أشعر بسعادة غامرة بعد الكشف عن نتائج التصويت في المرحلة الثانية والحاسمة والتي أكدت انحياز الشعب المصري إلى الدستور الجديد وقبوله به بنسبة كافية جدًا، حتى بالنظر إلى ما كان يطالب به المعارضون للدستور الجديد، وسعادتي مبرأة تمامًا، وأشهد الله، من أي شماتة في المعسكر الذي حشد من أجل رفض الدستور الجديد، فتلك في النهاية قناعاتهم، وتلك مخاوفهم، وهي مشروعة ولا يمكن الحجر على اختيارهم السياسي، وقد أدوا أداءً جيدًا في الاستفتاء رغم ضعف منطقهم السياسي وصعوبة الاقتناع به، والنتيجة التي تحققت لهم 36% تقريبًا معقولة جدًا، بالنظر إلى حماسة غالبية المصريين للانتقال من المرحلة الانتقالية القلقة والغامضة والمحبطة إلى مرحلة استقرار، على الأقل استقرار دستوري ينهي لعبة الإعلانات الدستورية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الحديث بهذه الكثافة والسرعة والتوالي ويضع لنا خريطة طريق عملية ومحددة الخطوات للخروج من هذه الحيرة، ولا يمكن تصور أن يأتي الاستفتاء الأخير بالاستقرار السياسي التام، لأن زخم الثورة ما زال حاضرًا كما أن استقرار النفوس وتصفية الغضب تحتاج لبعض الوقت، ولكن المؤكد أن مصر ستشهد استقرارًا دستوريًا يتيح لها إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قوية وبخطى ثابتة وشجاعة غير قلقة وغير مترددة، أشعر بالسعادة ليس لأن اختياري السياسي انتصر أو أن هذا الحزب أو ذاك خسر أو ربح في اجتهاده لحسم اختياره الدستوري، لأنه لو تصورنا تبادل مواقف الأحزاب القوى تجاه المشروع لكان هذا موقفي لا يتغير لأني لم أكن معنيًا بمن يؤيد ومن يعارض وإنما بوصلتي كانت الإيمان بأن تلك الخطوة هي الإنقاذ الحقيقي للوطن الآن، الآن أشعر بالسعادة لقناعتي أن مصر انتصرت، وأن الثورة تجني ثاني وأهم ثمار انتصارها، بعد انتخاب رئيس جمهورية مدني جديد وللمرة الأولى، فها هي الثورة تحقق لمصر أول دستور حقيقي باختيار شعبي كامل وتاريخي، وبعيدًا عن محاولات التهييج الفجة وغير المفيدة عن التزوير والتلاعب بالنتائج والخروقات، فإن على قوى المعارضة أن تعترف بأنها خسرت النزال في موقعة الدستور، ولا بد من إعادة الحسابات سريعًا من أجل النزال الأهم والأخطر وهو الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد شهرين من الآن تقريبًا، على حمدين صباحي أن يراجع نفسه: لماذا خسر رهانه في مسقط رأسه ومقر عزوته السياسية ومصدر قوته الانتخابية "بلطيم"، التي صوتت مع الدستور وبنسبة ساحقة 67%؟ بلطيم لم تكن معنية بشخص صباحي التي تصوت له بصفة منتظمة في الانتخابات البرلمانية، وإنما كان أهلها معنيين بانتزاع دستور جديد للوطن ينقل الشعب والدولة من الفوضى إلى الاستقرار التشريعي والمؤسسي، وعلى سامح عاشور أن يراجع نفسه، لماذا صوتت "ساقلته" مسقط رأسه ضد اختياره في هذه الموقعة؟ ولماذا منح "أهله وعشيرته" هناك أصواتهم للدستور الجديد بنسبة تصل إلى 90% ؟ هم غير معنيين بمعاقبته، بقدر ما هم معنيون بالبحث عن الاستقرار لوطنهم بعيدًا عن مشاحنات السياسيين وصراعاتهم التي تبدو أحيانًا صغيرة وتافهة وشخصية، والأخطر أن تكون على حساب مصالح الوطن المصيرية. كنا في حاجة ماسة إلى هذا الدستور، حتى وإن اختلفنا مع بعض بنوده، وقد استمعت إلى كثيرين من النخبة الذين يعترضون عليه، استمعت إليهم أكثر مما استمعت إلى المؤيدين، ووجدت أنهم يتحدثون في عالم المثل والفضائل والتحسينات، فليس ما يعترضون عليه سيئًا أبدًا، ولكنهم كانوا يأملون في الأفضل، وجدالهم كله في حوالي عشرة بنود من هذه النوعية، ولهم كامل الاحترام في أشواقهم، ولكن المخاطرة بإدخال الوطن في فراغ دستوري لسنوات أخرى مقبلة وفوضى سياسية وتشريعية خطيرة أسوأ بكثير، وبما لا يقارن، مع تسامحنا مع تلك "المثل" ، والتي في أيدينا أن نتداركها خلال عام واحد على الأكثر إن رغبنا في ذلك أو وجدناها ملحة فعلًا. أرجو أن لا يتيه فخرًا وسعادة وكبرًا من انتصر اختيارهم للدستور، وأتمنى أن لا يستغرق الحزن أو الغضب من لم يوفقوا في إقناع الناس بوجهة نظرهم، فهناك ما هو أهم للتفاؤل والتصالح، أن مصر انتصرت، وشعبها جدد هيبته واحترامه في العالم، والديمقراطية في بلادنا كسبت خطوة مهمة وحاسمة على طريق بناء دولة المؤسسات.