في المقال الذي كتبته الأسبوع الماضي عن الزعيم العربي الذي أحلم به, لم أذكر أن من مواصفاته أن يقيم الدولة الإسلامية وحكم الشرع ولوحظ أن الإخوان المسلمين في مصر سعوا من أجل قيام جبهة وطنية عريضة تضم أحزاباً وتيارات شتي هدفها الإطلاع وإطلاق الحريات، وليس هناك ذكر لدولة الإسلام.. فما الذي يعنيه كل ذلك؟؟ وليس من المعقول أن كبري الجماعات الإسلامية المعاصرة تتجاهل شرع الله.. فهل هذا الصمت انتهازية سياسية؟ وسيكشف هؤلاء عن أغراضهم الحقيقية عندما يحين وقت الكلام!! بعد أن ينجحوا في الوصول إلي السلطة!! والتمكين في الأرض، وفي هذه الحالة يكون لكل حادث حديث!! وفي البداية أؤكد أن الإخوان المسلمين الذين أتشرف بالانتماء إلي صفوفهم لم يتخلوا يوماً عن حلمهم في إقامة دولة الإسلام.. وهم متمسّكون بشعارهم التقليدي الإسلام هو الحل . ومن الأمور التي تؤخذ علي بعض الإسلاميين أن كلامهم عام ويحتاج إلي تحديد!! يعني إيه الإسلام هو الحل؟ وما هي مواصفات الدولة التي يريدون إقامتها؟ والإخوان المسلمون تداركوا هذا الخطأ، فقدّم مرشدهم الحالي محمد مهدي عاكف برنامجاً محدداً أعلنه في نقابة الصحفيين المصرية في مارس من سنة 2004، ويلاحظ أنهم مدوا أيديهم إلي القوي السياسية الأخري ومعظمها من التيارات العلمانية من أجل إنقاذ مصر، وهذا شيء جديد في قاموس المتدينين.. التعاون مع من ينتمي إلي غير ملتهم!! وأكدت أكبر جماعة إسلامية في عالمنا العربي أنه لا يوجد فصيل وحده مهما بلغت قوته يستطيع إنقاذ أرض الكنانة من محنتها بل لابد من تضافر المجتمع كله من أجل ذلك، وهذه لغة مختلفة تماما.. فلغة تكفير الغير نبرتها عالية بين أنصار الشريعة!! وحالياً تنافسها بقوة دعوة إلي التعاون مع من يختلفون معك، والبركة في الإخوان! والسؤال الذي يطرح نفسه: علي أي شيء سيتنافسون؟ وأتذكر بهذه المناسبة مقولة شهيرة للإمام الشهيد حسن البنا, مؤسس الجماعة: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه .. هذه قاعدة التعامل بين الإخوان مع غيرهم سواء من التيار الإسلامي أو قوي المجتمع الأخري.. وظل هذا الأمر علي الورق أغلب الوقت! لكن الوضع الآن مختلف تماماً، فالإخوان تغيروا، والأهم أن مصر حالياً في طريقها إلي التغير، وتستطيع القول إنها في مرحلة انتقالية بعد سنوات عديدة من الجمود، وبما أن أرض الكنانة في حالة مخاض، فلابد أن ينعكس ذلك علي المجتمع كله.. والتيار الإسلامي جزء من البلد، ولا يعيش في جزيرة منعزلة، أو في المريخ!! ومن يصر علي الجمود يكتب علي نفسه الموت! والحمد لله أن الجماعة الإسلامية التي أنتمي إليها تريد الحياة. والحرية هي الكلمة السحرية التي التف حولها كل المطالبين بالإصلاح وعلي رأسهم الإخوان المسلمون، ومجالاتها متنوعة.. رفع حالة الطواريء, وإلغاء الأحكام العرفية، وعودة البلاد والعباد إلي سيادة القانون الطبيعي، والإفراج عن سجناء الرأي, وعددهم بالآلاف، ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، ومعاقبة ملوك التعذيب. ومن المطالب السياسية كذلك: حرية تشكيل الأحزاب، وإعطاء الصحافة حريتها، ونزاهة الانتخابات، فيمنع الموتي من الإدلاء بأصواتهم!! وكذلك الناخب الغائب الذي لم يذهب للإدلاء بصوته، ومع ذلك وجد اسمه في كشف الموافقين والمؤيدين للحزب الحاكم!! ومن الأهمية كذلك تحديد مدة رئاسة الدولة بما لا يتجاوز فترتين، وغير معقول أن يكون فوق المساءلة بسلطات هائلة.. فمن الضروري خضوعه لرقابة البرلمان، وكشف الذمة المالية أمر حيوي لتقديم القدوة، فيقدم كل مسؤول إقراراً صحيحاً غير ملفق بما يملكه هو وأفراد أسرته! خاصة إذا كان حضرات الأولاد يعملون في البزنس!! وأتساءل: أليس هذا كله من ضمن دولة الإسلام التي يتطلع الإخوان إلي إقامتها أم يظل الأمر كما كان، مجرد شعارات براقة، مثل الإسلام هو الحل دون تحديد المقصود من ذلك بدقة, خاصة في مجال الحريات، وكذلك العدالة الاجتماعية، وحقوق المرأة. ويتساءل البعض: ولماذا لا يطالب الإخوان بالدولة الإسلامية صراحة بدلاً من التركيز فقط علي الحريات العامة؟ الإجابة تتمثل في عدة نقاط: الحرية هي الحد الأدني المتفق عليه بين القوي السياسية المختلفة، ولكل تيار سياسي بعد ذلك رؤيته في النظر إلي المستقبل. العقبة الأولي التي تحول دون قيام دولة الإسلام في مصر هي الاستبداد السياسي، وضحايا القمع هم من المتدينين بالدرجة الأولي وهناك قيود شديدة جداً مفروضة علي المساجد.. فالمطلوب أولا إزالة تلك العقبات التي تحول دون أي إصلاح.. وإنقاذ أهل الشرع من البطش هو الهدف العاجل حالياً، ولن يتحقق ذلك إلا بالتركيز علي الحريات. وهناك أمر مؤلم يؤسفني قوله، فالدولة الإسلامية سمعتها سيئة بين العالمين، ولا يرجع ذلك إلي التعصب ضد الإسلام فقط، بل بالدرجة الأولي إلي الممارسات السيئة للمسلمين، فهناك أنظمة إسلامية قامت في ظل انعدام الحريات العامة بحجة أن الديموقراطية بدعة! والانتخابات رجس من عمل الشيطان، وتفوقت في سحق حقوق المرأة، وتحريم الفن، ولم تهتم بالعدالة الاجتماعية, بحجة أن ديننا يقوم علي حرية رأس المال!! وعندما تأتي جماعة وتعلي من قيمة الحرية وتعمل علي تصحيح تلك السلبيات، فهي تقدم في هذه الحالة خدمة جليلة جداً لإسلامنا الجميل. وخلاصة الكلام إن الدولة الإسلامية المنشودة تمر عبر بوابة الحرية! فإذا أخطأت طريقها وسارت في طريق الاستبداد، فهي تلقي بنفسها إلي التهلكة، وتسيء في هذه الحالة إلي الإسلام ذاته.. أليس كذلك؟ ------ صحيفة الراية القطرية في 10 -7 -2005