لأول مرة.. بدء أعمال اللجنة العليا لاختيار عمداء المعاهد العليا    صور.. مسرح السامر يشهد عرض "حجر القلب" ضمن مهرجان فرق الأقاليم    بلا تصريح وبغطاء أمريكيّ.. كيف بنت إسرائيل ترسانة نووية كاملة؟    «ماركا» تقع في خطأ فادح.. وضعت شعار الوداد بدلًا من الأهلي    إنقاذ 13 مواطنًا من تحت أنقاض عقاري حدائق القبة    ضبط المتهمين بقيادة سيارة بطريقة استعراضية بالإسكندرية| فيديو    الرحيل الذهبي.. قناع توت عنخ آمون يستعد للانتقال إلى المتحف الكبير    الصحة: فرق الحوكمة والمراجعة الداخلية تتابع 392 منشأة خلال 5 أيام    ممثل إيران الأممي: نتوقع من الأمين العام ومجلس الأمن القيام بواجباتهما    كاتس: نريد تقويض النظام الإيراني    تقرير أممي يكشف حجم الانتهاكات ضد أطفال فلسطين في 2024    للأفضل أكاديميا.. إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025 (تفاصيل)    «لا مبالاة؟».. تعليق مثير من علاء ميهوب على لقطة «أفشة»    تقارير: آرسنال يخطط لضم نجم البلوز    دراسة: تعلُّم مهارات الذكاء الاصطناعي يرفع الرواتب بنسبة تصل إلى 56٪    وزارة النقل: وصول أول قطار للخط الرابع للمترو مايو 2026.. ودراسة تنفيذ مراحل جديدة    بالاسم ورقم الجلوس... موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بكفر الشيخ    العثور على جثة شاب بها طلق ناري بطريق الملفات بصحراوي قنا    بسبب دعوى خلع.. الداخلية تكشف تفاصيل فيديو اعتداء سيدة على أخرى بالدقهلية    الشيوخ يفتح ملف التنمر داخل المدارس بحضور وزير التربية والتعليم    «قدر ولطف».. زوجة أحمد سعد تكشف تفاصيل نجاتهم من حادث سير    فيلم "ريستارت" يحافظ على المركز الثاني في شباك التذاكر    الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ المنشاوي    شمخاني يؤكد نجاته من هجوم إسرائيلي ويتوعد إسرائيل بالنصر القريب    أطباء مستشفى الأزهر الجامعي بأسيوط ينجحون في استخراج هاتف محمول من معدة مريض    محافظ الإسكندرية يشهد فاعليات الحفل الختامي للمؤتمر الدولي لأمراض القلب    مصر تتدخل بتحرك عاجل لوقف الحرب بين إيران وإسرائيل    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب    "التنمية المحلية × أسبوع" رصد أنشطة الوزارة خلال 13–19 يونيو 2025    وزير الدفاع الإسرائيلى: نواصل مهاجمة المنشآت والعلماء لإحباط البرنامج النووى لإيران    بعد نشر البوستر الرسمي ل أحمد وأحمد.. غادة عبد الرازق تتصدر التريند    أول ظهور ل هدى المفتي بعد أنباء ارتباطها بأحمد مالك (صورة)    وفقًا للقانون.. ما الحالات التي تسقط فيها نفقة العدة والمتعة للمطلقة؟    محافظ المنوفية: "مشروعك" وفر 30 فرصة عمل بتمويل قارب ال11 مليون جنيه    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخر في تصادم ميكروباص ونقل ثقيل بالفيوم    "القابضة لمياه الشرب" تعلن فتح باب القبول بالمدارس الثانوية الفنية    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    تشغيل مستشفى القنطرة شرق بعد تطويرها بتكلفة 400 مليون جنيه    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    إير كايرو تتعاقد على طائرات جديدة لتعزيز أسطولها الجوي خلال مشاركتها في معرض باريس للطيران    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    رئيس وزراء جمهورية صربيا يزور المتحف الكبير والحضارة    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    وفاة رئيس لجنة ثانوية عامة متأثرا بإصابته في حادث سير بأسيوط    محافظ أسيوط يوجه بتخصيص أماكن لعرض منتجات طلاب كلية التربية النوعية    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    وزير الزراعة يبحث مع البنك الدولي تعزيز التعاون لدعم جهود التنمية في مصر    «الرصاصة الأخيرة».. ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ (السيناريوهات)    برشلونة يسعى للتعاقد مع ويليامز.. وبلباو متمسك بالشرط الجزائي    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    البوري ب130 جنيه... أسعار الأسماك في أسواق كفر الشيخ    حالة الطقس في الإمارات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025    إنتر ميامى ضد بورتو.. ميسى أفضل هداف فى تاريخ بطولات الفيفا    صباحك أوروبي.. انتكاسة مبابي.. غرامة مانشستر سيتي.. وموناكو يتمسك ببوجبا    الشكوك مستمرة حول مشاركة مبابي ضد باتشوكا    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    ريبييرو: أغلقنا ملف بالميراس.. ونستعد لمواجهة بورتو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَن يملأ المساحة الخالية مِن الحكم والمعارضة في مصر؟ .. وحيد عبد المجيد
نشر في المصريون يوم 12 - 07 - 2005


أحد أكثر المداخل شيوعاً في متابعة التطور السياسي الذي يحدث في داخل بلد أو آخر هو أداء اللاعبين الرئيسيين. وهؤلاء هم في الغالب النخبة السياسية والثقافية في الحكم والمعارضة، وخصوصاً في البلاد التي تمر بمرحلة انتقال إلى الديموقراطية. ففي مثل هذه المرحلة تظل مشاركة الجمهور محدودة، ويتوقف ازدياد هذه المشاركة على التفاعلات السياسية الجديدة، وبالتالي على أداء الحكم والمعارضة. وينطبق ذلك على مصر التي دخلت بالفعل في مرحلة انتقال إلى الديموقراطية، كما على غيرها. ولكن أحد أهم محددات آفاق هذه المرحلة في مصر يتعلق بالمساحة الواسعة الفارغة الآن بين الحكومة وحزبها في جانب والمعارضة بأطيافها المختلفة في الجانب الآخر. وبالرغم من صعوبة بيان مدى اتساع هذه المساحة، ربما يفيد المشهد التالي في توضيح ذلك· في مساء يوم 29 حزيران (يونيو) الماضي، نظمت حركة «كفاية« تظاهرة في أحد ميادين منطقة شبرا المكتظة بالسكان، وخرج في الوقت والموقع نفسهما بعض عناصر الحزب الحاكم في تظاهرة مضادة، تبارى الفريقان في الهتاف، كل على رصيف في مواجهة بعضهما البعض. ما بين ثلاثمئة وأربعمئة على «رصيف المعارضة« انضم إليهم عشرات قليلة، وما بين مائة ومائتين على الرصيف المقابل، لم ينضم إليهم أحد تقريباً. وعلى مدى أكثر من ساعة، مر بين الفريقين - الرصيفين وأطل عليهما بمزيج من الدهشة والحيرة واللامبالاة آلاف المصريين في الميدان الواسع والشارعين الطويلين العريضين اللذين يتقاطعان عنده والشوارع الكثيرة التي تتفرع عنهما. هذا الميدان الواسع والشوارع الكبيرة والجماهير الغفيرة تمثل المساحة الخالية التي لا تنحاز إلى حكم أو معارضة. فلم يتمكن الحزب الحاكم من التقدم لشغل المساحة الواسعة الخالية أو قسم يعتد به فيها، لأنه مازال أسير ميراث التنظيم السياسي الواحد بذهنيته المغلقة وأفقه الضيق وأدواته السقيمة. كما عجزت المعارضة عن ملء هذه المساحة لاختلالات بنائية في تكوينها وعيوب وظيفية في أدائها. فالأحزاب التي يوجد أهمها منذ أكثر من ربع قرن أصبحت