"كن جميلًا تر الوجود جميلًا" وحرمة التعدي على الجار، موضوعات خطبة الجمعة القادمة    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    عبور سفن عملاقة من باب المندب إلى قناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    حسن غانم رئيس بنك التعمير والإسكان: تحقيق أولى خطوات تنفيذ استراتيجية 2025-2030 امتدادا لمسيرة النجاح خلال الأعوام الماضية    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    الزراعة: تعاون مصري صيني لتعزيز الابتكار في مجال الصحة الحيوانية    برلمانى: الصفقات الاستثمارية رفعت محفظة القطاع السياحي لأكثر من 70 مليار دولار    9 قتلى و32 مصابا في انفجار بمركز شرطة ناوجام في جامو وكشمير    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    مدير الإعلام بحكومة إقليم دارفور: المليشيات وثقت جرائمها بنفسها    جولف مدينتي يحصد جائزة World Golf Awards كأفضل ملعب في مصر وأفريقيا لعام 2025    تشكيل إسبانيا الرسمي أمام جورجيا في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم    ذكرى اعتزال حسام حسن.. العميد الذي ترك بصمة لا تُنسى في الكرة المصرية    ضبط المتهمين بقيادة مركبات «الاسكوتر» بطريقة خطرة ببني سويف| فيديو    القبض على أنصار نائب لقيامهم بإطلاق النار احتفالا بفوزه في الانتخابات    المخرج الصيني جوان هو: سعيد بالأجواء في مصر وأحلم بتصوير فيلم على أرضها    صوت المهمشين ضحكًا وبكاء    خبير أسري: الشك في الحياة الزوجية "حرام" ونابع من شخصية غير سوية    وزير الصحة يعلن توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    اليابان تحتج على تحذيرات السفر الصينية وتدعو إلى علاقات أكثر استقرارًا    جيراسي وهاري كين على رادار برشلونة لتعويض ليفاندوفيسكي    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    القاهرة للعرائس تتألق وتحصد 4 جوائز في مهرجان الطفل العربي    تعرض الفنان هاني مهنى لوعكة صحية شديدة.. اعرف التفاصيل    المصارعة تشارك ب 13 لاعب ولاعبة في دورة التضامن الإسلامي بالرياض    أسامة ربيع: عبور سفن عملاقة من باب المندب إلى قناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    المجمع الطبى للقوات المسلحة بالمعادى يستضيف خبيرا عالميا فى جراحة وزراعة الكبد    التعليم العالي ترفع الأعباء عن طلاب المعاهد الفنية وتلغي الرسوم الدراسية    استجابة لما نشرناه امس..الخارجية المصرية تنقذ عشرات الشباب من المنصورة بعد احتجازهم بجزيرة بين تركيا واليونان    للأمهات، اكتشفي كيف تؤثر مشاعرك على سلوك أطفالك دون أن تشعري    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    تقرير: مدرب شبيبة القبائل يستعد لإجراء تغييرات كثيرة أمام الأهلي    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    انطلاق الأسبوع التدريبي ال 15 بقطاع التدريب وبمركز سقارة غدًا    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    «‏رجال سلة الأهلي» يواجه سبورتنج في إياب نصف نهائي دوري المرتبط    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    كولومبيا تشتري طائرات مقاتلة من السويد بأكثر من 4 مليارات دولار    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    فلسطين.. جيش الاحتلال يعتقل 3 فلسطينيين من مخيم عسكر القديم    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ عبد المحسن العبّاد العالم المتواضع الرفيق
نشر في المصريون يوم 23 - 08 - 2010

أحيانًا يكون الفم مريضًا، فلا يستسيغ الماءَ العذب الزلال، وأحيانًا يكون البصر كليلاً فيعجز عن رؤية الأشياء على هيئاتها الصحيحة.
وكذلك أحكام البشر على الأفكار والأشياء، حين تسوء طباعهم، وتعوجّ فهومهم، وتلتوي فطرهم، فإنهم يحبون الشيء ملتويًا معوجًّا سيئًا:
العامل النشيط عندهم (حمار شغل)، والطالب المجتهد (صمّيم، وسوسة كتب)، والرجل الصريح المباشر (قفل)، والذي يقول لا ونعم - واضحة - ولا يقبل المداهنة، هو رجل جافٍ غليظ.. وهكذا.
والحق أن هذه الأحكام عرّية عن الإنصاف والاستقامة وحسن النية، خصوصًا إذا وُجهت ضد العلماء ذوي النسبة الخاصة، أو الفكر المميز، ومنهم شيخي الشيخ العالِم الصالح عبد المحسن العباد حفظه الله وشفاه.
