معروفة إجمالاً مرتكزات الديمقراطية ومحاورها، من حرية التعبير وغيرها من الحريات ونزاهة الانتخابات واستقلال القضاء وسيادة القانون. ورغم ان هذه المرتكزات والمحاور تبدو غير حاضرة حضوراً موضوعياً في الاقطار العربية التي ترفع الديمقراطية شعاراً. إذ لا تعدو القضية في كثير من الاحيان كونها شعاراً. فحرية التعبير تكاد تكون محدودة، وحرية التجمع والتظاهر السلمي وتكوين الاحزاب تكاد تكون محصورة ومحاصرة. أما نزاهة الانتخابات واستقلال القضاء وسيادة القانون فتبدو غائبة ومغيبة. فالانتخابات تتم في وضع تطبق فيه الاجهزة الامنية على قنواتها وصناديقها وتتحكم في نتائجها، ويكاد يكون الأمر استفتاء وليس انتخابات. إذ ان الاحزاب المعارضة ان كانت هناك أحزاب معارضة، هي تجميل للصورة الديكورية للديمقراطية في العديد من الأقطار العربية، بحيث يبدو الأمر كأن هناك تعدداً في الاحزاب، وان هناك تنافساً على الموقع او المواقع السياسية، وليس هناك في الحقيقة أي تعدد للاحزاب إلا ان كان تعدداً صورياً. إذ ان حزباً واحداً هو المهيمن ولا بد ان يكون مرشح الحزب هو المرشح الذي يكتسح الساحة دون منافس حقيقي. وهكذا يبدو موضوع تداول السلطة موضوعاً مشطوباً من المعاملة وملغى الغاء تاماً مع سبق الإصرار. ولهذا يستمر مرشح الحزب الحاكم. أو الحزب الواحد في حقيقة الأمر في سدة الحكم مهما طال به الأمد. ولا ضير ان يكون هناك حضور صوري لمنافسين غير حقيقيين. وأحزاب معارضة ديكورية، ولا ضير ايضاً ان تخرج نتيجة الانتخابات بنسبة أقل من 99%. بعد ان أصبحت هذه النسبة محل سخرية على الساحة المجتمعية. إذ يحاول الحزب الحاكم أو الحزب الواحد ان يكون مرشحه قد حقق نسبة تبدو معقولة لكي تضفي الصبغة الصورية للانتخابات، مع ان الانتخابات قد تكون بعيدة عن النزاهة والامانة والشفافية أصلاً. فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق الذي يبدو ديمقراطياً شكلاً وهو بعيد كل البعد عن مرتكزات الديمقراطية ومحاورها ومضامينها؟ وكيف يمكن ان يفوز منافس على مرشح الحزب الحاكم أو الحزب الواحد ثم قد يفوز في سنوات تالية غيره في اطار سلمي ديمقراطي لتداول السلطة؟ ان الامر لا يبدو قريباً في الافق القريب طالما ظلت ذهنية الهيمنة على مقاليد السلطة وطالما ظل التشبث بالسلطة هدفاً محورياً. اذ ان هذه الذهنية وهذا التشبث هما من اكبر العوائق امام تداول السلطة، وأمام الديمقراطية الحقيقية. فكيف يمكن تغيير الذهنية ومن يتولى تغييرها؟ إن مثل هذا الامر لا بد ان يكون موضع تندر من قبل كثيرين داخل الاقطار العربية، ولكن بصورة خاصة خارج الأقطار العربية خصوصاً في ظل الانفتاح الاعلامي الفضائي. حيث تبرز المسرحية بتفاصيلها امام العالم وقد يكون اكثر المتندرين في الدول المتقدمة الذين يمارسون الديمقراطية بحضور جميع مرتكزاتها ومحاورها ومضامينها، وحيث لا يوجد حزب واحد حاكم مهما طال به الأمد، ومرشح واحد لا منافس له يظل في سدة السلطة مهما طال به الامد. وتبدو صورة الديمقراطية الصورية في العديد من أقطار العالم. موضع استهجان. واستغراب.. وهم في حقيقة الامر لا يعتبرونها ديمقراطية بأي صورة من الصور. إذ ان استمرار فائز واحد من حزب حا كم واحد في سدة السلطة مهما طال به الامد هو نقيض الديمقراطية ومناف لها، ولا ينسجم معها بأي حال من الاحوال مهما كان الشعار المرفوع يشيد بالديمقراطية وفضائلها. اذ انه يشيد بها شكلاً ويطعنها في الصميم. فهل العرب بعيدون كثيراً عن الديمقراطية الحقيقية؟ وهل يقبلون بهذه الصورة الديكورية التي يتم اخراجها مسرحياً لبطل واحد في المسرحية، لكي يستمتعوا بمشاهدتها؟ أم انهم متفرجون أو لم يعودوا مبالين، وكأنه ليس في مقدورهم ان يفعلوا شيئاً مع انهم يحلمون بالديمقراطية الحقيقية لأن الحلم يظل جميلاً حتى لو اجهضت الممارسة الحلم. ---- صحيفة الخليج الإماراتية في 4 -9 -2005