انتهزت المعارضة المصرية سوء الفهم الشعبي للإعلان الدستوري الأول لرئيس الجمهورية و حداثة عهد الشعب بروح الثورة والسلام التاريخي لمصر مع جيرانها وانطلقت بروح تكتنفها السذاجة والمغامرة أو المقامرة لتجني ذهب مناجم مفتوحة وهمية غير قائمة وتنتقم من مسيرة التاريخ التي قذفت بإخواني سابق بصورة شرعية وديمقراطية إلى سدة الحكم... فخاب رجاؤها... وبعد الاستفتاء لن تنفطم عن هذه المقامرة.. إنما ستفتح فصلًا جديدًا من النزاع الوهمي حول تزوير مزعوم للاستفتاء.. ريثما تبدأ انتخابات مجلس الشعب... فتعاود الكرة.. وتفوت على مصر والمصريين بذلك الأداء السياسي الخلاق لتقديم الحلول البديلة لمشكلات المواطن. لا توجد ديمقراطية ناضجة بلا معارضة سياسية ناضجة تقف على قدم الندية من الحكومة، ولكي تكون هذه المعارضة ناضجة فإن عليها أن ترتضي دور المعارضة خلال الفترة التشريعية السارية أولًا لكي تبدع فيه وتقدم الحلول البديلة الخلاقة لمشكلات الوطن الملحة، كما يتحتم على أية معارضة ناضجة أن تتقن أدب الاستماع قبل أن تتقن أدب الحديث والتصريحات وتيقن أن أدوات العمل الديمقراطي لا بديل عنها وبخاصة صناديق الانتخابات. ويعني هذا أن الديمقراطية التي ليس بها ذلك ديمقراطية مبتورة القوام مشلولة الأداء كالشخص المعوّق الذي يمشي على قدم واحدة وهى خسارة باهظة لأى أمة ترنوا إلى العُلا وإلى التقدم والرخاء ونيل احترام الأمم الأخرى. إن أى مراقب للعمل السياسي لأبرز الوجوه المعارضة في مصر منذ ظهور الإعلان الدستوري الرئاسي الأول الذي ألغي لا يشك في أن هذه الرموز هرعت من أماكن الشتات فاجتمعت على غير موعد وعلى غير تطابق هوى متوهمة أن ساعة انتزاع السلطة قد حانت، ورأينا بعض هذه الشخصيات يلغي رحلاته إلى الخارج للمشاركة في مؤتمرات دولية ليشارك في المغامرة الذهبية أو قل المقامرة الذهبية أو قل المؤامرة الذهبية... وأخذت نفسه تحدثه بأن قلم القدر ربما قد جرى بأن يكون هو رجل الساعة وأنه الرئيس الذي سوف ينادي به الشارع بديلًا... ومع نزول بعض المغرر بهم إلى الميادين توهمت هذه الشخصيات أن مناجم الذهب قد فتحت... وأن سقوط الرئيس الشرعي المنتخب مسألة ساعات فقط، وزاد من حدة هذا الوهم سعى بعض القضاة في مصر إلى ممارسة حرية التعبير عن الرأى بصورة بدائية فجّة يستشف منها حداثة العهد بالعمل الديمقراطي من ناحية والحنين إلى دهاليز ظلام الماضي من ناحية أخرى، كما أحكم الوهم حلقاته حول عقول هذه الشخصيات استقرار السلام التاريخي لمصر مع جيرانها مما يسمح لهم بفرض نزع السلطة من الرئيس الشرعي بصورة تستحوذ على اهتمام ودعم الجميع وليس الإعلام المغرض فقط وسرعان ما انضمت إلى هذه القافلة الخاسرة الواهمة فرسان الكنيسة المصرية التي تميزت في العصر الديكتاتوري بحنكة سياسية بالغة وبتحفظ كبير في الأقوال والأفعال، و لكن لهيب المغامرة ووهم الذهب الذي غدا قريبًا من الأيدي بنزع السلطة من الرئيس المنتخب انتقامًا من حركة التاريخ أعمت هؤلاء جميعًا... كما أعمت من قبل الذين أطاحوا بالبرلمان المصري المنتخب لتبقى الجماعة المحظورة محظورة فإذا بهم لا يفعلون شيئًا آخر من خلال ذلك إلا بالقذف بجميع السلطات عن غير قصد في يد تلك المحظورة لتكون عاقبة مكر الماكرين حسرة و ندامة. كما وجدنا من يعرف بالمثقفين، ولا ندري أهم أنصاف مثقفين أم مثقفين، من يعتبر أن من مكتسبات ثورة 25 يناير أن تتحدث عن الرئيس الديمقراطي المنتخب بصورة فيها تطاول وسفاهة وجهالة، كما رأينا من أغرته الأجواء الديمقراطية الجديدة ليتنازل عن حكمة الأدب ويخوض صراعًا ثنائيًا شخصيًا مع الرئيس ليصفق له البعض و كأن الحياة السياسية في مصر قد تولت إلى صالة لرياضة الملاكمة. والآن ومع بدء الاستفتاء الشعبي في الخارج و بدئه في الداخل بعد ساعات بإشراف الجيش والقضاء... بدأت هذه المعارضة تستفيق على الواقع المر وهو أنه لا توجد مناجم ذهب مفتوحة ولا توجد مناجم ذهب أصلًا... وأن الجري وراء السراب ومقاطعة أدب الاستماع والحوار كان تضييعًا للوقت وهدرًا للمصداقية وتدميرًا للشعبية، ولابد أن أحدًا من هذه الشخصيات قد سأل نفسه أية إجابات بديلة عنده لحل مشكلات قرية واحدة من قرى مصر ولابد أنه أجاب لنفسه بنفسه... أن هذا السؤال لم يطرحه من قبل على نفسه ولم يشغل باله قط، ألم يفهم هو المعارضة من قبل على أنها: أن تكون موجودًا وأن تحرض على إسقاط الرئيس المنتخب شعبيًا وأن تقاطعه وتحرض على مقاطعته لأنك لا ترضى بحقيقة أنه موجود؟ إن هذا التعنت النفسي والخندقة الضيقة في الذات لن تشفى منه المعارضة في الأمد المنظور فقد بدأت هذه الشخصيات قبيل بدء الاستفتاء تدق طبول الاتهامات بتزوير الاستفتاء وهو ما سيشهد تصعيدًا في الأيام القادمة وسوف يلي ذلك أيضًا نفس التعنت والانحياز إلى الرؤية الذاتية على حساب الواقع الساطع إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية. إن شعبًا قوامه أكثر من تسعين مليون نسمة وإن قطرًا كبيرًا ومحوريًا و تاريخيًا في المنطقة بحجم مصر لا يمكنه الاستغناء عن عقول أبناء مصر الأفذاذ في الحكومة والمعارضة لتقديم الحلول والحلول البديلة، ومن يعرض عن هذا العمل إنما يمدد عناء كل مواطن، فالحكومة وحدها في أى بلد لا تستطيع أن تقدم كافة الحلول على غرار الحلول التي كان يقدمها موسى لبني إسرائيل. لابد من تكاتف الجميع... فهل يفقه الذي يعارضون؟ يا ليت قومي يعلمون.