كان من أسوأ عيوب نظام المخلوع تقديس الرئيس واعتباره علاّمة زمانه، يعرف كل شيء ويفتى فى كل شيء، والدنيا كلها فى انتظار توجيهاته الحكيمة.. أما الوزراء وكبار المسئولين فهم إلى جواره (صفر على اليسار)، وهم بمثابة الخدم أو (البصمجية) الذين لا شخصية لهم ولا فكر ولا برامج: ينتظرون التعليمات والتوجيهات، ويا ويل من يضبط متلبسًا بالتفكير المستقل أو (تشغيل دماغه)! وقد أسقطت الثورة المباركة بفضل الله هذا النظام المتخلف.. ولكن يبدو أن آثاره ما زالت متغلغلة ومسيطرة على أغلب أفراد هذا الجيل الذى من المفترض أن يقود البلاد بعد الثورة. فعلى الرغم من وجود رئيس متميز وعالِم بالفعل؛ لا يؤمن بنظرية الرئيس المُلهم ويرفضها، ويحاول إشراك الشعب معه.. فمن الواضح حتى الآن أن أغلب الفريق الذى يعمل معه من ذلك الصنف الذى ربّاه المخلوع على مدار عقود طويلة كانت كفيلة بتدمير ومسخ جيل كامل من النخبة! فحكومة الثورة لم تشعر حتى الآن بمسئوليتها التاريخية عن إزالة آثار الطغيان، وأهمية إجراء مصالحة للدولة مع الشعب المسكين، وسرعة تعديل القرارات والتصرفات والنظم المتخلفة التى أورثتنا هذه الخرائب المنتشرة فى ربوع الوطن. وأخلب الخرائب الموروثة لا تحتاج إلى موازنات كبيرة بقدر ما تحتاج إلى قرارات أو نظم جديدة أو قوانين.. فرغم وضوح المشكلات وضغطها على أعصابنا، ورغم إلحاح الكتاب والمفكرين وعرض الكثير من المقترحات، فإن أغلب الوزراء والمحافظين لا يقرأون، وإن قرأوا لا يتأثرون ولا يستجيبون، تمامًا مثلما كان يفعل أقرانهم أيام المخلوع! ومن الواضح أن كل وزارة ما زالت دولة مستقلة، وليست هناك نية للعمل كفريق وزارى واحد متداخل ومتعاون.. وكذلك المحافظون. فقد التقيت أحد المحافظين ونبهته إلى سوء حال المحافظة، واقترحت عليه بعض الحلول السريعة التى تسعد الناس وتشعرهم أنهم بدأوا يحصدون ثمار الثورة وخيرات الحرية والشورى.. فوجدته متمسكًا بعقلية نظام المخلوع، وليس لديه أدنى استعدادٍ لتغيير أى شيء، أو التصرف كمحافظ ثورى لديه صلاحيات رئيس الجمهورية بمحافظته. فالرجل- رغم دماثة خلقه - ليس لديه أى طموح ويرى أن "ليس فى الإمكان أبدع مما كان".. لدرجة أننى شعرت بابتسامة سخرية عندما رجوته إزالة المطبات الهمجية بالطرق، واقترحت إنشاء سلالم كهربية على كبارى للمشاة! فهل يُصر المسئولون بحكومة الثورة على استمرار نظام المخلوع وينتظرون تعليمات السيد الرئيس فى كل صغيرة وكبيرة، وعلينا بالتالى التوجه إلى سيادته بمطالبنا واقتراحاتنا بدلاً منهم؟ وهل وقت الرئيس يسمح بتدخله فى أمور صغيرة يمكن لهؤلاء المسئولين أن يقوموا بها بسهولة؟ إذا كان الأمر كذلك، رغم رفضنا لهذا السلوك بل ورفض الرئيس نفسه لهذا الأسلوب المتخلف.. فلا بأس، لنتوجه إليكم يا سيادة الرئيس، لأن صبر الشعب نفد: لقد أورثنا المخلوع مشكلات غير تقليدية، وهذا يتطلب حلولا غير تقليدية، ويحتاج بالتالى قيادات غير تقليدية.. لديها مشروع إصلاحى وفكر إدارى إبداعي؛ وللأسف لم نجد شيئًا من ذلك حتى الآن، وكأن الثورة لم تقم. الثورات تغسل الشعوب وتطلق فيها الطاقة الثورية التى تصنع المعجزات وتنهض بالشعب الثائر.. ولكن الفترة الانتقالية قتلت هذه الميزة وبددت الطاقة الثورية للأسف، وكان المأمول أن تفعل حكومة الثورة شيئًا لتعيد الحماس وتسترد الطاقة الثورية؛ ولكنها لم تفعل! الشعب يصطدم بخرائب المخلوع ويعانى الأمَرّين فى كل لحظة، ولم تمن علينا حكومة الثورة بحل أو بداية حل، أو حتى بوعود وجدول زمنى للحل.. وكأنهم لا يرون هذه المشكلات، ولنضرب بعض (الأمثلة القليلة)؛ لأن مساحة المقال لا تسمح بالمزيد: • لدينا طرق خربة تمتلئ بأمارات التخلف كالحفر، والأتربة، والمطبات العشوائية الهمجية، والبالوعات (تُحفر أغطيتها عقب الرصف بطريقة متخلفة وتترك كحفرة أو تبّة فى قلب الطريق!)، والدورانات (U- turn) ذات التصميم الخاطئ، والأرصفة المرتفعة جدًا، والكبارى المليئة بالمطبات ‘الخطرة‘، وأعمدة الإضاءة المظلمة... الخ. • ونحن نعلم أنها مشكلات موروثة.. ولكن حكومة الثورة لم تبدأ الترميم أو الإصلاح، ولم تعِد بذلك؛ والأخطر أن عمليات الرصف القائمة حاليًا تسير على المنهج نفسه دون تغيير، هل سننتظر كثيرا؟! • من أبرز ما يسيء إلى المظهر العام الكتابات والملصقات التى تشوه الحوائط والأسوار والمرافق، ولم يأمر أحد بتنظيفها رغم الألف جنيه التى دفعها كل مرشح برلمانى لهذا الغرض.. وعندما تحدثت مع المحافظ إياه ضحك ساخرًا: لا نستطيع أن نمنع عودتها! لماذا لا يصدر قانون للإعلان ينظم هذا الأمر ويمنع تلك الهمجية؟! • الأزمة المرورية تزايدت، والباعة الجائلون وقادة عربات الركاب توحّشوا.. لماذا لا يخصص مكان متسع بكل محافظة، يخطط ليستوعب السيارات (ويُمنع الانتظار بالطرق والشوارع)، وكل خطوط الأجرة، وسوق شعبى للباعة؛ فى مكان واحد، وتخصص وسائل نقل متحضرة من هذا المكان إلى داخل المدن؟ • أغلب الشعب يعانى من التهاب الكبد، والعدوى مازالت تنتشر وتحصد ضحايا جددًا.. لماذا لا نحمى غير المصابين بإصدار قانون يُلزم الأطباء والحلاقين.. إلخ، بتعقيم الأدوات مع توفير معامل التعقيم؟ • أغلب المركبات تبث الأدخنة الملوثة للهواء والمؤذية للناس بسبب فساد نظام التراخيص.. لماذا لم تحدد مهلة يمنع بعدها مرور هذه المركبات، مع توفير ورش وتدريب أصحابها للإصلاح؟ • سمعنا عن عودة شرطى الدرَك.. لماذا تأخر؟ ولماذا لا نعين مراقبين مدرَّبين بالأحياء للمراقبة وسرعة الإبلاغ عن المخالفات لمنعها؟ هذا يفتح الباب لتعيين الآلاف وسوف تغطى غرامات المخالفات مرتباتهم. [email protected]