لا أظن أن أحداً من المشتغلين بالشأن العام تعرف على اسم رئيس تحرير الأهرام عبد الناصر سلامة قبل الثورة أو بعدها إلا ما هو منشور ومبثوث من مقاطع للفيديو بصحبة توفيق عكاشة، إلا أن الرجل فرض نفسه على الجميع خلال اليومين الماضيين عن طريق التطاول على فضيلة الشيخ د.يوسف القرضاوى واتهامه بأنه "قد بلغ من العمر أرذله"، وأنه يحاول "القفز على المشهد"، إضافة إلى الجريمة الكبرى التى ارتكبها الشيخ الجليل – من وجهة نظر عبد الناصر – بأن دعا إلى إسقاط النظام الحاكم فى سوريا إذ يعتبر سيادته أن المجازر التى تدور رحاها على أرض سوريا الشقيقة ما هى إلا حرب "طائفية"، ومن هنا فقد كان لزامًا على العلامة الجليل كما أمره رئيس التحرير فى نهاية مقاله بأن "يخرس"، وحتى يخفف من تطرف عباراته "حشر" معه البرادعى وجعل عنوان مقالته "آن للبراعى والقرضاوى أن يخرسا". وما كنت أظن أبداً أن يسب الشيخ القرضاوى بكل هذه القسوة فى مصر عقب الثورة، فقد كان مثل هذا الإسفاف متوقعاً من مارينز مبارك الإعلامى عندما كان الإسلام مستباحاً بكل مكوناته بقيمه وعقائده وثوابته وعلمائه، أما الآن فمن غير المعقول أن يظن البعض أن تظل الاستباحة كما كانت فى الماضى، ففرق كبير بين نقد الأفكار الذى هو حق أصيل ومكفول طالما التزم قانون الأدب وبين التطاول على رموز الأمة وقاماتها الكبيرة وهو ما فعله عبد الناصر فى هجائيته للشيخ الجليل فقد ترك فحوى ما قاله فى خطبته بالأزهر واختار أن يخوض فى "عرضه" ويتهمه ب"الخرف" لكبر سنه، وإذا كان الأمر بالسن وتقدمه فلماذا لم يتجرأ ويطالب هيكل بأن يعتزل هو الآخر الكتابة ويكف عن "طلته" المليئة بالأغاليط رغم أنه يكبر الشيخ القرضاوى بحوالى أربع سنوات، إلا أنهم ينزلونه منزلة ما لا يُسأل عما يقول ولا يُناقش فيما يقرر، والواحد منهم إذا جاءت سيرة هيكل أخذته رعدة وسرت فى بدنه قشعريرة وتشعر فى حديثه عنه أنه يحدثك عن القطب "الولى" مركز الكون وقطب الأقطاب الذى تصدر منه حركة الأفلاك!! أما التطاول والانتقاص فهو من نصيب علماء الأمة وإذا ما اعترضنا على التطاول والإسفاف جابهوك بدرس بليغ فى حرية النقد وأن كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا النبى صلى الله عليه وسلم، وهى كلمة حق يراد بها باطل، فإنما هو دفع الفكرة بمثلها والرأى بنظيره لا التطاول المعيب على رموز الأمة، ولكن يبدو أننا أمام خطة ممنهجة لهدم رموز العلم والهداية فى قلوب المصريين ما بين محاصرة مسجد القائد إبراهيم ومحاولة الاعتداء على الشيخ الجليل / أحمد المحلاوى وإلزامه من قبل صبية جبهة الإنقاذ والتيار الشعبى بما يقوله وما يمتنع عنه!! إلى تطاول باسم يوسف المستمر على الدعاة والعلماء وصولاً إلى سب الشيخ القرضاوى على صفحات الأهرام ومطالبته بأن "يخرس". لذا فإننى أتعجب أشد العجب لعدم صدور أى رد فعل من المؤسسة الأزهرية ولا من شيخها الجليل د.أحمد الطيب، فالقرضاوى عضو هيئة كبار العلماء وعضو مجمع البحوث والتطاول عليه تطاول على الأزهر بأكمله ولا ينبغى أن يستقر فى وعى الجماهير أن "بعض" المشايخ انتفض للدفاع عن "فنانة" وسكت عندما أسىء الأدب فى حق واحد من كبار مجتهديه فى عصرنا الحالى. والغريب أن كل من يراجع خطبة الشيخ القرضاوى فى الأزهر سيكتشف أنها كانت خطبة توافقية راقية دعا فيها الشيخ كعادته إلى الالتحام والتآزر بين كل مكونات الشعب المصرى ورفض إلصاق تهمة الإلحاد بأى فرد من المصريين... إلخ، ولكن يبدو أن عبد الناصر أراد أن يبرئ نفسه من تهمة الانتماء للإخوان فاختار رمزاً إسلامياً كبيراً للنيل منه فكان كما قال الشاعر العربى: كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل كما أراد أن يهاجم ثورات الشعوب المظلومة المنكوبة فلم يستح من وصف ثورة السوريين ب"الطائفية"، كما هاجم ثورة الشعب المصرى من ذى قبل والتى لولاها ولولا دماء شبابه ما استطاع أن يصل لمنصب رئيس تحرير الأهرام. روح يا أخى ربنا يسامح اللى اختارك!! [email protected]