الربان هو قائد السفينة الذى يديرها بطاقم بحارة من أصحاب الخبرة الواسعة بأحوال البحار, ومسارات السفن, ومواقع الموانئ التى ينزل عليها, والشعاب المرجانية التى يُحظر المرور بها, وكذلك فهو يدرك كيفية التصرف فى المواقف الصعبة التى تتلاطم فيها الأمواج, أو تهب فيها الرياح العاتية, وألّا يُغامر بأرواح الركاب, بل يراقب أحوالهم فلا يسمح لأحد أن يخرق السفينة, أو يبدد أمن المسافرين, أو يتعرض لمخزون الطعام والشراب طوال رحلته, فهو وطاقمه أول من يربط على بطنه حزام الجوع والعطش, وهم آخر من ينزلون من السفينة إذا تعرضت لمكروه لأنهم يحاولون إنقاذها حتى اللحظة الأخيرة, وأيضاً يطمئنون على ارتداء أطواق النجاة لكل الركاب قبل أن يغادرونها.. هذا ما نعلمه عن قانون البحار.. ولست أرى نظام الدول المحترمة إلا كذلك, فالرئيس يضع مع معاونيه الخطط والرؤى المستقبلية ويستشير أهل الرأى والاختصاص فى ذلك, ويمضى على بركة الله فى طريق البناء والتنمية لوطنه, ويختار من القرارات التى تخدم كل ما يحتاج إليه الفقراء, وينحاز إلى الضعفاء حتى يسترد لهم حقوقهم, ويقف مع أهل الكتاب والمستأمنين كى لا يظلمهم أحد من الرعية, ويُعيد ضم الشاردين من أبناء الوطن, ويتألف الناقمين والساخطين, ويصلح بين أطياف المجتمع, ليعيد الوئام إلى حركة البناء والتقدم, وينفق الأموال فى مصارفها الصحيحة, ويأخذ حقوق الفقراء من الأغنياء بغير ظلم لهم, ولا يحابى أحداً لقرابة أو لنسب أو لكونه من أنصاره, فهو يقدم مصلحة الوطن فوق كل اعتبار, ويرتب أولويات العمل, ويفرّق بين أحكام الحالة الاعتيادية وبين الحالات الخاصة والاستثنائية, وينظر جيداً فى المآلات والعواقب ويلحقها بأحكام الواقع, كم يرفق بالرعية فلا يحملهم على ما يكرهونه بل يجمعهم خلفه على الحق فى حزم الوالد الشفوق على أبنائه, ويجنبهم الفتن والصراعات, ويرشدهم إلى معالى الأمور وأوجه الخير, ويحثهم على الإيثار والإنفاق والصدقة والتضحية بالجهد فى سبيل بناء الوطن ورفعة الأمة وصيانة مرافق الدولة وحماية مواردها من الإهدار.. وعلى الرئيس أن يوفى بعهوده ويحترم المعاهدات الدولية وحقوق الإنسان ويتحالف مع أصدقاء الدولة ويتكامل معهم ويتفاعل مع المواقف الدولية بحسب قدرته وإمكاناته, ويعمل على إغاثة الملهوفين والمنكوبين فى أنحاء العالم, فإذا وقعت خلال رحلة القبطان هياج بحر أو عواصف, فعلى الجميع أن يراجعوا أنفسهم بدءاً من القبطان ومروراً بطاقم السفينة إلى أصغر راكب على متنها, وهو ما نراه دائماً عند الكوارث والنوازل أمراً حادثاً. وعلى كافة المسئولين أن يعلموا أن عدم التوفيق يأتى من خلال أسباب عدة, أهمها عدم إخلاص النوايا, والانشغال بالنعمة عن الشكر, وبالظاهرة الكونية عن مُظهرها, وبالجدل عن العمل, وبالسفاسف عن المراشد, وبالدنيا عن الآخرة, فهذه خلاصة ما أراه فى رحلات الحياة وبناء الدول, إذ لابد من العودة إلى الطريق الصحيح بمراجعة البوصلة بدءاً من التوبة والعزم على ترك المعاصى, والإقبال على الله, والأخذ بالأسباب وحسن التوكل عليه, وتحقيق عناصر المحبة, واستبعاد عناصر البغض, والدفع بالتى هى أحسن, واعتماد مبدأ العفو والصفح واتخاذ البطانة الحسنة, والتشاور مع أهل العلم والاختصاص, وعدم إضمار الشر بأحد من الخلق, وتقديم مصالح الوطن والكف عن النزاع الذى هو مقدمة الفشل, وترك الكلام وبدء العمل. والله المستعان