بالنسبة لهذه الشعوب بحكم الارث التاريخي، لأن هذه الشعوب تأخذ على اميركا أنها هي من ساعدت الأنظمة الحاكمة في المنطقة على تكميم أفواه هذه الشعوب لعقود طويلة وكانت تعتبرهم الحلفاء المقربين وبالتالي لا مجال للوثوق بها أو تصديق وعودها، أم يجب على هذه الشعوب، بدلاً من ذلك، أن تبتعد عن المثاليات وتستثمر التوجه الاميركي الجديد لتحقيق مكاسب لا يمكن أن تتحقق من دون الضغط الاميركي؟ السؤال بصيغة أخرى هو هل من الخطأ أن نستفيد من توجه اميركي يحقق مصالح شعوب المنطقة في أن تنعم بأجواء الحرية ومراعاة حقوق الإنسان المحرومين منها من قبل أنظمة مستبدة؟ هناك من سيجيب فوراً بأن علينا أن نتمسك بمبادئنا وقيمنا وألا نستعين بالأجنبي في حل مشاكلنا مهما كانت مؤلمة، وخاصة إذا كان هذا العون يأتي من اميركا التي لها تاريخ مليء بالشواهد في قمع الشعوب واستخدام المعايير المزدوجة، إضافة إلى أن اميركا لا تنطلق في السعي لنشر الديموقراطية من منطلق قيمي وإنما من منطلق أجندة خاصة بها، وهذه الأجندة قد تتعارض مع مصالحنا الاستراتيجية. في المقابل، هناك من سيقول ان أملنا الوحيد كشعوب مضطهدة للتخلص من الاستبداد والطغيان والتخلف هو في التدخل الاميركي المباشر مع أنظمة الحكم في هذه الدول كما حدث في العراق، وأن من مصلحة هذه الشعوب الاستعانة بالاميركي على أن تظل تحت رحمة الاستبداد والتخلف الذي نعاني منه، فالنموذج الاميركي على كل الاحوال أفضل مما نحن فيه، ويستشهد أصحاب هذا الرأي بالعراقيين الذين ما كان لهم أن يتنسموا رحيق الحرية لولا مساعدة الكاوبوي الاميركي. هناك رأي ثالث وهو رأي براغماتي يرى اننا يمكن أن نستفيد من التوجهات الاميركية دون أن يعني ذلك بالضرورة أن نرتمي في أحضانها، وحسب وجهة النظر هذه فإنه إذا ما حافظنا على ثوابتنا ومبادئنا وقيمنا الأساسية فإنه لا مانع من التنسيق مع اميركا «تكتيكيا» لتحقيق مكاسب ديموقراطية لا يمكن الوصول اليها دون الاستفادة من العصا الاميركية المشرعة. البراغماتية، حسب وجهة النظر هذه، ليست سيئة إذا كان استخدامها لا يفرط بالثوابت من خلال تكتيكات تستفيد من مصالح الأقوياء، وتبدو النظرة البراغماتية السابقة نظرة واقعية وعقلانية أكثر من اتجاهي التفريط والإفراط السالفين. --- صحيفة الرأي العام الكويتية في 19 -6 -2005