كتب المدعو عبدالناصر سلامة مقالا بجريدة الأهرام يوم السبت الماضي، تطاول فيه على قامة علمية كبيرة وعظيمة، تفخر بها مصر ويفخر بها الأزهر الشريف ويفخر بها كذلك العالمان العربي والإسلامي، وهو العلامة الدكتور: يوسف القرضاوي أمد الله في عمره، وأكثر من أمثاله، ونفعنا الله به وبعلمه. حيث دعاه الكاتب - الذي يبدو عليه أنه لا يعرف قدر العلماء ولا ينزل أحدا منهم المنزلة اللائقة به - إلى الخَرس (هكذا بكل بذاءة وصفاقة وقلة أدب) وعدم الحديث إلى أن يواري الثرى، محتجا بأنه من العجائز الذين كان أمثالهم يملأون مصر أيام الخائن المخلوع. والشيخ القرضاوي وإن كان عجوزا إلا أنه يفوق كثيرا من الشباب قوة وحماسا وعملا، ومن الظلم البين أن يشبه بعجائز عصر الخائن المخلوع، فهو الأسد التسعيني الذي لا يقعده السن عن القيام برسالته إلى آخر نفس في عمره، والذي لم يستسلم للمرض، ولم يدفعه تقدم العمر إلى الانزواء في مكان بعيدا عن المشاكل والمشاغل، ولقد كانت كلماته إلى الشباب في ميدان التحرير وقبل ذلك بزمن طويل بمثابة الوقود الذي يحرك السيارات، والطاقة التي تشغل المحركات، في الوقت الذي لم نسمع لكاتبنا الهمام كلمة ولم نقرأ له مقالة ضد الفساد أو الطغيان. كما أن كبر السن يفرض علينا احترام الكبار والحديث عنهم وإليهم بقدر من الأدب والتقدير نظرا لسنهم واحتراما كذلك لتاريخهم، إلا أنه من الواضح أن الكاتب لا يعرف شيئا عن الأدب والأصول. وتبا لرأي يتناقض مع موروثنا العربي والإسلامي. وقد احتج الكاتب أيضا على كلامه بأن الشيخ الجليل قاد مظاهرة للتدخل في شؤون سوريا، ولو أنه كلف نفسه قليلا من التحري لكان قد علم أن المؤتمرين استغلوا خطبة العالم الجليل لعقد مؤتمرهم، وأن هذا المؤتمر- كما قالت جريدة الأهرام نفسها-عقد بالتنسيق بين وزارة الأوقاف ولجنة القدس باتحاد الأطباء العرب وبعض القوى الوطنية والحزبية، وأن الشيخ لم يدع إليه، ولم يكن له - وهو العالم الكبير الذي يستقبله الرؤساء والملوك ويزوره في محل إقامته الأمراء وغيرهم - أن يخالف الأصول، أو يضرب بتقاليد الدول والبلاد عرض الحائط. كما أن الكاتب غير المنصف لم يكلف نفسه الاستماع إلى خطبة الشيخ الجليل التي خصص جلها للحديث عن مصر، والحديث عن أن وحدة أهلها ضرورة ملحة، ولم يسمع انفعاله الموحي بخوفه على مستقبل بلده وهو يقول: حرام عليكم ما تفعلونه ببلدكم. لقد حرصت من خارج مصر على الاستماع إلى خطبة الشيخ كلها، لاعتقادي أن خطبته من على منبر الجامع الأزهر حدث فريد ينبغي الاهتمام به، ولم أملك نفسي بعد أن أنهاها الأسد التسعيني االهصور سوى الدعاء بأن يحفظ الله عليه ذاكرته وأن يبارك في عمره، لما وجدت فيها من معان ونصائح غالية لو أخذ بها المصريون لتغيرت أوضاع بلدهم. أنا لا أعرف العلامة القرضاوي معرفة شخصية ولا يربطني به عمل أو مصلحة، ولكنني تتلمذت على كتبه ونقلت عنه في رسالة الدكتوراه التي نوقشت في جامعة الأزهر الشريف وحصلت على أعلى التقديرات العلمية. ولا أدري سببا لحالة الغضب والحزن التي انتابتني بعد قراءة عنوان المقال الذي كتبه الكاتب الجهول، الذي لا قيمة له ولا وزن بجانب رئيس اتحاد علماء المسلمين وشيخ الإسلام في هذا العصر. والذي كان القرضاوي ملْ السمع والبصر بينما هو يلبس الحفاضات ولا يستطيع أن يعرف الغث من السمين. أرى من الواجب على الأزهر أن يقاضي هذا الكاتب التافه الذي تطاول على عضو من أعضاء هيئة كبار علمائه، ورمز من رموز الأمة الإسلامية، كما أنني أدعوه إن كان عنده ذرة من حياء إلى الاعتذار للشيخ الجليل، أو أن يخرس إلى أن يوارى الثرى، فأمثاله لا يعرفون قدر مصر ولا قدر علمائها الأجلاء، ولا قدر مؤتمر يعقده أبناؤها. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]