على إثر عملية الانقسام التى حدثت داخل المجتمع المصرى عقب الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى 21 نوفمبر 2012، حدثت عملية استقطاب كبيرة للجماهير. وذلك لتأييد أو معارضة مضامين هذا الإعلان ومحتوياته، وظهر هذا واضحًا فى جمعة الإنذار فى التحرير، وجمعة التأييد حول قصر الاتحاية فى 23 نوفمبر 2012، تلك الجمعة التى جرى فيها حرق مقرات عديدة للإخوان المسلمين، وعلى إثرها دعا حزب الحرية والعدالة لمليونية فى ميدان عابدين يوم الثلاثاء 27 نوفمبر 2012، ولكن مع وجود احتمالات بحدوث صدامات بين المتظاهرين فى عابدين ومليونية التحرير المعقودة فى ذات اليوم لمعارضة الإعلان، تم نقل تظاهرات المؤيدين لميدان آخر هو جامعة القاهرة. مليونية جامعة القاهرة جاء قرار اتخاذها على عجل يوم الأحد 25 نوفمبر 2012 تجنبًا لحدوث مصادمات بين الطرفين، المؤيدين والمعارضين، مع قرب المسافة بين ميدان عابدين وميدان التحرير، وهى المليونية التى أربكت حسابات جامعة القاهرة نفسها، فخشيت على طلابها من حالة الانقسام والاستقطابات الجارية فى المجتمع، من ناحية.. وحفاظًا على مبانيها وطلابها وموظفيها وأساتذتها من أية اختناقات مرورية تمنع عملية الخروج والدخول منها وإليها، من ناحية أخرى.. فميدان جامعة القاهرة لمن لا يعرفه، هو ميدان تصب فيه كل الطرق القادمة من الشرق والشمال والجنوب، من محافظة القاهرة، ومن ميدان الجيزة وتفرعاته، ومن الطريق الدائرى عبر وصلة صفط من كوبرى ثروت حتى الدائرى.. وهو يقع شرقى الجامعة بجوار حديقتى الحيوان والأورمان بالجيزة.. ومن ثم فإن أى تجمع بشرى كبير داخله، سيؤدى إلى كارثة مرورية بكل المقاييس.. ولهذا جاء قرار إدارة الجامعة بتعطيل الدراسة لمدة نصف يوم، تجنبًا لتلك الاختناقات المرورية التى ستحدث حتمًا.. وخشية لعملية الزحام الكبيرة التى يحشد لها الإخوان المسلمون بطبيعتهم.. وجدير بالذكر أن هذا القرار بتعطيل الدراسة، لم تتخذه جامعة القاهرة بمفردها فقط، بل اتخذته كل المدارس التابعة لمحافظة الجيزة. الدعوة المليونية أمام جامعة القاهرة بهذا الشكل، تسببت فى أزمة حقيقية مفاجئة لكل محافظة الجيزة.. فالمحافظة لم تتعود منذ الثورة أن تقام داخل حدودها مليونية حاشدة، رغم أنها منبع رئيسى لكل المليونيات السابقة.. يظهر هذا واضحًا فى تلك المليونيات التى خرجت من مسجد الاستقامة، أو من أمام مسجد مصطفى محمود، وعلى هذا لم يكن تأجيل تلك المليونية عِشاء الاثنين 26 نوفمبر 2012 قد تم استجابة لدعاوى التهدئة، وإعطاء الفرصة للقوى السياسية المعارضة لقرارات الرئيس للتعبير عن رأيها بكل حرية، بقدر ما كان شعورًا بالأزمة التى حدثت داخل محافظة الجيزة ولجامعة القاهرة نفسها، ومن ثم فإن مليونية جامعة القاهرة تم تأجيلها، ليس بسبب قرار جامعة القاهرة بتعطيل الدراسة فيها لمدة نصف يوم فقط، بل لحسابات تتعلق بعدم الحشد الكامل لها فى الأقاليم.. حيث اعتمد منظموها على طلاب الجامعة أنفسهم، وعلى إخوان الجيزةوالقاهرة فقط، وبالتالى فإن قرار تعطيل الدراسة، قصر العملية على المؤيدين للإخوان فقط، وحرمهم من انضمام طلاب من تيارات مختلفة تغير المشهد. من المؤكد أن مليونية جامعة القاهرة قد انعكست على طلابها ومواقفهم منها، فلا حديث قبل الدخول فى أية محاضرة إلا عن الرأى فى الإعلان الدستورى وانقلاب الرئيس على القضاء. فالفريق المؤيد للقرارات، رغم أنه يقدم مبررات موضوعية، بأن الرئيس يملك ولا يحكم، وأنه لجأ لهذا الإعلان لتحصين قراراته من قضاء إدارى ومحكمة دستورية تقف بالمرصاد لكل القرارات التى يتخذها، إلا أنه يقدم أحيانًا آراء مختلفة وغريبة عن سبب التأييد، ففريق منهم ضد الزند والنائب العام وتهانى الجبالى والمحكمة الدستورية، وفريق ضد الليبراليين والعلمانيين، وفريق مع الإخوان فى أى قرار يتخذونه حتى لو كان خاطئًا، أما القسم المعارض للرئيس من طلاب الجامعة فهو يعارض تدمير السلطة القضائية، وأن يصبح الرئيس هو الدولة والدولة هى الرئيس، وما يصدر عنه غير قابل للمراجعة أو الإلغاء، وأن ما يروج له من تحصين لمجلس الشورى والتأسيسية لا يحتاج لإعلان دستورى، حتى لو صدرت أحكام بحلها، فمجلس الشورى لا قيمة له، والجمعية يستطيع إعادة تشكيلها بذات الشخوص وطرح مشروعها الدستورى لاستفتاء الشعب مباشرة، وأن هدفه الرئيسى كان هو النائب العام، لتحميله كل الموبقات السابقة وإغلاق الملف، وخلاصة أمر الفريقين الأوليين أنه من الممكن فهم مبررات الرئيس، لكن من الصعب فهم حجم الصلاحيات التى حازها، لكن الأغرب أن هناك فريقًا، لا هو بالمؤيد ولا هو بالمعارض بل يقطع بأن هذا أمر مدبر ومتفق عليه، وأن هذا الانقسام الكبير سيعقبه أشياء أخرى، إما وحدة شاملة، وإما اقتسام كامل للكعكة، أو إلهاء للناس بتلك الألاعيب والحيل التى اعتادوا عليها، للهروب من الفشل الاقتصادى والاجتماعى. وأخيرًا وليس آخرًا، فإن مليونية جامعة القاهرة المؤجلة لم تكشف عن أزمة محافظة الجيزة وازدحامها ومحنتها الحقيقية فى حالة حدوث أية طارئ لها فقط، بل تُعبر عن حيرة جامعة القاهرة نفسها فى التعامل مع هذا الحشد، الذى سيطال أسوارها وطلابها وأساتذتها وموظفيها، ولعل القرار الذى اتخذته الإدارة بتعطيل الدراسة لمدة نصف يوم لم يأتِ لأبعاد سياسية، بالانحياز لطرف دون آخر، بل جاء لأسباب تنظيمية وتعليمية وعلمية بحتة، وربما هذا القرار، وتلك الاعتبارات التى تخشاها الجامعة، سيجنبها مستقبلًا عبء أى حشد يرتب داخل ميدانها، وربما يلغى فكرة التنظيم لأية مليونية فيه بالأساس.. حفظ الله الوطن وجامعتنا العريقة من كل سوء. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة.