المهندس إبراهيم شكري متعه الله بالصحة و أطال عمره مارس العمل السياسي ، في الوقت الذي كان فيه كل أركان النظام الحالي يرتدون ، على رأي الفنان محمد صبحي ، "البربطوز" أو "المريلة البفتة" في المدرسة الإبتدائية . تراث الرجل السياسي و نضاله الوطني معروفان لجميع المشتغلين بالحياة العامة ، و يفرضان على الجميع احترامه و توقيره و إنزاله المنزلة التي هو بحق أهل لها ، حتى خصومه بحزب العمل ، لا يذكرون اسمه إلا مقرونا بمفردات التوقير و الإجلال ، فالكل يعرف قدره و عطائه الوطني قبل ثورة يوليو و بعدها ، و يطلق عليه أنصاره و محبوه "الشهيد الحي" لنجاته من القتل المحقق على يد الإنجليز في إحدى المظاهرات التي شارك فيها بالقاهرة قبل الاستنقلال ، و لا يوجد في الحكم الأن من يعدله أو يزنه في عطائه الوطني و خبرته السياسية الثرية ، و التي تؤهله ليكون الأعلى كعبا عن الجميع . لم يقدر النظام المصري وزن الرجل و قيمته الوطنية ، و عاملته بخفة و تعمدت إهانته ، إذ تآمرت عليه ، و حركوا رجال أمن بملابس مدنية ، باعتبارهم أعضاء بحزب العمل ، ليعقدوا جمعية عمومية أمام مقر الحزب بضاحية مصر الجديدة ، يقيلون فيها الرئيس الشرعي للحزب ، و يختارون الممثل الكوميدي "حمدي أحمد" ، ثم ينتقل ذات رجال الأمن بملابسهم المدنية إلى مقر الحزب بمدينة نصر ، ليعقدوا جمعية عمومية أخرى ليختاروا شخصا ثالثا نكره لا يعرفه أحد ، رئيسا لحزب العمل ، ليبدو الأمر و كأنه تنازع على رئاسة الحزب ، و لتتخذ هذه المسرحية و الفضيحة اللا إنسانية و اللا أخلاقية ذريعة لغلق الحزب بالضبة و المفتاح و تعليق صحيفته "الشعب" . عقابا لهما على كشف فساد النظام و مؤسساته و رموزه و شخوصه و خدمه و مماليكه. حصلت الصحيفة و الحزب على ما يقرب من 14 حكما قضائيا بعودتهما ، فيما نحت الحكومة منحى الزوج الهارب من قضايا النفقة ، لتستشكل أمام دوائر قضائية غير مختصة ، للمماطلة و التسويف و استهلاك الوقت و مد عمر التجميد و التعليق إلى أجل غير مسمى و بح صوت إبراهيم شكري و اشتكى لطوب الارض ، لم يكن يستجدي استعطاف السلطة عليه و مطالبتها بالإنعام عليه بحق هو ليس حقا قاونينا و شرعيا له ، بل كان يطالب بأن يحترم النظام أحكام القضاء ، كان يدرك المهندس إبراهيم شكري أن المسألة ليست قضية حزب أو جريدة تم توقيفها بقرار إداري ديكتاتوري استبدادي لا شرعية له غير شرعية القوة التي تحمي الفساد و المفسدين ، كان يدرك شفاه الله تعالى أن القضية ليست بهذه البساطة و الاستسهال و لكنه كان شديد الوعي بأن المسألة تتعلق بجرأة النظام على التحايل على أحكام القضاء و أن يتعمد مع سبق الإصرار و الترصد إهانتها و النيل من هيبتها ، و ما يترتب على ذلك من أوضاع بالغة خطورة ، عندما يرى الناس نظامهم و هو يسرف في تجاهله لأحكام القضاء المصري ، و ما سيتركه ذلك من اهتزاز ثقة الرأي العام بالداخل في قدرة العدالة الرسمية على رد الحقوق و المظالم ، و اهتزاز ثقة الرأي العام الدولي كذلك في قدرة القضاء المصري على إلزام السلطة التنفيذية على احترام حقوق الشعب المدنية و السياسية ، و ما سيترتب عليه من مطالب بالتدخل الدولي و الأجنبي لمراقبة الأداء السياسي للحكومة ، و هو ما يحدث الأن ليجني هذا النظام البائس ثمار ما زرعت يداه . لم يلتفت أحد من مفاصل النظام إلى شكاوى إبراهيم شكري ، و لم تنشر عنه الصحف الحكومية و لا سطرا واحد من باب المجاملة و التخفيف عن الرجل الذي أهانه النظام في شيخوخته ، و عقد العزم على أن ينهي حياته في وضع ما كان يتوقع أبدا أن يحدث له في عهود الملكية و الاحتلال . و المثير للدهشة أننا أمس فقط قرأنا خبرا في مانشيت الأهرام ورد فيه اسم المهندس إبراهيم شكري ، فقلت : خيرا .. اللهم اجعله خيرا . غير أن الدهشة سريعا ما غادرتنا حين عرفنا أن المانشيت كان بشأن نقل تأييد إيراهيم شكري للرئيس المبارك و قوله " بأنه المؤهل بكل المقاييس لقيادة الوطن, ولا يمكن أن ينجح أحد سواه" و لأول مرة يذكر اسم حزب العمل بدون وصفه ب"المجمد" .. لنتأمل و نتعظ و لنعلم أن "تأييد الرئيس" له من البركة ما لا نتوقعه من معجزات و كرامات قد تصدر من أولياء الله الصالحين .. و حسبنا الله تعالى و نعم الوكيل