أقرب إلى هياكل عظمية، يعاني بعضها من أنيميا حادة وبعضها الآخر من حالة جفاف جماهيري، ولا تجد الدواء الضروري لإنقاذها. وحركة «الإخوان المسلمين»، الموجودة فعلياً على رغم نزع المشروعية عنها، تعاني من ضمور في العقل، يجعل جسدها المليء نسبياً في حالة حركة عشوائية ومرتبكة. أما حركات التغيير الجديدة التي نجحت في تحريك الساحة السياسية في مطلع العام الحالي فهي تعاني المشكلات المعتادة التي تقترن بحركات الرفض السياسي والاجتماعي، مضافاً إليها انصراف الناس وعزوفهم عن المشاركة من ناحية، وأمراض النخبة السياسية والثقافية من ناحية أخرى. وأهم هذه الأمراض احتكار الحقيقة، والنزعة الشخصانية التي تجعل الزعماء في كل حركة أكثر من الأعضاء، والعجز عن الحوار، وتقديس الشعارات، وافتقاد القدرة على العمل المشترك. فهذه نخبة تتكاثر حركاتها بطريقة «الدكاكين» الصغيرة، ولذلك فهي كثرة ضعف لا قوة. ولذلك كله لم تستطع هذه الحركات، مثلها مثل الأحزاب والإخوان، أن تشغل حيزاً يذكر في الساحة الواسعة الفارغة التي تفصلها عن الحكومة وحزبها. ولم تتمكن من استثمار الأخطاء التي تضعف قدرة الحكومة والحزب الحاكم على قيادة عملية سياسية، تنقل مصر إلى الديموقراطية بشكل آمن وسلس، ينأى بها عن المخاطر التي تترتب على التدخل الأجنبي. وقد تسابق في صنع هذه الأخطاء فريقان في الحكومة وحزبها. أحدهما لا يمتلك خبرة في مجال السياسة التنافسية، لأنه تعود على العمل في ظل تنظيم واحد أو حزب مهيمن يحتكر اللعبة السياسية. والثاني لا خبرة سياسية له من أي نوع، لأنه لم يعمل بالسياسة من قبل، إذ جاء أهم عناصره من خلفية العمل الاقتصادي الحر «البزنس» والعمل الأكاديمي. وهؤلاء الذين جاؤوا من الجامعات لم تكن لهم أدنى صلة بالنشاطات السياسية فيها، بخلاف بعض مؤسسي حركات التغيير الجديدة خصوصاً الحركة الشعبية من أجل التغيير «كفاية» الذين شاركوا في قيادة العمل الطلابي المعارض منذ انتفاضة الجامعات في العامين 1972 و1973 وحتى مطلع ثمانينات القرن الماضي. ولكن أمراض المعارضة جديدها وقديمها أعجزتها عن استثمار أخطاء نخبة الحكم، وبدا أن الكثير من أهل المعارضة ينتظرون المدد من الخارج، بالرغم من رفضهم التدخل الأجنبي. وهذا رفض صادق نصدقه، ولكنه لا يمنع من التطلع إلى استثمار أي تدخل أو ضغط أجنبي. فإذا لم يأت هذا المدد من الخارج أو جاء محدوداً لا يكفي لتعويض ضعف المعارضة واختلالاتها البنائية والوظيفية، بحث عنه البعض لدى السيدة زينب أو العذراء في تظاهرات أو مسيرات تتوسل برموز دينية مسلمة أو مسيحية. وهكذا وصلت مصر قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى وضع يسوده الارتباك. فالحكومة والحزب الحاكم يواصلان العمل بأساليب وأدوات تجاوزها الزمن، ويتخليان بشكل مدهش عن دور كان ينتظرهما في قيادة مسيرة إصلاح حقيقي، تنقل مصر إلى عصر الديموقراطية الكاملة. كما يزداد أداؤهما ارتباكاً، وخصوصاً على مستوى التشريع عبر قوانين أصبح الجسد السياسي يضيق بها، فضلاً عن تدهور حرفة تفصيل هذه القوانين. وكان قانون تنظيم انتخابات رئاسة الجمهورية دليلاً على ذلك. فقد أخفق صانعو هذا القانون في تحقيق الانسجام الضروري بينه وبين المبادئ العامة للدستور المصري، على رغم معرفتهم أنه سيحال على المحكمة الدستورية العليا لإبداء الرأي فيه قبل التصديق عليه. كانت هذه الإحالة في حد ذاتها معيبة، لأن نظام المحكمة العليا