تشكيل فريق عمل مشترك بين وزارة الأوقاف وجمعية نهضة العلماء الإندونيسية لتعزيز التعاون    جامعة المنيا تراجع الاستعدادات النهائية بمباني الإسكان الفندقي المتميز بالمدن الجامعية    رئيس مصلحة الجمارك لمستشاري التجارة والاستثمار بسفارات دول الاتحاد الأوروبي: حريصون على مدّ جسور التعاون وتوطيد العلاقات مع الشركاء الدوليين    إسبانيا توافق على حظر تصدير واستيراد الأسلحة من إسرائيل    الزمالك يسقط في فخ التعادل أمام الجونة قبل القمة    ضبط 285 مخالفة تموينية بالقليوبية خلال 3 أيام    الداخلية تُساهم بالعديد من المبادرات لمشاركة الإحتفال باليوم العالمى للصم    تدهور الحالة الصحية للفنانة رحمة أحمد ونقلها للمستشفى.. اعرف التفاصيل    تعليق غريب من مسلم بعد انفصاله عن زوجته يارا تامر    شفيق التلولي ل"كلمة أخيرة": الدعم الدبلوماسي غير المسبوق للاعتراف بدولة فلسطين لحظة تاريخية    نشأت الديهي: هجوم لاذع على إسرائيل من أمير قطر وأردوغان فى الأمم المتحدة    قرارات عاجلة من «صحة المنوفية» بشأن مستشفى السادات المركزي بالمنوفية    الصحة: إنقاذ شاب من إصابة مميتة بالقلب في مستشفى المنصورة الدولي    سوريا.. المواجهات في السويداء تتسبب في نزوح 200 ألف مدني    حزب الإصلاح والنهضة: معايير دقيقة لاختيار المرشحين واهتمام كبير بتمكين الشباب والمرأة    «بتعرف تعمل اللي عاوزاه».. أبراج مكارة ولئيمة    متحدث الأوقاف: انطلاق 945 قافلة دعوية غدا ضمن مبادرة "صحح مفاهيمك"    نابولي يجدد تعاقده مع بوليتانو ل 3 مواسم رسميا    «حصدت 164 ميدالية».. جامعة الإسكندرية تتصدر بطولة الجامعات المصرية للعام ال12 على التوالى    8 أخطاء شائعة تمنع نزول الوزن وتقف في طريق رشاقتك    متحدث الصحة: نتعاون مع التعليم ومؤسسة الأزهر لضمان عام دراسى آمن صحيا للطلاب    أستاذ علاقات دولية ل"الحياة اليوم": خطاب ترامب بالأمم المتحدة هجومى على الجميع    حملة موسعة لرفع الإشغالات بشارع الوحدة في إمبابة    مصرع شخص متأثرا بإصابته في حادث انقلاب سيارة ملاكى بطهطا في سوهاج    أمين الفتوى يوضح كيفية الصلاة على متن الطائرة ووسائل المواصلات.. فيديو    ما حكم الاستثمار فى صناديق الذهب؟ أمين الفتوى يجيب    ما حكم الحصول على مال مقابل "لايكات" على فيديوهات المنصات؟ أمين الفتوى يجيب    داعية إسلامية: الصبر والحمد وقود النجاة من الابتلاءات    مشهد بديع التقطته الكاميرات.. سقوط أمطار على المسجد الحرام (صور)    جولة رئيس جهاز حماية المستهلك تتصدى لمخالفات البيع بأزيد من السعر المعلن    تقرير - من الحداثة إلى الظلام.. هل انتهت ثورة جوارديولا الفنية مع مانشستر سيتي؟    ليفربول ضد ساوثهامبتون.. إيزاك يقود هجوم الريدز فى غياب محمد صلاح    الرئيس التنفيذي ل "صندوق الإسكان الاجتماعي" تعرض التجربة المصرية الرائدة لتوفير السكن الملائم للمواطنين    معهد تيودور بلهارس للأبحاث ينظم ورشة عمل "جراحات المناظير المتقدمة"    الواسطى وناصر ببنى سويف يستعدان لفصل الشتاء بهذة الإجراءات (تفاصيل)    محافظ أسوان يتابع حملة رفع أكثر من 400 حالة إشغال بالسوق السياحي القديم    المستشار محمود فوزي يبحث مع وزير الشباب مبادرات مشتركة تستهدف توعية وتأهيل النشء    اليوم العالمي للغة الإشارة.. 4 خطوات أساسية لتعلمها وإتقانها    إيران: اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ما زال تحت الأنقاض    دول غربية تعرض المساعدة في علاج مرضى من غزة في الضفة الغربية    الرئيس يرد قانون الإجراءات الجنائية ويصدر قراراً بالعفو: رسائل عدالة وإنسانية    وزيرة التنمية المحلية توجه بدعم السياحة البيئية بالمنطقة    بالمستند.. «التعليم» تصدر تعليمات بشأن دراسة مادة اللغة الأجنبية الثانية    ميدو يهاجم رابطة الأندية بسبب بيراميدز: "قلة احترام وتقدير"    المرأة العربية تطلق ورشة حول الدليل التدريبي لمنهجية إعداد التقارير للقضاء على التمييز    دعاء استقبال شهر ربيع الآخر 1447.. ردده الآن    اليوم في التاسعة مساءً تبدأ احتفالات اليوم الوطني السعودي 