واجهت شركة السيارات اليابانية تويوتا مشكلة في دواسات البنزين في سياراتها قبل 4 سنوات، وكانت الشركة من الشجاعة أن أعلنت عن استدعاء أكثر من مليوني سيارة لإصلاحها، وكان حدثًا تاريخيًا لم يكن له مثيل بهذا الحجم من قبل، و المهم هو أن الدراسة بدأت في الحال لتحديد أمرين، أولهما سبب حدوث المشكلة والثاني هو سبب تفاقم المشكلة قبل أن يمكن حلها، أما الأول فقد كان تباين مستوى الجودة بين أجزاء يوردها موردون مختلفون إلى تويوتا مع تفاصيل أخرى. أما الثاني فكان الأكثر تأثيرًا ومن شأنه أن يسبب كوارث أخرى في المستقبل، وذلك هو بنية المنظومة الإدارية في الشركة العملاقة، فالمشكلة ظهرت أولًا في كاليفورنيا بالولاياتالمتحدة، عندما اشتكى بعض أصحاب السيارات، فقامت أقسام الصيانة بجمع البيانات اللازمة، لكن نظام تويوتا العريق كان يقضي بأن تتم دراسة مثل هذه الأمور مركزيًا، فأرسلت البيانات إلى اليابان وقامت إدارة المبيعات بتحليلها، ثم حولوا الأمر إلى أقسام التصميم لتعديل تصميم الأجزاء، ومن ثم إبلاغ أقسام الإنتاج لتغيير عمليات التصنيع والتجميع لتناسب التصميم المعدل، وبعدها أرسلت المعلومات كلها إلى خطوط التجميع في الولاياتالمتحدة، وخلال ذلك كانت الأزمة قد انفجرت ووقعت حوادث دامية، فكان طول الفترة الزمنية لعملية تبادل البيانات رأسيًا، والمركزية الجامدة في اتخاذ قرارات العلاج والتعديل، هو الذي أتاح للمشكلة أن تتفاقم لتؤثر في مبيعات الشركة وسمعتها للسنوات التالية فما علاقة هذا بحوادث أسيوط والفيوم وغيرها؟ كانت إفادة عامل المزلقان في أسيوط، هي أنه أبلغ عن انقطاع الاتصال بالأكشاك قبله وبعده، لكن لم يحدثنا أحد عن مصير هذا البلاغ وأين وصل في مسيرته الطويلة حتى الوزارة بالقاهرة، والتي تدير السكك الحديدية والمترو والترام والطرق البرية وربما البحرية.. وهي مسيرة من الطول والتشابك مع الاهتراء والترهل، كفيلة بضياع شكوى من عامل مزلقان في إحدى بقاع أسيوط، وأحوال المزلقانات معروفة منذ الأزل، ولو أن المنظومة أفضل حالًا لتم العلاج منذ زمن، فلأن العلم ليس حاضرًا في منظوماتنا الإدارية ولا قدرة على التعلم وتجميع الخبرات، فتتكرر نفس الكوارث دائمًا. البحث الذي لابد منه يجب أن يسير في اتجاهين، الأول هو البحث عن الشخص الذي قطع طريق الإصلاح، أو لم يقم بعمله الطبيعي للوقاية، بدءًا من عامل المزلقان وحتى الوزير، بينما الثاني وهو الأهم، فهو البحث في طبيعة وسائل التواصل داخل المنظومة الإدارية للوزارة، قدرتها على التفاعل مع الأحداث بالسرعة المطلوبة، ومدى خطورة المركزية في قابليتها التطور. وقد جرى إنفاق ميزانية تطوير السكك الحديدية التي خصصت منذ سنوات، على عربات وجرارات جديدة وعلى أعمال محطات سيدي جابر والقاهرة، ولم يصل التطوير إلى وسائل الأمان أو دعم العاملين وحماية أرواح الناس، فلابد أن تطال التحقيقات والاتهامات مسئولي الوزارة الذين وضعوا خطط التطوير والذين أنفقوا ميزانياتها في السنين الماضية، وكذلك الذين تركوا الأمور تتدهور، فليس من يعمل في الوزارة الآن فقط مسئولًا، بل كل من عمل فيها وعلم بما فيها ثم لم يقم بما يلزم لتفادي الكوارث، وهي كوارث متكررة لا يمكن لأحد أن يدعي أنها لم تكن متوقعة. د. مجدي هلال - جامعة بنها [email protected]