بداية أؤكد أنى من بين المؤيدين والمدافعين عن الجمعية التأسيسية ومسيرتها، لكونها جاءت نتيجة لإرادة شعبية.. وما أزال أؤمن بأنها قادرة، بما تحتويه من شخصيات، على الأخذ فى الاعتبار بالانتقادات والاعتراضات المنطقية والمعقولة التى ظهرت مع الإعلان عن مسودات الدستور المنتظر. وقبل الخوض فى موضوع المقالة، أذكر بأن الهدف الرئيسى لثورة 25 يناير2011، كان ولا يزال هو "إسقاط النظام"، حيث ثبت بالأدلة العملية والتجارب عبر عشرات السنوات أن النظام الفردى الذى أقيم بعد حركة الجيش عام1952، كان فاشلاً بدرجة كبيرة، وخاصة ما يتعلق بالحريات العامة والدولة المدنية الحقوقية وتنمية المجتمع، وكونه خلق "فرعونًا" أوحد، يجلس فى مقعد رئيس الدولة ليتحكم بمفرده فى مصير الملايين. فكيف يكون الهدف الرئيسى للثورة الشعبية، بدمائها وجراحها وآلامها، هو إسقاط النظام وبناء نظام جديد، بينما تحمل مسودة الدستور صلاحيات واسعة للرئيس، تكاد تكون هى نفسها التى تعودنا عليها مع النظام السابق الفاسد؟!. لقد بحت الأصوات من المطالبة ببناء نظام جديد مختلط، رئاسى وزارى برلمانى، يوزع السلطات بين الرئاسة والحكومة.. غير أن هذا لا يبدو واردًا فى مسودة الدستور، حيث سيقوم الرئيس بتعيين وإقالة رئيس الوزارة – الوزارة غير الحكومة – والوزراء ورؤساء المراكز والهيئات العامة والمحافظين ونوابهم والسفراء ورئيس أركان الجيش وقادة الأسلحة الرئيسية، ويقترح ويصدق على القوانين والتعديلات الدستورية، ويقرر الاستفتاء العام على الدستور أو غيره ويترأس مجلس الدفاع الوطنى، ويترأس الوزارة حين يريد، ويصدق على ترشيحات رؤساء المحاكم العليا والنائب العام ويصدر العفو ويخفف العقوبات القضائية.. إلخ. على هذا الشكل، نكون عدنا مجددًا لنفس النظام ونظل ندور داخله، وكأن الثورة لم تقم ولا طالب الشعب بإسقاط النظام الديكتاتورى الفردى.. المفروض أن نكون أخذنا الدرس والعبرة من أحداث ووقائع تاريخ النظام الفردى، ونسعى لعدم تكرار الأخطاء، سواء فرضت علينا عنوة فى الماضى القريب جدًا أو ترسخت فى غفلة منا.. فكيف – بعد الثورة - يقود رئيس وزارة وزارته بتعليمات من رئيس الدولة ويخضع له ويدور فى فلكه؟، إن هذا يعنى بوضوح السعى لعدم إسقاط النظام الفردى وجعل الثورة مجرد حركة تصحيحية للنظام أو تجميله.. وهذا يعنى أيضًا أن رئيس الوزارة لن يكون حاكمًا ولن يأتى بدعم شعبى ولن يكون منتخبًا من الشعب.. كما يعنى أن الوزراء سيكونون كذلك، أى من شخصيات تختار بطريقة شخصية بعيدًا عن الإرادة الشعبية وعن البرلمان. إن النظام المختلط بين الرئاسى والبرلمانى صاحب الحكومة المسئولة، يعنى أن يُنتخب كل من الرئيس ورئيس الحكومة، وأن يكون الوزراء من بين أعضاء البرلمان الحاصلين على الدعم والتأييد الشعبى.. مع السماح بتعيين البعض منهم من خارج البرلمان للضرورة، ويتم توزيع السلطات بدقة وإنصاف بين الرئيس والحكومة والبرلمان، بما يؤدى لخلق نظام قوى يستند على الإرادة الشعبية. كما أن تعيين الرئيس للمحافظين، يعنى ببساطة أن رئيس البلدية أو المجلس المحلى المنتخب، سيكون بدون صلاحية، ويخضع لهيمنة المحافظ المعيّن.. كيف هذا، رئيس ومجلس بلدى محلى منتخب شعبيًا، يخضعان لمحافظ معيّن؟!، ألم تتخلف مصر وتأخرت التنمية الشاملة فيها نتيجة لنظام المحافظ المعيّن والموالى للرئيس!. إن المجتمعات الحديثة والمتطورة القابضة على تكنولوجيا العصر وإنجازاته العلمية والصناعية، وفقت لما هى فيه، نتيجة لانتخاب المجالس البلدية والمحلية، وما تتمتع به من سلطات وصلاحيات واسعة، بعيدًا عن السلطة المركزية. بناءً عليه، أرجو من أعضاء الجمعية التأسيسية، سرعة تدارك خطأ الوقوع والدوران فى فلك النظام المرفوض شعبيًا، والقيام بثورة فى وضعية النظام فى الدستور، لكى يكون مختلطًا فعلاً وليس قولاً، بعيدًا عن الفردية، مستندًا للإرادة الشعبية فقط.