95    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    أعضاء «الشيوخ» الجدد يتوافدون على المجلس لاستخراج بطاقات العضوية    أورنچ بيزنس شريك التكنولوجيا الرسمي لمعرض «سيتي سكيب مصر» 2025    نسرين عكاشة: موافقتي على جزء سادس من مسلسل "ليالي الحلمية" غلطة وندمانة عليها    وزيرة الخارجية البريطانية تشن هجوما جديدا على نتنياهو بسبب أطفال غزة    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 بالدوري المصري والبطولات العالمية    آخر تحديث لسعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    أسعار الفراخ اليوم تفاجئ المستهلك بعد ارتفاعها أمس    نجم المصري السابق: الكوكي أقل من النادي.. والساعي إضافة قوية للفريق    بعد البيانو.. سميح ساويرس يكشف عن حلمه الجديد: أستعد لإخراج أول أفلامي.. وهذه نصيحي للشباب    الداخلية تكشف ملابسات صورة جرافيتي على مبنى محافظة الدقهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصحيح المفاهيم 1
نشر في المصريون يوم 15 - 01 - 2013

يتصرف الإنسان الطبيعي العادي المستقيم السويُّ الفطرة والنفسية في حياته بشتى مجالاتها ومواقفها بناء على جملة من التصورات والمفاهيم والمعلومات.
وعلى قدر ما يكون تصوره في مسألة ما أو مفهومه عن قضية ما أو علمه بشيئ ما يكون تصرفه وفعله وعمله
فالقضية إذاً تتلخص في العلاقة بين:
التصورات والتصرفات
أو
المفهوم والمفعول
أو المعلوم والمعمول
إذا استقام الأول استقام الثاني عند أصحاب الفطر السوية
ولما كان القلب هو محل الفهم والفقه والتصور وفيه أصل الإيمان واليقين كانت استقامة الجوارح التي هي أدوات التصرفات والأفعال والأعمال متوقفة على مدى استقامة وانضباط القلب الذي يحمل هذه التصورات والمفاهيم والعقائد والمعلومات.
وبقدر ما يقع من خلل في محتوى القلب منها يقع الخلل في مقتضاها من التصرفات إلى آخره فالعلاقة إذاً بين التصور والتصرف استقامة واعوجاجاً طردية.
وتلك قضية كلية وقاعدة عامة يمكننا استنباطها من خلال قراءة واعية متدبرة متأملة ومتجردة للآيات القرآن الكريم ولأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وكمبدأ عامٍّ نقدم بين يدي الكلام ذلك الحديث الشريف الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو دود والنسائي وغيرهم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: " سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول : وأهوى النعمانُ بإصبعَيه إلى أُذُنَيه : إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ وبينهما أمورٌ مُشتبِهاتٌ لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه ، ومن وقع في الشُّبهاتِ وقع في الحرامِ ، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشكُ أن يرتعَ فيه ، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمًى ، ألا وإنَّ حمى اللهِ محارمُه ، ألا وإنَّ في الجسدِ مُضغةً إذا صلُحتْ صلُح الجسدُ كلُّه وإذا فسدتْ فسد الجسدُ كلُّه ألا وهي القلبُ ".
نفهم من هذا:
أن استقامة الجوراح في تصرفاتها وأفعالها وأعمالها إنما هي تابعة لاستقامة القلب في عقيدته ومعلوماته ومفاهيمه والعكس.
ولنعط بعض الأمثلة:
مثال أول: روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه:
لما نزلتْ : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [ 2 / البقرة / الآية 187 ] . قال له عديُّ بنُ حاتمٍ : يا رسولَ اللهِ ! إني أجعلُ تحت وسادتي عِقالَين : عقالًا أبيضَ وعقالًا أسودَ . أعرفُ الليلَ من النهارِ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : " إنَّ وسادَك لعريضٌ . إنما هو سوادُ الليلِ وبياضُ النهارِ " .
والشاهد:
أن تصور ومفهوم ومعلوم عديٍّ رضي الله عنه عن الخيط الأبيض والخيط الأسود في الآية كان على ظاهر اللفظ وكذلك كان جماعة من الصحابة، فلما حكى للنبي ذلك رد النبي بقوله: " إنَّ وسادَك لعريضٌ . إنما هو سوادُ الليلِ وبياضُ النهارِ " .
وبالتالي تم تصحيح التصور أو الفهوم أو المعلوم فتم تصحيح التصرف أو المفعول أو المعمول.
