من يظن أن حرب الدستور قد وضعت أوزارها بالاستفتاء عليه وتمريره بنسبة كبيرة نسبياً وهى 63% فهو واهم، إذ أن النخبة المصرية العلمانية بأحزابها ومثقفيها قد أضمروا بل وأفصحوا مراراً أنهم سيخوضون "حرب ضروس" فى الأيام القادمة فى التحضير للانتخابات البرلمانية. إن ظهور د.محمد البرادعى فى اليوم التالى مباشرة للاستفتاء يتكلم "على تويتر طبعاً" عن الاستعدادات للانتخابات البرلمانية، وعزمهم على "إلغاء" الدستور أو على الأقل تعديله فى حالة وصولهم للحكم دليل واضح على أن النية للترتيب لتحالف قوى فى الانتخابات البرلمانية أمر معد مسبقاً وأن النخبة عازمة منذ بداية معركة البقاء مع الرئيس على إزالة الدستور وبعد أن فشل أسلوب القوة الذى ظنت النخبة أنها تجيده فلجأت إلى أسلوب السياسة. لكن الحقيقة التى لا ينبغى أن نغفل هنا عنها هى فرص هذا التحالف فى الوجود على أرض الواقع. إن هناك حقيقة تمارى فى الاعتراف بها الجبهة وهى أنها متفككة بشدة من الداخل فهناك انقسامات سياسية داخلية حول رؤية طبيعة المعركة مع السلطة وآليات الحرب. وهناك للناظر فريقان واضحان فريق الصفقة وهذا يمثله السيد البدوى وعمرو موسى وفريق الممانعة، إن صح التعبير، وهو الذى يمثله الصباحى والبرادعى. الناظر لحال الجبهة فى الأيام الماضية منذ قبل بدء الاستفتاء بيومين تحديداً وظهور نقيب المحامين ملقياً للبيانات واختفاء واسع لقيادات الجبهة يلمس هذا التفكك. من مظاهر التفكك أيضاً الانشقاق العلنى والخفى لبعض الأحزاب داخل الجبهة، مثلاً أعلنت "الحركة الاشتراكية الثورية بين قوسين يناير"، انشقاقها عن الجبهة بحجة أن الجبهة أصرت على المشاركة فى الاستفتاء كما ذكرت قناة الجزيرة مباشر مصر فى وقت مبكر، أيضاً انشقاق مصطفى الجندى عن الجبهة أيضاً ولكن بدون إبداء أسباب. إذاً الانشقاق من حيث الشكل حاصل ولا شك. لقد صرح الدكتور البرادعى وحمدين ونفر غير قليل من مكونى الجبهة أنهم بصدد تشكيل تحالف انتخابى للنزول إلى انتخابات مجلس النواب بقائمة واحدة. هنا ينبغى علينا أن ننظر فى هذا التحالف بعين مدققة، أنا أزعم أن هذا التحالف يكاد يكون مستحيلاً وأنه فى حالة تكونه سوف يؤدى إلى تصدعات كبيرة داخل الجبهة، والسبب فى ذلك بالأساس هو حجم الجبهة وعدد المشاركين فيها. كانت الحركة فى البداية فخورة باتساع جبهتها وكانت تعتبر أن ذلك يعد إجماعاً كبيراً على مخالفة الدكتور رئيس الدولة بغض النظر عن اتصال هذه الأحزاب بقواعد شعبية حقيقية، والآن وقد حان وقت إعداد القوائم أصبحت الحركة التى تضم ما يزيد عن الأربعين حزباً (على حد تصريح أحد المنتمين لها) فى مأزق حقيقى، وهو كيف ترضى كل هؤلاء؟ إن عملية تقسيم القوائم الانتخابية هذه ليست سهلة وليست عملية قسمة عادية، حيث نقسم عدد النواب على عدد القوائم! بل إنها عملية صعبة للغاية من وجهين. الوجه الأول أنك لا تتخيل أنك تفوز بكل المقاعد حتى لو نافست عليها جميعاً، إذاً هناك نسبة من المقاعد هى التى تراهن عليها. مثلاً أنت تتوقع أن تفوز بأربعين بالمائة، لو أن القائمة مكونة من عشرة أشخاص، فإن تقديرك أن أول أربعة أشخاص هم من سيكونون غالباً أعضاء بالبرلمان، بينما البقية هم