تنص المادة رقم 13 من المسوّدة النهائية للدستور على أن (إنشاء الرتب المدنية محظور)، وقد يتساءل البعض عن المقصود بالرتب المدنية، ولهم العذر في ذلك، فقد تم إلغاء الرتب المدنية عقب قيام ثورة يوليو، وتحديدًا في 2 أغسطس 1952، ولهذا فإن غالبية المصريين لم يعاصروا فترة الرتب المدنية. ورغم مرور أكثر من 60 عامًا على إلغاء هذه الرتب فإن الألسنة ما زالت تلوكها والكثير منا يستخدم مفرداتها في حديثه اليومي، ومن هذه الرتب الشهيرة كلمة (باشا)، وكلمة (بِك) أو (بيه) بلغتنا الدارجة. قبل نشوب الحرب العالمية الأولى كانت الرتب المدنية المعروفة في ذلك الوقت ذات أسماء تركية مثل (المتمايز)، و(الميرميران)، و(روم إيلي)، وغيرها، ثم تم إلغاء هذه الرتب وإنشاء خمس رتب بديلة بأسماء مختلفة هي (الرياسة)، و(الامتياز)، و(الباشوية)، و(البكوية)من الدرجة الأولى، و(البكوية) من الدرجة الثانية. رتبة الرياسة: كانت حكرًا على رئيس الحكومة (رئيس الوزراء)، ويحتفظ بها حتى بعد تركه للمنصب، وكان الحائز عليها يُلقَّب ب(حضرة صاحب الدولة). رتبة الامتياز: كانت خاصة بالنظار (الوزراء)، ويحتفظون بها حتى بعد تركهم للنظارة (الوزارة)، وكان الحائز عليها يُلقَّب ب (حضرة صاحب الدولة المعالى). رتبة الباشوية: يُلقب حامل هذه الرتبة ب(حضرة صاحب المعالى)، وكانت لا تُمنح إلا لكبار الموظفين الذين لايقل مرتبهم عن 1800 جنيه سنويًا، ولكبار الأعيان المصريين الذين امتازوا بتقديم خدمات للبلاد، وكان يجوز منحها بصفة استثنائية للمحافظين والمديرين الذين يبلغ أقصى مرتب درجتهم 1600 جنيه فى السنة، بشرط أن يكون مرتبهم فى وظائفهم قد بلغ 1500 جنيه فى السنة على الأقل (كان الجنيه المصري له وضعه المميز في هذه الفترة). البكوية من الدرجة الأولى: وكانت تُمنح عادةً للموظفين الذين لايقل مرتبهم عن 1200 جنيه فى السنة، وكذلك للأعيان المصريين الذين قاموا بخدمات للبلاد، وكان حاملها يُلقب ب(حضرة صاحب العزة). البكوية من الدرجة الثانية: أما رتبة البكوية من الدرجة الثانية فكانت لا تمنح إلا للموظفين الذين لا يقل راتبهم عن 800 جنيه فى السنة، وكذلك للأعيان المصريين الذين قاموا بخدمات للبلاد، وكان حاملها يُلقب كذلك ب(حضرة صاحب العزة) مثل الدرجة الأولى. لقد أحسنت ثورة يوليو صنعًا بإلغائها للرتب المدنية، فقد كانت هذه الرتب مصدرًا للاسترزاق عند بعض المنتفذين في القصر، وكان يتوسطون لدى الملك أو لدى كبار الحاشية في سبيل الإنعام على بعض الأشخاص بإحدى هذه الرتب، أو بترقيته إلى رتبة أعلى، وكان الطامعون والطامحون يدفعون الرشاوى بسخاء في سبيل حصولهم على إحدى هذه الرتب التي تمنحهم وضعًا اجتماعيًا مميزًا عن الآخرين من غير الحاصلين عليها. كانت تلك الرتب عائقًا أمام تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين، فكان إلغاؤها مطلبًا شعبيًا وإحدى إيجابيات ثورة يوليو. وتم إقرار هذا الإلغاء في كل الدساتير المصرية التي تلت الثورة إلى الآن. من الجدير بالذكر أن الرتب المدنية لم تكن هي الضحية الوحيدة لرياح التغيير التي أتت مع ثورة يوليو، بل شمل التغيير الرتب العسكرية كذلك، فقد تم إلغاء الرتب العسكرية السابقة على الثورة مثل (اليوزباشي)، و(الصاغ)، و(القائمقام)، و(البكباشي)، و(الأميرالاي)، وأصبح البديل لها هي الرتب العسكرية المعروفة حاليًا مثل (الملازم)، و(الملازم أول)، و(النقيب)، و(الرائد)، و(المقدم)، و(العقيد)، و(العميد). أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]