كان اسمه مقرونًا - حين سمعته - بالشدة والجمود والتعنت، يخافه طلاب الجامعة، ويهابون لقاءه إذا اضطروا إليه، وكذلك تصورته حين رأيته أول مرة، وكان آنذاك نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية وظيفةً، ورئيسها فعلاً، وكانت هيئته العامة توحي بالبداوة، ثم رأيته - عن قرب واحتكاك - فأدركت كم تخطئ التخمينات الجزافية، وكم تخدع المظاهر، وكم يطلق الشيطان على الصالحين من شائعات.
رأيته ورأيت عجبًا، سافرت معه للحج ضمن بعثة الجامعة، وكان السفر بالأتوبيسات، فصحبنا، وأبى أن يركب الطائرة - مثل كبار الشخصيات - بل قطع معنا الطريق؛ على طوله.
ولما طال المسير، وأصاب المسافرين العناء، وجدته ينزل من السيارة ليغفو قليلاً فيضع نعله تحت رأسه، ويتغطى بعباءتِهِ، ثم ينام في بساطة عجيبة، وعهدي (بالمعيدين) في الجامعة التي درستُ بها أولاً - ناهيك عن الأساتذة، ورؤساء الأقسام، ناهيك عن العمداء، ناهيك عن رئيس الجامعة - أنهم نفاخون، شديدو الغرور، وبعضهم يعتقد جازمًا أن الله خلق سعادته من ماء الورد وخلق الناس سواه من ماء البِرَك، فكانت مفاجأة لي مذهلة أن أرى الرجل الكبير يلمسه طلابه بأيديهم، ويرونه نائمًا على الأرض، وذراعه تحت رأسه، في بساطة وتواضع، ومعايشة لا عهد لي بمثلها آنذاك.
ثم عرفته بعد ذلك أستاذًا قديرًا يشرح لنا (بداية المجتهد، ونهاية المقتصد)، فوجدت العلم الوفير، والثقة بالنفس، وحضور الدليل، ومعرفة موارد الخلاف، ورأيته مرحًا بسامًا على غير ما أشيع يداعب طلابه، ويطلق بينهم النكات في بساطة وأخوّة.
أذكر أنهم كانوا يجلسون الطلاب في قاعة الدرس على أساس التفوق، الأول في المقعد الأول، والثاني في الثاني، والأخير في آخر المقاعد، وحين دخل الشيخ أولى محاضراته، ونحن في السنة الرابعة، وجد شابًّا إفريقيًّا يجلس في الصف الأول على الجهة اليمنى، واسمه محمد كسولي (وهو سفير بلاده أوغندا الآن في السعودية والخليج على ما أظن)، فظنه الشيخ يجلس في غير مقعده؛ لأن الموقع متقدم جدًّا، فقال له: ارجع إلى كرسيك، لماذا تجلس هنا؟ قال الشاب: هذا كرسيي، وأنا في مكاني، فعجب الشيخ وقال: أنت تجلس هنا حقًّا؟ فلماذا سماك أبوك كسولي وأنت ممتاز؟
رائد التخريج والأسانيد
والشيخ شفاه الله وحفظه أستاذ في الفقه، كما أنه عالم في الحديث الشريف وعلومه، بارع في معرفة الرجال، وكان من أول ما درسنا له كتاباه في التخريج والأسانيد من صحيحي البخاري ومسلم، درسناهما تطبيقيًّا سنتي 1395 – 1396ه (1975 – 1976م) وعلمي أنهما أول ما أُلف في التخريج والأسانيد مطلقًا، تبعتهما بعد ذلك مذكرتان تعليميتان للشيخ عبد الغفار حسن رحمه الله الباكستاني، ثم كتاب للدكتور محمود الطحان السوري، ثم تتالت الدراسات في هذا الفن بعد ذلك، فللشيخ - في ظني - ريادةٌ في الكتابة في هذا العلم، وله فضل تعليمنا التعامل مع المعاجم الحديثية، وكتب الرجال، ومعالجة ألفاظ الجرح والتعديل، والمراتب والطبقات، والنظر في علل الأسانيد والمتون، ومعرفة غرائب الأسانيد ولطائفها.