المصرية يقوم على الرقابة اللاحقة وليست السابقة على دستورية القوانين. ولكن الحكومة أرادت تحصين هذا القانون ذي الأهمية الخاصة ضد الطعن بعدم دستوريته بعد نفاذه. ولما كان في هذا الإجراء مخالفة، أو على الأقل شبهة مخالفة للدستور ولنظام المحكمة، على نحو أساء إلى الشكل العام فقد كان مفترضاً أن يحسن صانعو القانون صوغه. غير أن الأخطاء التي وردت في سبعة مواضع فيه زادت الشكل سوءاً، حتى بعد اضطرار صانعي القانون إلى تعديل هذه الأخطاء السبعة. وعلى الجانب الآخر يزداد الارتباك كلما اكتظت المساحة الصغيرة التي تعمل فيها المعارضة بتشكيلات متزايدة جديدة، على رغم أنها كلها تقوم على أكتاف الآلاف القليلة ممن شغلوا هذه المساحة على مدى أكثر من عقدين من الزمن. فالحركة التي دبت في الساحة السياسية منذ مطلع العام الحالي لم تجذب لاعبين جدداً إلا فيما قل أو ندر. والمعارضة، جديدها وقديمها، تبدو مرتبكة إزاء أي تحرك، ليس فقط من طرف الحكومة والحزب الحاكم، ولكن أيضاً من جانب أي من أطراف هذه المعارضة نفسها. وليس أدل على ذلك من الارتباك الذي سببته مبادرة «الإخوان المسلمين» لتكوين ما أطلق عليه «التحالف الوطني من أجل الإصلاح». وقد بدأت هذه المبادرة بدعوة وجهها مركز بحثي على علاقة مع «الإخوان» لعقد ثلاث حلقات نقاش للحوار حول بناء تحالف إصلاحي واسع النطاق. وأسفرت هذه المبادرة عن عقد اجتماع في 30 حزيران (يونيو) الماضي أعلن فيه نائب المرشد العام للإخوان د. محمد حبيب تأسيس هذا التحالف. وفضلاً عن أن الطريقة التي طُرحت بها هذه المبادرة بدت مرتبكة، فقد أربكت بعض الأحزاب وحركات التغيير الجديدة، التي ذهب قياديون فيها إلى الاجتماع من دون أن يكون واضحاً هل يمثلون أحزابهم وحركاتهم أم أشخاصهم. وبعد أن تحدث بعضهم على نحو فُهم منه أنهم ممثلون للأطر التي ينتمون إليها، عادوا فأوضحوا أنهم ذهبوا بصفاتهم الشخصية. وترتب على ذلك موت التحالف الذي سعى إليه «الإخوان» لحظة مولده، بل قبل أن يولد، إذ لم يبق فيه إلا حزب نُزعت عنه المشروعية هو حزب العمل بل جناح في هذا الحزب، وحركة يسارية راديكالية صغيرة ذات ميل «تروتسكي» هي حركة الاشتراكيين الثوريين، إضافة إلى عدد من الشخصيات العامة. وعبرت إحدى الصحف الخاصة عن هذا المعنى في «المانشيت» الرئيس لعددها الصادر في 3 تموز (يوليو) الجاري»: «القوى السياسية تتبرأ من تحالف الإخوان... وإجماع على نفي الانضمام». حدث ذلك على رغم أن البيان التأسيسي ل «التحالف» الذي لم ينشأ تضمن خطوطاً عامة حول الإصلاح والتغيير، لا يختلف عليها أي ممن أسرعوا إلى نفي انضمامهم إليه، ولم يدخل في التفاصيل التي تثير الخلاف. ويصعب القول بأن «الفرار» من هذا التحالف يعود إلى الجهة التي بادرت بالدعوة إلى تأسيسه، على أساس أن معظم الأحزاب والحركات لا تريد ربط نفسها ب «الإخوان». فكل من هذه الأحزاب والحركات لا يرحب بعمل مشترك، خصوصاً إذا لم يكن هو الذي دعا إليه وحدد إطاره. فالنزوع العام في أوساط المعارضة هو إلى التفتت وليس إلى العمل المشترك. وهذا نزوع يضعف قدرة المعارضة على التقدم في المساحة التي تفصلها عن الحكومة والحزب الحاكم، بالرغم من أن بقاء هذه المساحة فارغة يطيل أمد مرحلة الانتقال إلى الديموقراطية الكاملة، ويجعل الإجابة على سؤال التغيير أكثر صعوبة. -- صحيفة الحياة اللندنية في 12 - 7 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.