عندي تجربة على أعلى مستويات الحكم في بلادي. لقد اقتربت جداً من الرئيس السادات. أطلبه في التليفون يومياً عدة مرات وأراه في الأسبوع ثلاث وأربع مرات، وأفطرت وتغديت وتعشيت معه. ورأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. وسمعت القرار هادئاً وغاضباً وساخطاً. ولم يدهشني القرار وإنما حيثيات القرار. رأيت رجالاً حول الرئيس يقولون: فلان هذا كويس جداً، ولكنه مع الأسف يضرب أمه! أعوذ بالله! يضرب أمه؟ فعليه اللعنة! ولكن أحداً لا يتحقق من إن كان يضرب أمه أو هي التي تضربه. وسمعت من يقول على مسمع من الرئيس: أعوذ بالله، فلان هذا يا ساتر يا رب، امرأته أسوأ خلق الله. ومن يومين سمعت أحد أولاده يكلم شاباً في أحد الأندية وقال له، وليس رأيه وإنما هو رأي أبيه، في السياسة وفي الحكم. المعنى: إن هذا الشاب يردد كالببغاء رأي أبيه في الحكومة والحاكم وإن هذا الرأي سيئ. فأبوه إذن سيئ. وليس هو الرجل المناسب في المكان المناسب. وسمعت: فلان لص. صحيح أخوه تعلم في أميركا، وبس! يعني هو لص فكيف لا يكون أخوه، الذي تعلم في أميركا، لصاً أيضاً؟! القرآن الكريم يقول: «إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل»، هذا كلام إخوة يوسف، وهو كلام ظالم، ولكن هذا ما يقوله الناس عادة. يعني أن الأخوين من اللصوص «وإذا كان الأول لصاً فالثاني سوف يكون». ما المعنى؟ المعنى أن الحاكم أحياناً يختار الناس من الذين حوله. يسألهم الرأي. ويسأل أجهزة الأمن أيضاً. ومن هذه الآراء يبني قراره أحياناً. فهو ينظر في دائرة الضوء حوله ويختار ثم يقرر. هناك نكتة سمعتها في أحد الكازينوهات الألمانية. ظهر رجل سكير يترنح يبحث عن شيء ضاع منه. وراح يلف ويدور حول مصباح الشارع. فجاءه أحد رجال البوليس يسأله: عن أي شيء تبحث؟ قال: عن مفتاح البيت. سأله: هل سقط منك هنا؟ فأجاب: بل في أول الشارع. فسأله: ولماذا هنا؟ فأجاب: إنه المكان الذي به الضوء! فالحاكم أحياناً يبحث عن الذي يريده لا في المكان المناسب وإنما في المكان الذي به النور. في دائرة الضوء حوله. وقد يصيب وقد يخيب ولكنه غالباً لا يصيب! والحل؟ لا حل. فالحاكم إنسان أيضاً يتعب ويزهق ويمل ولا يستطيع طول الوقت أن يقرر بعد أن يقرأ ويبحث في مسوغات التعيين ومبررات الاختيار! ---- صحيفة الشرق الاوسط اللندنية في 3 -7 -2005