كان أيضًا ذا فراسة نفعني الله تعالى بها كل النفع حين أذن بعودتي للجامعة بعد أن فصلت منها بسبب الغياب، ونفعني الله بها حين دخلت عليه ذات مرة غاضبًا مشتعلاً من الانفعال ساعة دخولي مكتبه (مرة ثانية هو رئيس الجامعة)، وكان ذلك بعد أن سمعت عن قرار رأيت فيه إضاعة لجهدٍ كبير كنت قد بذلته في إطار النشاط الطلابي، فلما رأى انفعالي ساعة دخولي مكتبه تفّرس أني غاضب، فتحرك برشاقة، وسحب كرسيًّا وضعه ليس في مواجهته أمام المكتب، بل بجوار كرسيه مباشرة، وراء المكتب، حتى أكون قريبًا منه، ودعاني للجلوس وهو يبتسم ويقول: ما لك؟ قلت: قراركم بكذا وكذا سينسف عملي كله، قال: ولا يهمك، لا تبالِ به؛ اعمل ما شئت، فكأنما غمرني بماء بارد، وذهب عني الغضب كله، وخرجت سعيدًا أكاد أطير من الفرحة.
مرة أخرى أصدر قرارًا بمنع سفر الطلاب لبلادهم في عطلة منتصف العام، فراجعته بشدة وأصررت على رأيي، فأخذ يقنعني بمزايا البقاء بحجج مختلفة، وأنا أدفعها كلها، وهو يضحك، فصرفني للعميد على سبيل التخلص مني، فذهبت إليه وقلت: يسلم عليكم الشيخ عبد المحسن، ويطلب أن تأذن لنا في السفر، فتعجب العميد بشدة، وقال: لا يمكن، قلت: فاسأله إذن، ولما اتصل به العميد سمعت الشيخ عبد المحسن على الخط يضحك مقهقهًا ويقول له: ائذن له وللآخرين.
كان أيضًا سوسة علم، يدخل الجامعة يوميًّا عقب صلاة الفجر، ويبقى حتى ينتهي الدوام مع أذان الظهر، فنصلي جميعًا: الرئيس والعمداء والأساتذة والطلاب، ثم ننصرف للغداء، والنوم، ومع صلاة العصر يعود ليلزم مكتبه يقرأ ويكتب، ويبقى هكذا حتى صلاة العشاء، لا يخرجه إلا صلاة المغرب وحدها.
مواعيد مضبوطة، وفطرة سليمة، وعلم ورفق، وحسن خلق، لأتأكد بعد المعايشة من بطلان الإشاعات عن الجفاء، والبداوة فيه، وفي رجال نفع الله بهم فعلمونا ما لم يعلمنا (المشايخ الإتيكيت)، وأثروا فينا ما لم يؤثر ذوو الياقات المنشاة (والجِزم الأجلاسيه).
ابن باز والعباد:
يقول الشيخ: كنت آتي إليه - يعني الشيخ بن باز رحمه الله - قبل الذهاب إلى الجامعة وأجلس معه قليلاً، وكان معه الشيخ إبراهيم الحصين رحمه الله، وكان يقرأ عليه المعاملات من بعد صلاة الفجر إلى بعد ارتفاع الشمس. وفي يوم من الأيام قال لي: رأيتُ البارحةَ رؤيا، كأنّ هناك بَكْرَةٌ جميلة (ناقة شابة) وأنا أقودها وأنت تسوقها، وقال:أوّلتُها بالجامعة الإسلامية، وقد تحقّق ذلك بحمد الله، فكنتُ معه في النيابة مدّة سنتين، ثم قمتُ بالعملِ بعدهُ رئيسًا بالنيابة أربعةَ أعوام.
من عجائب خلقه:
حدثني أخي الدكتور محمد الجمل عن صبر الشيخ وتماسكه في المواقف الصعبة، ومن ذلك أنه كان يعقد الدروس لطلاب العلم في بيته، وذات درسٍ دخل مريدوه وطلابه الذين يختلفون إلى بيته لسماع دروسه كعادتهم، فبقي معهم يشرح، ويقرر، ويستفيض، لكنه - على خلاف عادته – كان يترك الدرس بين الحين والحين، يقوم ويرجع، فسأله أحدهم عن السبب، فقال ببساطة: إن بالداخل فتاةً تحتضَر، وإنه كان يتركهم ليعرف حالها ثم يعود ليواصل الدرس، لم يعتذر إليهم، ولم يحسوا شيئًا من النقص، في لهجته أو عطائه، بل صَبَر حتى اكتشف طلابه الأمر بأنفسهم، فقاموا على استحياء وانصرفوا.