أشخاص عادية تأتى لملء الفراغ، إذاً أنت تقسم حصة الأحزاب كلها على الأربعة الأولى. الوجه الثانى هو وجه تقدير الأوزان النسبية للأحزاب. فالعملية ليست عملية تعديد بسيط، فكل حزب يفترض قاعدة شعبية له، ولن يقبل أن يتساوى مع أحزاب أقل. فليس من المعقول أن يقبل حزب الدستور مثلاً بالتساوى مع حزب مثل التجمع اليسارى أو حزب مصر الحرة مثلاً. إذاً تواجهك مشكلة كبرى هنا، وهى تقييم الأحزاب تقييماً عادلاً يتفق مع أحجامها الحقيقية، هذا التقسيم أنت محاصر فيه بين أمرين: واحد رغبتك فى الحصول فعلاً على أكبر عدد من المقاعد والذى لن يحققه لك إلا توزيع يراعى الوزن النسبى فى الشارع. الثانى هو مشكلة إرضاء الغرور السياسى للأحزاب التى يزعم أصحابها فى الغالب أنهم كثرة ويمثلون الوطن كله وربما الأوطان المجاورة أيضاً. وبرغم أن هذه المشكلة وحدها كافية تماماً لتفتيت فرصة التحالف، إلا أن هناك مشاكل أخرى تواجه الجبهة، منها مثلاً مشكلة التيار الشعبي. من المشاكل التى تلاقيها جبهة الإنقاذ وجود "تيارات" داخلها، والتيار باعتبار النظر إليه هو تحالف أصلاً. يعنى التيار الشعبى مثلاً تحالف القوى القومية والناصرية واليسارية، بينما هناك أحزاب الكتلة والتى تمثل تحالفا نوعيا لبعض قوى الليبرالية! مشكلة هذه التيارات ستكون أيضًا فى تقسيم تلك الحصص، لأنها فيما بينها ليست فى الحقيقة جبهة واحدة فتثور مشكلة، كيف نقسم الحصة التى حصلنا عليها فى التحالف الكبير داخل التحالف الصغير؟ يعنى مثلاً لنفرض أن نصيب التيار الشعبى اتضح أنه 5 أعضاء، العملية لن تأتى بأن يأخذ كل حزب عضوًا أو عضواً إلا ربع. فسوف تواجهك من جديد مشكلة الأوزان النسبية ولا سيما فى الناصريين، وهم أرباب النعرة الحماسية بالأساس، وهم أكثر فصيل سياسى فى العالم ربما يعانى من تورم فى الذات. ربما يبدو لك أن الحل أن تطلب تلك التيارات تمثيلاً أكبر، وأنا أقول لك إن المشكلة ليست بالعدد فقط. ولكن فى عدة أمور، أولاً النصيب هو مسألة نسبية لا تتأثر بالعدد, بمعنى أننى لو قلت إنى أرغب فى ربع ممثليك بالبرلمان فلن تفرق ساعتها أن يكون ممثلوك أربعة، فأحصل على واحد أو ألف فأحصل على 250 عقلاً! الأمر الثانى أن الانتخابات فى مصر هى بالأساس فردية "وأنا هنا لا أتكلم عن طبيعة النظام الانتخابي"، ولكن أتكلم من وجهة نظر الناخب. الناخب يذهب للاقتراع لاختيار القائمة التى فيها الشخص الذى يحبه أو يريده أو يثق به. وهناك قلة قليلة هى التى لديها رؤية انتخاب القوائم وهم من المؤدلجين، ودعنا نتفق أنهم قلة أصلاً داخل المجتمع. إذاً يجب أن تراعى فى تقسيم الدوائر مسألة نطاق النفوذ، هذه نقطة يمكن تعميمها على التيار الصغير والجبهة الكبيرة. يمكن قول نفس الكلام عن أحزاب ما يسمى بالكتلة.. إن حزب الدستور بالأساس هو حزب من النخب الثقافية وهو غير متماسك بالقدر الكافى، لذلك أنا أزعم أنه يصح فيه ما يصح فى التيارات. من مشاكل تكوين التحالف وجود حزب الوفد، وهو حزب عريق حقق مكاسب نوعية، "وإن كانت مخجلة مقارنة بحجم البروباجندا المصاحبة له"، فى انتخابات مجلس الشعب الذى حلته الدستورية. فالحزب سيرغب فى حجم كبير بالإضافة لمكان متقدم فى القائمة.