إن ما سأكتبه اليوم وأفردته بالذكر مقدمًا هو بالأصل رسالة لكل المنخدعين في جهود وتوجهات جبهة الإنقاذ المصرية والتي تزعم أنه وبإسقاط مرسي سوف تنتقل تلك النخب المتوافقة على أرضية "مدنية" علمانية فيما بينها إلى نظام سياسي ديمقراطي حر يحقق للإنسان المصري رفاهيته. إن تلك الرفاهة هي مطلب كل مصري سواء انشغل بالسياسة أو كان من دعاة الاستقرار المزعوم. لذلك فإن هدفى فى هذا البحث المقتضب التاريخي أن أجيب عن سؤال واحد: هل الحكومات الانقلابية قادرة حقًا على قيادة الدولة نحو ديمقراطية واستقرار سياسي؟ إن الدراسة المستفيضة لقضية الميليشيا سوف تقودنا بالضرورة لبحث قضية حكومات العصيان أو الحكومات الانقلابية، أو ما يسميه البعض حكومات التمرد. وحكومة العصيان تعريفًا هي حكومة تكونها نخبة الانفصال بالتوافق بينها بدون أدنى آلية تذكر سوى تقسيم الحصص بقدر قوة الأجنحة العسكرية على الأرض أو بقدر السيطرة على التجمعات الشعبوية. هناك تطبيقات بالعشرات لقضية الحكومة الانقلابية، لكن هذه الحكومات لها سمات سوف نبرزها تباعًا كما اعتدنا بضرب المثل. إن دارسة نموذج حكومة الانقلاب لا يمكن فيه أن تمر "بأي حال" على النموذج الأرجنتيني الفريد الذي كاد يبلغ في تفرده حد الكوميديا السوداء ففي عام 1943 تقريبًا قام مجموعة من ضباط الجيش "بالاعتراض" على انتشار الشيوعية بين المواطنين، وكان قادة هذا الانقلاب هما الضابطان إدلميرو فاريل و خوان بيرو. كان كل مطلب تلك القوات التي كان بعضها نظاميًا والبعض الآخر غير نظامي "تطهير" الجيش من العناصر الموالية للشيوعية. في عام 1943 تولى السلطة الجنرال راميرز "قيادة تقليدية بالجيش" والذي آثر أن لا ينحاز لأحد ضد أحد في الحرب العالمية الدائرة في الخارج. في عام 1944 رأى فاريل أن راميرز لم يخدم تمامًا الأهداف التي جيء به من أجلها فأقاله ثم نصب نفسه رئيسًا للبلاد. في هذه الأثناء كان بيرو يعمل على تقوية قاعدته الشعبية حيث اتصل بالعمال والفلاحين وفي عام 1945 قامت حكومة فاريل باعتقال بيرو ولكن الأوان كان قد فات. ففى نفس هذا العام خرجت مظاهرات حاشدة تدعو لتحرير خوان بيرو وهو ما حدث بالفعل، وفي عام 1946 وصل بيرو للسلطة وظل بها عشر سنوات يقتل ويأسر في معارضيه ومؤيديه إلى أن قامت عليه ثورة أخرى تدعى ثورة التحرر في 1955 نقطة ومن أول السطر. على عدة حقب متتالية تكرر هذا النموذج في تاريخ الأرجنتين الحقبة الأولى التي أفردناها بالذكر، ثم الحقبة من 1958 وحتى مطلع الستينات، ثم ثورة 66 .. ثم... ثم... ولم يستقر النظام في الأرجنتين تمامًا إلا فى أواخر عام 1988 عندما قرر الجميع أنه حان الوقت للعودة مرة أخرى لاحترام الآليات السياسية وانتخبت حكومة حرة وأوقف تدخل الجيش في السياسة وتوقفت ما سمي بحركات التحرر والمعارضة تمامًا والتزم الجميع بالنسق الحزبي في التغيير. ما هي السمات التي يمكن أن نخرج بها من حكومة فاريل وبيرو؟ 1- إنه وبرغم أن كلاهما كان يعتقد نفس المبادئ تقريبًا إلا أن حب الزعامة هنا فرض نفسه وجعل كل منهما ينقلب على الآخر. 2- إن الشراكة في الانقلاب لا تعني بالضرورة الشراكة في الحكم بدليل أن فاريل عندما شعر بالخطر قام باعتقال خوان وهو نفس ما فعله بيرو لاحقًا باعتقال عدد لا محدود من الناس من المعارضين والمؤيدين. 3- إن اللعب على العمال والفلاحين والطبقات غير الواعية في المجتمع هو ظاهرة انقلابية. 4- إنه وبالرغم من أن هذه الطبقات هي من ساندت الانقلاب إلا أن النخبة هي من حكمت في النهاية. 5- أن كل انقلاب في التاريخ يحتاج لرجل عسكري يدعمه هذا الرجل هو فى النهاية من يسيطر لأطول فترة ممكنة وحتى يأتي عسكري آخر. والآن أخي العزيز إنني أريد منك أن تفتح رأسك قليلًا للخيال المرعب حيث يسقط د مرسي لا قدر الله. هل تتخيل حقًا أن تستقر مصر في ضوء حكومات انقلابية ؟ هل تتخيل أن الذين اتفقوا على الانقلاب سيتفقون بالضرورة على الحكم؟ أم أن مصر ستدخل في دوامة من الانقلاب والانقلاب البديل حتى يسقط آخر بنيان بها! أنا أعرف تمامًا أنك قد تكون من غير الراضين عن شكل حكم الإخوان ولكننا نحتاج لأن نثبت آلية التداول هنا لكي يستقر النظام السياسي بالبلاد إن اعتراض الساسة في مصر الآن من الانقلابيين ليس اعتراضًا على على مسودة الدستور ولكن اعتراضهم يأتي على "التوافق" حول الدستور ثم تشكيل الجمعية. إن نظرة واحدة منصفة منك لهذين المطلبين سوف يذكرانك حتمًا بسيناريو المحاصصة في الحكومات الانقلابية. لم يكن اعتراض جادين أو فاريل أو غيرهم من الانقلابين اعتراضًا على مبادئ زملائهم حيث إن الهدف كان واحدًا للنهاية ولكن كان الاعتراض بالأساس على حصة التمثيل. إنني أدعوك الآن وفورًا إلى تفويت فرصة هذا الانقلاب. إنك لن تخسر شيئًا بتمرير الدستور، ويمكنك السعي بشدة إلى تعديله بالشكل الذي تريد لاحقًا. لكنك ستخسر كثيرًا بإيقاف آلية التحول واللجوء إلى مبدأ الانقلابية الذي يظهر في الأفق حاليًا على يد شخصيات تنتمي لمدارس تبنت لفترة طويلة كل الانقلابات في البلدان المجاورة. لقد اخترت بما عرضت أن أوجه رسالة إلى هؤلاء الذين سيقولون (لا) تحت ظل سيف الإعلام.