بعيدًا عن المسائل القانونية البحتة فى الأحكام القضائية فى القضايا ذات الصبغة السياسية التى توالت على المشهد السياسى والواقع القانونى لمصر منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، بدءًا من سيل الأحكام ببراءة زبانية دولة مبارك البوليسية، من أفراد وضباط وقيادات شرطية، فى قضايا قتل المتظاهرين السلميين الثوار، وعبث حيثيات هذه الأحكام فى القول بأن من قتل هؤلاء الثوار هم عناصر خارجية أو أيد خفية، كذبًا وافتراءً على الواقع المشهود الذى رآه العالم أجمع حين كانت مدرعات الشرطة تدهس المتظاهرين دهسًا، وكان قناصتها يتصيدون الثوار بالبنادق المجهزة بأشعة الليزر ويصيبونهم فى الرأس والقلب والعين مباشرة. ومرورًا بحكم إدانة مبارك والعادلى وتبرئة رموز نظامه القمعى (مع ملاحظة أن حيثيات إدانة مبارك والعادلى تحمل فى ثناياها حيثيات براءتهما التى نجزم بها فى مرحة النقض) ثم بحكم بطلان وحل اللجنة التأسيسية الأولى لصياغة الدستور، ثم حكم بطلان قانون الانتخابات البرلمانية، وما استتبعه من تجاوز المحكمة لنطاق اختصاصها وحدود ولايتها، وقضائها ببطلان تشكيل مجلس الشعب، والحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب للانعقاد ولمباشرة اختصاصاته ومهامه القانونية والدستورية، ووصولًا إلى (قرار) تقريب أمد نظر دعوى بطلان الجمعية التأسيسية الثانية لصياغة الدستور خشية أن يتم صياغة الدستور الجديد وإقرار الشعب له، وبعيدًا عن المسائل القانونية البحتة فى كل هذه الأحكام والإجراءات، وما نراه فيها من عوار وفساد وأخطاء قانونية ودستورية؛ فإن حديثنا الراهن ينصب على مخاوف الوطن من مخاطر عبث القضاة بالسياسة، ومن تسييس الإجراءات والأحكام القضائية، واستشهد لهذا العبث بتركيز النظر إلى بعض الحالات التى كان فيها العبث سافرًا والتسييس مفضوحًا ومخاطر هذا التسييس بادية فى الأفق. فمن ذلك العبث (لهوجة) إجراءات المحكمة الدستورية لنظر الطعن على قانون انتخابات مجلس الشعب فى مدى ثلاثة أشهر، فى سابقة مفضوحة القصد والغرض والهدف السياسي، فى حين أن هناك بعض الدعاوى الدستورية لا تزال قابعة فى أدراج المحكمة منذ سبعة عشر عامًا!! وأن (أسرع) القضايا الدستورية لا يجرى نظرها قبل ثلاثة أعوام من تاريخ رفعها. فهذا العبث (بالإجراءات المستقرة) للمحكمة الدستورية كان وراءه هدف واضح وغاية سافرة هى تجريد (الدولة العميقة) للثورة المصرية من مظهرها الوحيد، وهو برلمان الثورة المنتخب بإرادة أكثر من ثلاثين مليونًا من المصريين، ثم تجاوز المحكمة لنطاق اختصاصها، حيث لم تكتف بالحكم ببطلان قانون الانتخابات (وهو نطاق الدعوى) بل تجاوزت ذلك إلى أن قررت فى حيثيات حكمها بطلان تشكيل المجلس نفسه. ومن ذلك العبث أيضًا ما كان أكثر سفورًا وتحدِّيًا لإرادة الشعب والثورة وأول رئيس لمصر منتخب بإرادة المصريين، حين جرى نظر (إشكال التنفيذ) فى قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب للانعقاد فى مدى أربع وعشرين ساعة ليصدر الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار. ومن ذلك العبث أيضًا تقريب أمد نظر دعوى بطلان الجمعية التأسيسية الثانية لصياغة الدستور. فمثل هذا التسييس الفج للسلطة القضائية وتسخيرها لخدمة أغراض دولة مبارك العميقة وثورة نظامه المضادة، بدون أدنى درجة من مراعاة مصلحة استقرار الوطن والمجتمع، هو العبث بعينه بمصالح الوطن وأمنه واستقراره، وهو أحد أكبر المعاول التى تهدم أسس الثقة فى السلطة عامة وفى السلطة القضائية على وجه الخصوص، وهو الداعى إلى النظر إلى أحكامها بكثير من الريبة وعدم الاطمئنان. فإذا ما أخذتنا حمية الغيرة على الوطن ومصلحة استقراره السياسى والاجتماعى والأمنى، وخلصنا – من خلال مثل هذا التحليل الأمين – إلى دق أجراس الخطر والنفخ فى أبواق النذير من مثل هذا العبث الذى يعبثه هؤلاء القضاة العابثون اللاعبون بألغام السياسة، وتهديد أمن واستقرار المجتمع، إذا بنا وقد طلع علينا المستشار الزند بحنجرته الغليظة وتهديده ووعيده، وحديثه المكرور المملول عن حياد القضاة ونزاهتهم، واضطلاعهم بأعباء العدالة وواجبها المقدس بمنتهى الأمانة والتجرد. هذا الحديث الذى تجاوز كونه مثيرًا للضحك من كثرة الإلحاح عليه، ومن كثرة ما كان الواقع القضائى يناقضه ويفضح فراغه من كل مضمون، حتى صار مثيرًا للأسى والحزن على ما أصاب أعرق المؤسسات فى الدولة المصرية على يد قضاة السلطان البائد المستميتين فى إجهاض الثورة التى قامت لاقتلاعه واجتثاث جذوره السامة. إن هذا التحليل الذى يقطر أسى ومرارة على ما يشهده الواقع القضائى والقانونى فى مصر، لا ينسحب على كثير من النقاط المضيئة فى المؤسسة القضائية المصرية، ولكن – للأسف - لقد صار هؤلاء الشرفاء – وغيرهم كثيرون – كأمثال الجزر المعزولة التى يحيط بها بحر الفساد من كل اتجاه. إن هذا التحليل ينسحب وينصب على قضاة السلطان وحماة الفساد الذين يدافع عنهم ويجعجع باسمهم المستشار الزند، من أمثال ممدوح مرعى، وعبد المعز إبراهيم، وتهانى الجبالى، ربيبة وصنيعة الفاسدة سوزان قرينة الفاسد مبارك، ومثل كثيرين ممن ولجوا إلى النيابة والقضاء من باب الرشوة أو المحسوبية أو كلتيهما، فى طول عهد المخلوع الفاسد. إن هذا التحليل ينسحب وينصب على الزند نفسه وعلى أبنائه الذين التحقوا بالنيابة العامة بتقدير (مقبول)، وتخطوا فى التعيين كثيرًا من المجتهدين من أبناء الشعب المصرى لمجرد أن أباهم ليس المستشار الزند، فالتحقوا بالنيابة مع غيرهم ممن لا يعرفون الفرق بين الفسخ والبطلان. هذا التحليل ينسحب وينصب على الزند الذى يريد أن يكسب ثقة وتأييد القضاة بصوته العالى المدافع عنهم بالباطل أو بالأكثر بطلانًا، وبما يريد أن يخلقه لهم كطبقة اجتماعية فوق المجتمع والقانون، ومن يتشكك فى ذلك فليراجع مشروع قانون السلطة القضائية الذى وضعه الزند ونادى قضاته، أو ليراجع وثيقة السلمى المقبورة. وفى الختام فإننا بضمير لا يريم عن وجه الحقيقة ووجه الوطن؛ نقولها وندعو كل مصرى يطالعه وجه الزند أو تهانى الجبالى أن يقولها: اللهم إن هذا منكرٌ لا يرضيك.