مثال آخر:
في صحيح أبي داود وابن ماجه وغيرهما وحسنه الألباني من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه قال:
" كنتُ ألقى منَ المَذيِ شدَّةً ، وَكُنتُ أُكْثرُ منَ الاغتِسالِ ، فسألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذلِكَ ، فقالَ: إنَّما يجزيكَ من ذلِكَ الوضوءُ ، قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ، فَكَيفَ بما يصيبُ ثوبي منهُ ؟ قالَ: يَكْفيكَ بأن تأخذَ كفًّا من ماءٍ ، فتنضَحَ بِها من ثوبِكَ ، حيثُ ترى أنَّهُ أصابَهُ "
الشاهد:
أن الصحابي الجليل رضي الله عنه كان تصوره في المذي إذا نزل وجوب الاغتسال فكان تصرفه بناء على هذا التصور كثرة الاغتسال حتى وقعت المشقة؛ فالمرء ليس قادراً على الاغتسال في كل وقت وفي كل ظرف وفي كل مكان فربما كان الماء بارداً جداً أو كان هو في مكان لا يقدر فيه على الاغتسال أو غير ذلك فلما شق ذلك عليه توجه إلى رسول الله متشكياً مستفتياً فضبط النبي صلى الله عليه وسلم تصوره ومفهومه ومعلومه عن المذي وحكمه وما يجب عليه إذا وجده فتم ضبط التصرف بناء على ضبط التصور.
مثال آخر:
ما رواه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه وصححه الألباني من حديث عبدالرحمن بن أبزى:
" أن رجلًا أتَى عُمَرَ بنَ الخطابِ فقالَ إني أجنبتُ فلم أجِدِ الماءَ فقالَ لا تُصَلِّ فقالَ عَمَّارُ أما تذكرُ يا أميرَ المؤمنينَ إذْ أنَا وأنتَ في سَرِيَّةٍ فأجنبنَا فلم نجدْ ماءً فأمَّا أنتَ فلم تصَلِّ وأما أنا فتمَعَّكْتُ في الترابِ وصليتُ فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنما كان يكفيكَ أن تضرِبَ بيديكَ الأرضَ ثم تنفخَ فيهما ثم تمسحَ بهما وجهَكَ وكفَّيْكَ فقالَ عمرُ اتقِ اللهَ يا عمَّارُ قال إن شئتَ لم أُحَدِّثْ به فقال عُمَرُ نُوَلِّكَ ما تَوَلَّيْتَ ".
فهذا عمار رضي الله عنه لما أجنب كان تصوره أن التيمم للجنابة يكون بتعميم الجسد بالتراب كما في الماء فتصرف بمقتضى هذا التصور وفعل بمقتضى هذا الفهم وعمل بمقتضى هذا المعلوم
فلما حكى للنبي ما كان منه ضبط تصوره وصحح مفهومه وصوب علمه بخصوص التيمم وكيفيته فكان تصرفه ومفعوله ومعموله من بعد منضبطاً على مقتضى التصور الجديد.
مثال آخر:
روى الدار قطني في سننه وأبو داود وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وحسنه اللباني في صحيح أبي داود من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما واللفظ للدارقطني من حديث جابر:
"خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب شك موسى على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده ".
والشاهد:
أن الصحابة الكرام لما كان تصورهم ومفهومهم ومعلومهم أن الاغتسال من الجنابة واجب مع وجود الماء بإطلاق ومهما كانت العوائق والمفاسد المتوقعة في مثل حالة الصحابي الجليل الذي أصابته شجة في رأسه من حجر أصابه كان تصرفهم ومفعولهم ومعمولهم في الفتوى والتطبيق أن يغتسل الصحابي مهما كانت الظروف والمضارّ.
فلما اغتسل مات من أثر الجرح في رأسه فلما حكوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال ما قال وضبط لهم التصور وصحح المفهوم وصوب المعلوم لينضبط التصرف من بعد ذلك على النسق الصحيح.
والحقيقة أن الأمثلة أكثر من أن تحصى وأوسع من أن تجمل في مقال أو خطبة أو موعظة .
كما أنها تنتشر في أصول الدين وفروعه عقيدة وشريعة عبادات ومعاملات وحدوداً وجنايات وأخلاقاً وسلوكياتٍ بيعاً وشراءً سلماً وحرباً
وكم من مثال وموقف وحادثة وقعت وكمم جريمة ارتكبت وكم من حرمة انتهكت وكم من مصيبة أصابت بسبب فساد التصور الذي ترتب عليه بالتبعية فساد التصرف
وفي المقابل أيضاً كم من فائدة ومنفعة ومصلحة ضيعت وخسرناها أفرادًا وجماعاتٍ بسبب سوء المعمول المنبثق عن غلط المعلوم.
ولنا بإذن الله وتوفيقه وقفات أخرى تحت هذا العنوان الرئيس في مقالات مقروءة وخطب مرئية في سبيل تصحيح المفاهيم وضبط التصورات وتصويب المعلومات وفق المنهج الحق من خلال قراءة متأملة متدبرة واعية للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مع ضرب أمثلة واقعية نعيشها في حياتنا اليومية دون أن يدرك الكثيرون أبعادها الشرعية.
كارم السيد حامد السروي*
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
[email protected]
أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.