لو فتحت صفحة العبد لله على "فيس بوك".. ستجد إعلاناً وضعته بنفسى على صدرها.. صوتى للبيع والدفع مقدمًا والوسطاء يمتنعون.. والمقابل.. خمسة كيلو رز (باسمتى) خلى العيال تعيش حياتها بقى، مع إزازتين زيت درة عشان الكوليسترول والصحة خلاص فى النازل.. هذا لو كان الصوت ب(نعم).. أما لو كان ب(لا).. فصوتى فى هذه الحالة مقابل (100) جندى سلام سلاح.. وحباية زرقاء مع سيجارة بنى لزوم الفرفشة والنغنشة.. وربنا يجعل بيوت الحشاشين عمار.. ويارب أشوفك يا برادعى شاويش بتلات شرايط.. قولوا آمين.. ولن أتنازل.. وربنا يكتر استفتاءاتك يا مصر خلينا نأمن مستقبلنا.. اليوم.. نحن نعيش المعضلة التاريخية التى حار فى تفسيرها نخبة وفلاسفة وعلماء الكشرى المصرى أبو دقة فى حوارى مصر المحروسة.. نعم أو لا.. تلك هى المشكلة.. الله يرحمك يا عم ديكارت و(يفشفش) حجر معسل القص اللى تحت راسك.. ما كتبته بالأعلى هو خلاصة الثورة والديمقراطية بالنسبة للمصريين.. اختزلوا صوت المصرى الحر فى إزازة زيت أو علبة مارلبورو مستوردة من أم تيكت أزرق.. تسفيه واستهتار كامل بإرادتنا.. وبعد ذلك نتساءل لماذا جعل منا مبارك ومن قبله السادات ومن قبلهما عبد الناصر مطية..! لأننا من يفعل ذلك بنفسه وليس أحد آخر..!! كنت أتصور أن تجرى الأمور بطبيعتها بعد انتخابات الرئاسة.. فالشرعية انتقلت من الميدان إلى الصندوق.. وعلى كل معارض أن يذهب بنفسه وبكل احترام ليدلى برأيه خلال الفترة القانونية التى حددها الدستور.. لكن هذا لا يحدث أبدًا فى مصر الفهلوة.. مصر شغل التلات ورقات.. مصر كلشنكان.. ويبدو أنه مكتوب ألا تعيش لنا ثورة.. فسرعان ما نمل من الحرية ويصيبنا سأم رفاهية التعبير عن الرأى بلا حدود.. فنشعر فجأة بحنين غريب إلى عبودية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من كيان المصرى المعاصر.. من ضمن صفات هذا المصرى المتلذذ بداء العبودية مثلاً.. تلك الوصاية التى يفرضها عليك البعض أو التصنيف الذى يجعل منك حليفًا لهذا التيار أو ذاك دون رغبة منك لمجرد إبداء رأى ما.. فثقافة من لم يكن معى فهو ضدى والتخوين شعارنا.. هى الثقافة التى تسيطر على تفكير الغالبية العظمى الذين يجعلون من أنفسهم أوصياء علينا ويعتقدون أن الدنيا حكر لهم فقط وعلى تقييمهم العبودى للأمور.. وهى نظرة قاصرة ترتبط بتلك النوعية فقط دون غيرهم.. وهو أمر خاطئ تمامًا.. مصر ليست فقط التيارات السياسية.. ولا مخابيل العلمانية.. ولا فنانات شارع الهرم.. ولا إعلام فلول وعبيد مبارك.. ولا أصحاب الصوت العالى وبلطجية (السيديهات).. ولا ألتراس الكرة.. ولا علاء الأسوانى أو الرومانى.. هناك شعب آخر لا علاقة له بأى من تلك الأطراف المتصارعة.. يتخطى تعداده السبعين مليون مصرى.. غالبيتهم من الطبقة الوسطى أصحاب الثقافة والعلم والفكر الحقيقى وهم أمل مصر الفاعل للمستقبل.. لكل فرد منهم كل الحق فى إبداء رأيه ووجهة نظره فى رئيس جمهوريته وقراراته وطريقة إدارته للبلاد.. وله أن يؤيد أو أن يعارض.. أن يقول نعم أو يقول لا بكل احترام يميز المصرى الحر.. بعيدًا عن هذه التصنيفات المريضة.. التى هى أسوأ أعراض مرض العبودية لمن اعتاد دومًا أن يقوده الآخرين لا أن يتولى هو القيادة.. هؤلاء هم من سيحددون وجهة وخارطة طريق مصر بعد غد السبت وأية نتيجة يخرج بها صندوق الاستفتاء لا علاقة لها بالزيت أو السكر أو الحباية الزرقاء وتلك السخافات التى يروج لها من اعتاد عليها دومًا.. هذه رسالة أولى ولن تكون أخيرة.. فقد سئمنا تلك العقول الفارغة وعليها أن تخرج من حياتنا إلى الأبد قبل أن نركلها نحن بالأحذية..