تمثل الثقافة السلوك الجمعي العام - mainstream- لأبناء وطن أو قبيلة , أو منطقة ديموغرافية محدده تجعله ملمحا من ملامحها , ومؤشرا على هويتها , وأساسا تبنى عليه قيمها الجديدة ونهضتها , و الثقافة بهذا المعنى إما أن تكون موروثا وزخما تراكميا لمردودات المجتمع المختلفة ( سياسية – اقتصادية – اجتماعية ) , أو ثقافة بنائية يتم غرث بذورها فى تربة المجتمع وفقا لمؤشرات ثلاث وهى ( الحاجات – التطلعات – الإرادة ) , و الثقافة البنائية لها شقان , أحدهما قائم على التنشئة , ومتمثل فى قدرة المجتمع على بلورة مؤسسات قوية لعملية التنشئة من منظور( إنسانى , وليس بشري) , و الآخر توعويا يقوم على خلق مؤسسات للتوعية ( وسائل الإعلام – وسائل الدعاية والإعلانات - الحملات التطوعية – المؤتمرات والندوات الجماهيرية – تبنى رموز المجتمع لتلك القيم المراد ترسيخها ) . وإنجاح تلك النوعية من المشاريع المراد تكريسها بوصفها قوة ناعمة لازمة لعمليتى التطور والتنمية بحاجة أيضا إلى مؤشر ثالث كبير الأهمية , وهو المطابقة مع الواقع ( فمثلا إذا تحدثت مؤسسسات التنشئة عن أهمية الانتخابات , وقامت بتدريب الطلاب علي ممارسة هذه العملية بشكل تجريبى فى المدارس والجامعات , وإذا قامت وسائل الإعلام , ومؤسسات التوعية الأخرى بتوجيه المواطنين نحو أهمية هذه العملية , ثم ذهب المواطن إلى صناديق الإقتراع , ووجد تزويرا لهذه العملية , أو تدخلا مشبوها من جهات أمنية أو مجموعات بشرية تملك نفوزا , فإنه سيفقد الثقة تماما ليس فقط فى جدوى الانتخابات , ولكن فى مؤسسات المجتمع ككل ) . عند دراسة الثقافة البنائية , يجب النظر إلى خصائص المجتمع , وخصائص المرحلة التى يمر بها , وبالنظر إلى طبيعة المصريين كمجتمع متدين ومحافظ , نجدهم دائما يتريبون كل جديد , ويتمسكون بالعادات القديمة , والتى أحيانا ما ينسجون لها سلوكا دينيا شعبيا , فتتحول من مجرد ممارسات شعبية إلى طقوس تعبدية ( إلصاق العادة بالدين ) , كما أن المصريين يتريبون كل ما هو قادم من السلطة الحاكمة ( وهذا يجعل مهمة وزارة الصحة منفردة صعبة جدا فى تنمية الوعي بفضيلة التبرع بالأعضاء ) , ويميز المصريون أيضا أنهم لا يتحركون بمبادرات شعبية , بل دائما من خلال تنظيمات سواء كانت رسمية أو مجتمعية , وهذا قد يفسر نجاح كثير من الجمعيات الأهلية فى تلبية حاجات إجتماعية كثيرة للمصريين , وأيضا فشل هذه الجمعيات أو الجماعات عند تحولها لكيانات سياسية فى الحصول على نفس الرضاء المجتمعى) . إن التبرع بالأعضاء ليس بالعملية البسيطة مثل التبرع بالدم , أو المال , وذلك لأنها ترتبط فى الأذهان بموضوع تجارة الأعضاء , ومفهوم حرمة الجسد , كذلك عدم صدور رأى فقهى موحد يبيح موضوع التبرع بالأعضاء , ومن ثم فإن السعي لترسيخ مفهوم التبرع , وكما أشرنا من قبل إلى مفهوم التنمية الإنسانية مرتبط بإرادة مجتمعية تنظمها الدولة من تشريع و رقابة – وهذا ما أدى إلى تراجع ظاهرة بيع الكلى فى العامين الأخيرين بعد ظهور قانون زراعة الأعضاء 2010 ,وخروج مصر من قائمة تصنيفات الدول الأكثر رواجا لهذه الجريمة - , ويفعلها مجتمع مدنى , وتحتضنها المؤسسات الروحية والدينية , ويقبلها المجتمع , ومرتبط أيضا بمعرفة تجارب الدول الإسلامية الأخرى التي نجحت في هذا المجال مثل السعودية وإيران وتركيا , بوصفها النماذج الأقرب لثقافتنا وواقعنا الحضاري والقيمي. باحث في العلوم السياسية* أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]