هذا المقال ليس بصدد التحدث عن خارطة الطريق الرباعية التي وضعت بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية لرسم طريق لحل مشكلة فلسطين. لكن الحديث هنا عن خارطة طريق مصرية يريدها كل شعب مصر, وقد وضعها هذا الشعب بكل أفراده دون أن ينطق بها كثير منهم, وإنما هي ملامح الوجوه المتسائلة وأنات القلوب العطشي إلي الإحساس بأنها صاحبة هذا البلد, وأنها تحكم نفسها بنفسها دون وصاية من فرد أو حزب أو جماعة, وأن السلطة التنفيذية ليست فوق سلطة الشعب, وإنما الشعب هو القائد والسيد, ويجب أن تخضع لمشيئته وإرادته كل السلطات. وقد لاحت بارقة أمل عندما أعلن السيد الرئيس مبادرته يوم26 فبراير الماضي بطلبه لمجلس الشعب تعديل المادة76 من الدستور, وهلل الشعب لهذه المبادرة ورأي فيها أملا للوصول إلي ما طال تمنيه له, إلا أن من أنيط بهم إجراء هذا التعديل خرجوا به عن الهدف المرسوم ووضعوا ما سموه الضوابط المانعة والتعجيزية التي تحول دون تحقيق الديمقراطية بين أبناء الوطن. والسؤال الآن هو: لماذا لم ترد هذه الضوابط في الدستور طيلة العمل بنظام الاستفتاء لمنصب رئيس الجمهورية؟. ألم يكن من الممكن أن يرشح مجلس الشعب شخصا لا تتوافر فيه أي ضوابط, حتي ولو كان( بعجر) الذي رشح نفسه لرئاسة الجمهورية أمام الرئيس جمال عبدالناصر عام1954, وتحدثت عنه كثير من محطات الإذاعة حين ذاك ومنها إذاعة إسرائيل, دون أن يعترض عليه أحد؟. أم أنه كان أهم شيء أن يظل حكم الحزب الواحد هو القائم لأن الأغلبية المزعومة وغير المعبرة عن الإرادة الحقيقية للشعب هي التي تقرر, ولن تقرر شيئا يسحب البساط من تحت أقدامها لتظل مهيمنة ومسيطرة, مما أدي إلي إفساد الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية في جميع أجهزة الدولة؟. وقد جاءت بطاقة الاستفتاء علي تعديل المادة76 مخيبة للآمال, لأنها تضمنت عدة أمور كل منها يجب أن يكون له استفتاء خاص, فالضوابط الخاصة بالأحزاب موضوع استفتاء, والضوابط الخاصة بالمستقلين موضوع استفتاء, والانتقال من نظام الاستفتاء إلي نظام الانتخاب موضوع استفتاء. كما أن مواد الدستور الخاصة برئيس الجمهورية وضعت كلها لتوائم نظام الاستفتاء الذي كان ينص عليه الدستور, وكان من المفترض عند التعديل إلي نظام الانتخاب أن يتم تغيير كل هذه المواد لتوائم نظام الانتخاب, حيث إن الآليات لكل من النظامين تتباين تباينا كبيرا عن النظام الآخر. إن التحفظ علي تعديل المادة76 مازال قائما بالنسبة للشق الخاص بالضوابط, فما حدث يزيد من عوار الدستور, لذلك يجب معاودة دراسته بما يتفق مع مصلحة الوطن والشعب. ثم جاء بعد ذلك ما سمي قانون انتخاب رئيس الجمهورية بكل ما اشتمل عليه من نصوص تجعل هذه العملية شكلية بحتة لمصلحة الاستمرار. والآن ما العمل؟ إن الأمر يتطلب وضوح الرؤي ويتطلب التسامي فوق كل الاعتبارات الشخصية والحزبية والسلطوية, وإن الانتقال بمصر إلي نظام ديمقراطي حقيقي هو السبيل الوحيد إلي نهضتها وإلي عبور كل الأزمات التي تعانيها. إن مشكلات البطالة والإسكان والتعليم والصحة والأسعار وغيرها لن تحل إلا بإرساء نظام ديمقراطي سليم يجعل الشعب هو السيد والقائد. إننا في حاجة إلي تفعيل حقيقي ومخلص للتعديل الذي أرساه السيد الرئيس بما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في كل ما أحاط بهذا التعديل, وإلي التأني في اتخاذ الخطوات المترتبة عليه حتي يأتي التغيير حقيقيا, وحتي لا تحدث انتكاسة, لذلك كله فإنه يري إدراكا للمسئولية الخطيرة, وللمرحلة الدقيقة التي تجتازها مصر ويجتازها شعبها, ضرورة إعداد خريطة الطريق التي نحتاجها للوصول بمصر إلي بر الأمان, تتلخص في اتخاذ الإجراءات الدستورية فورا للإعلان عن فترة انتقالية مدة سنتين أو ثلاث, يستمر فيها الرئيس حسني مبارك في موقعه, ويتم خلالها الفصل بين رئاسة الحزب والدولة, وتشكيل حكومة محايدة ومحدودة العدد من شخصيات غير حزبية مقبولة من الشعب, ورفع حالة الطوارئ وعدم إعلانها إلا في حالة الحرب الفعلية, وطبقا للدستور, والدعوة لإجراء انتخابات حرة نزيهة لمجالس شعب وشوري ومحليات تحت إشراف كامل للقضاء, بدءا من إعداد جداول انتخابية جديدة وواقعية وبطاقات انتخابية غير قابلة للتزوير, حتي إعلان نتائج كل الانتخابات, وتؤدي اللجنة القضائية عملها بمعاونة ممثلين منتخبين من الشعب في انتخابات حرة نزيهة, وتكون هذه اللجنة ومعاونوها غير قابلين للعزل وبرئاسة رئيس محكمة النقض. من ناحية أخري من المهم تشكيل لجنة لوضع دستور جديد يحقق السيادة للشعب, وينص علي أن مصر جمهورية برلمانية, ويتلاءم مع المتغيرات والتطورات المحلية والعالمية التي حدثت خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة, علي أن يعرض مشروع الدستور الجديد علي جميع الأحزاب والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني لإبداء ما تراه قبل عرضه في استفتاء عام علي الشعب. بالإضافة إلي ذلك يقترح فتح باب الترشيح لانتخابات رئيس الجمهورية قبل إجرائها بوقت يتيح لكل المتقدمين عمل الدعاية اللازمة, وعرض برامجهم علي جماهير الشعب في كل المحافظات, مع إتاحة الفرص المتكافئة أمامهم في جميع وسائل الإعلام وتنظيم طرق الدعاية وأساليبها ومؤتمراتها بأسلوب حضاري منظم. كما يقترح أنه إذا رغب رئيس الجمهورية في ترشيح نفسه مدة جديدة فإنه يتخلي عن منصبه منذ إعلانه عن رغبته في الترشيح, ويتولي الرئاسة مؤقتا من ينص عليه الدستور الجديد, إلي أن يتم تنصيب الرئيس المنتخب طبقا للدستور. تلك هي خريطة الطريق المتصورة التي يعرضها حزب مصر2000 علي المسئولين وعلي كل القوي الوطنية المخلصة, للعمل بإصرار من أجل تحقيق ما يتطلع إليه كل مصري, ومن أجل إنهاء ما يعانيه الشعب من مشكلات والصعود به إلي المكانة المرموقة التي يستحقها والتي يجب أن يستعيدها. ----- صحيفة الاهرام المصرية الحكومية في 4 -7 -2005