ولقد قرأت من جمع أحد الإخوة في أحد المنتديات هذه الصور من ورعه فيقول:
حدثني أحدهم قصتين عن ورع الشيخ تذكرك بورع السلف الأولين !
قال: سمعت سائق الشيخ الذي يذهب به إلى الجامعة ويعود به أن الشيخ ما كان يرضى أن يوقف سيارة الجامعة على الطريق من أجل شراء حاجة للبيت.
وقال: سمعته أيضا يقول: لما انتهت رئاسة الشيخ للجامعة الإسلامية (والتي تولى رئاستها بعد سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله) رأيت الشيخ واقفًا أسفل ينتظر، فمررت عليه بالسيارة كالعادة لأوصله للمنزل، فأبى الركوب وقال: ما دريت أنا قد انتهت مدة رئاستي، وقد أرسلت لابني يأتي ليأخذني!
ومن الأمور التي تدل على رفعة أخلاقه ورحمته للناس أنه رغم ترئُّسِه للجامعة الإسلامية لم يكن يستغل هذا المنصب الرفيع ليشق على العاملين معه؛ بل كان يتعمد عدم إقلاق راحتهم، وقد روى الشيخ حماد الأنصاري قال: ذهبت إلى الجامعة عصرًا عندما كان الشيخ عبد المحسن العباد رئيسها، ولم يكن في الجامعة إلا أنا وهو، فقلت له: لماذا لا تأتي بمن يفتح لك الجامعة قبل أن تحضر؟، فقال: لا أستخدم أحدًا في هذا الوقت، لأنه وقت راحة، وكان ذلك وقت العصر!
مداعبات:
يقول الشيخ في محاضرته (عمر فلاته كما عرفته): (ومن الطرائف العجيبة أنّني أداعب الشيخ عمر حول سنّه وأنّه كبير، ولا يظهر عليه الكِبَر، وفي سنة من السنوات كنّا في الحج، ودخلنا مخيم التوعية في عرفات، وإذا فيه رجل قد ابيضّ منه كلُّ شيء حتّى حاجباه، فقلتُ للشيخ عمر: هذا من أمثالك أي: كبار السنّ، وبعد أن جلسنا قال ذلك الرجل يخاطبني: أنا تلميذ لك، درّستني في مدرسة ليلية ابتدائية في الرياض - وكان ذلك في سنة 1374ه تقريباً - وكنت في زمن دراستي في الرياض أدرس مساءً متبرعًا، في تلك المدرسة التي غالبُ طلابها موظفون، فوجد ذلك الشيخ عمر رحمه الله مناسبة ليقلب الموضوع عليّ، فكان يكرّر مخاطباً ذلك الرّجل: أنت تلميذ الشيخ عبد المحسن؟).
ويقول: (كنتُ معه -الشيخ عمر فلاته رحمه الله- في مجلس وفيه أحدُ المشايخ وقد حج فرضه بعد ولادتي بسنة، وكنتُ أعرف ذلك فسألته قائلاً : متى حججتَ فرضَك؟ فقال له الشيخ عمر: انتبه لا يجرّ لك لسانك، يعني بذلك التوصل إلى مقدار عمر ذلك الشيخ).
قالوا عن عبد المحسن العباد:
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: لا أعلم له نظيرًا في هذا العصر في العناية بالحديث وسعة الإطلاع فيه، وأنا لا أستغني، وأرى أنه لا يستغني غيري عن كتبه والإفادة منها! وهذه شهادة عجيبة من رجل كالألباني رحمه الله تعالى.
وقال المحدث الشيخ حماد الأنصاري: ما رأت عيني مثله في الورع..
وقال: ينبغي أن يكتب عنه التاريخ، فقد كان يعمل أعمالاً في الجامعة تمنيت لو أني كتبتها أو سجلتها، وقد كان يداوم في الجامعة على فترتين صباحًا، ومساء بعد العصر، ومرة جئته بعد العصر بمكتبه وهو رئيس الجامعة، فجلست معه، ثم قلت: يا شيخ أين القهوة؟ فقال: الآن العصر، ولا يوجد من يعملها، ومرة عزمت أن أسبقه في الحضور إلى الجامعة، فلما وصلت إلى الجامعة فإذا الشيخ عبد المحسن يفتح باب الجامعة قبل كل أحد!
ولا يزال عطاء العالم الجليل الشيخ عبد المحسن العبّاد دفاقًا، رغم أنه كاد يفقد بصره، جزاه الله عنا خير الجزاء، وجزى علماءنا ومشايخنا وكل من له يد في تكويننا، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ في سطور:
ولد الشيخ عبد المحسن العباد عقب صلاة العشاء من ليلة الثلاثاء من شهر رمضان عام 1353 ه في بلدة الزلفي، ونشأ وشب فيها، وتعلم مباديء القراءة والكتابة في الكُتاب عند بعض مشايخ الزلفي، ومنهم الشيخ عبد الله بن أحمد المنيع، والشيخ زيد بن محمد المنيفي، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغيث، وقد أتم على يديه القرآن الكريم وغيرهم
ومن شيوخه بعد ذلك : الشيخ المفتي محمد بن إبراهيم والشيخ العلامة عبد العزيز بن باز والشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي والشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمهم الله أجمعين.
نال الشهادة الابتدائية فيها عام واحدٍ وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية. ثم انتقل إلى الرياض ودخل معهد الرياض العلمي، وكانت السنة التي قدِم العلامة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله من الخرج إلى الرياض، وأول سنة يُدرسُ في هذا المعهد. وبعد تخرجه التحق بكلية الشريعة بالرياض، وأثناء السنة النهائية في الكلية عُين مدرسًا في معهد بريدة العلمي في 13/5/1379ه، وفي نهاية العام الدراسي عاد إلى الرياض لأداء الامتحان النهائي في الكلية، فأكرمه الله تعالى بأن كان ترتيبه الأول بين زملائه الذين كانوا يمثلون الفوج الرابع من خريجي كلية الشريعة بالرياض، كما كان ترتيبه الأول أيضاً في سنوات النقل الثلاث في الكلية، وعند حصوله على الشهادة الثانوية بمعهد الرياض العلمي، ودرس الشيخ في الجامعة، وفي المساجد على يد العلماء الكبار ممن سبق ذكرهم. .
وفي عام 1380ه نقل إلى التدريس في معهد الرياض العلمي، وعندما أنشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وكانت أول كلية أنشئت فيها هي كلية الشريعة، اختاره سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ للعمل فيها مدرسًا، وبدأت الدراسة فيها يوم الأحد 3/6/1381ه وكان الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد أول من ألقى فيها درسًا في ذلك اليوم. وقد حصل على شهادة الماجستير من جامعة الأزهر، وبقي يعمل مدرسًا في الجامعة إضافة لتدريسه في الحرم النبوي الشريف. وفي 30/7/1393 ه عُين نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية، وقد اختاره لذلك المنصب جلالة الملك فيصل رحمه الله، وكان أحد ثلاثة رشحهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رئيس الجامعة في ذلك الوقت، وبقي في ذلك المنصب إلى 26/10/1399ه، حيث أُعفي منه بإلحاح منه، وبعد انتقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء كان هو المسؤول الأول، خلال هذه الأعوام الستة لم يتخل عن إلقاء درسين أسبوعيًّا في السنة الرابعة من كلية الشريعة.
من أقواله:
( من أحب أعمالي إلى نفسي وأرجاه لي عند ربي حبي الجم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، وبغضي الشديد لمن يبغضهم، وقد رزقني الله تعالى بنين وبنات، سميت أربعة من البنين بأسماء الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، بعد التسمية باسم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وسميت بعض البنات بأسماء بعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، بعد التسمية باسم سيدة نساء المؤمنين رضي الله عنها. وأسأل الله تعالى وأتوسل إليه بحبي إياهم، وبغضي من يبغضهم، وأن يحشرني في زمرتهم، وأن يزيدهم فضلاً وثواباً).
من مؤلفاته ودروسه:
عشرون حديثاً من صحيح الإمام البخاري/ عشرون حديثا من صحيح الإمام مسلم/ من أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم/ عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام/ فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة/ عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر/ الإخلاص والإحسان والالتزام بالشريعة/ فَضلُ المدينة وآدابُ سُكنَاها وزيارتِها/ من أقوال المنصفين في الصحابي الخليفة معاوية رضي الله عنه/ رفقًا أهل السنة بأهل السنة.. وغيرها كثير..
وهو مدرس بالحرم المدني فالعام الماضي كانت دروسه يومياً عدا الخميس بعد كل صلاة مغرب بالحرم النبوي في شرح سنن أبي داود،وله دروس أخرى في مسجده. أتم الشيخ شرح عدة كتب من كتب السنة النبوية، وشرح مقدمة ابي زيد القيرواني في العقيدة، وشرح في المصطلح ألفية السيوطي، وشرح كتاب الصيام من اللؤلؤ والمرجان، وكتاب آداب المشي إلى الصلاة وكلها في الحرم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.