لقد تعارف معظم السياسيين على أن السياسة (لعبة قذرة) أو رجس من عمل الشيطان, وقد احتج العلمانيون بذلك حين قالوا بفصل الدين عن السياسة, وقالوا إن (الإسلام) مقدس, ومبادئه راقيه وثابتة, ولا يمكن أن نقحمه في عالم السياسة حيث الدهاء والمكر والتغير وربما الكذب والتشويه للمنافسين وإعاقة طريق نجاحهم بهدف إزاحة بعضهم بعضًا من مواقع السلطة إلى مقاعد المعارضة.. بينما قال الإسلاميون وبعض الوطنيين بضرورة تحصين السياسة بسياج من الأخلاق, ولم يكن ذلك طرحًا جديدًا أو محليًا, بل بدأت بعض الدوائر الأمريكية والغربية تدفع في هذا الاتجاه حرصًا على سياسة نظيفة تحقق الخير لمجتمعاتها.. أبو الفتوح والنموذج المأمول قدم د.عبد المنعم أبو الفتوح أوراق تأسيس حزب (مصر القوية) إلى لجنة الأحزاب الأربعاء 31/10 وسط حشد من مؤيديه, وقد بلغ عدد الأحزاب في مصر حوالي 60 حزبًا, لكننا نأمل أن يقدم الحزب الجديد نموذجًا سياسيًا جديرًا بالاقتداء, يُعلى مصلحة الوطن على مصلحة الحزب, تتسق فيه الأقوال مع الأعمال.. لقد تضمن برنامج الحزب خياراته الواضحة المتميزة لما يريده لمصر القوية المعتزة بهويتها الإسلامية الحضارية, دون تفريط من ناحية ودون دغدعة للمشاعر من ناحية أخرى, وحين يتبنى الحزب مطلب العدالة الاجتماعية فإنه لا ينحاز إلى الفكر اليساري, لكنه ينحاز إلى هوية هذه الأمة التي رسخت العدالة الاجتماعية في أروع صورها, غير المقترنة بالصراع الطبقي أو تصدع المجتمعات, إنها العدالة التي تدفع قوى المجتمع لتعظيم قيم العمل والإنتاج كي لاتحقق للمُفقرين والمُهمشين فقط حد الكفاف لكنها تعمل على تحريك المجتمع بشكل مستمر من أدنى إلى أعلى وصولاً للكفاية. إن حزب مصر القوية حين يضع على أولوية أهدافه تحقيق الديمقراطية التشاركية باتساع دائرة المشاركة سيكون أمام تحدٍ حقيقيٍّ عند الممارسة والتطبيق لقطع الطريق أمام أي تعسف أو استبداد داخل الحزب وخارجه.. ومن أهم أهداف الحزب السعي لتحقيق استقلال حقيقي للوطن. نعم خرج (جنود) المستعمر بمعاهدة الجلاء, وخرج (جنود) المحتل بمعاهدة كامب ديفيد, لكننا (واقعاً) وطن (وأمة) لم يستقل بعد (كما كتب المستشار طارق البشري في أكثر من كتاب وأكثر من مقال).. لم نستقل في سياستنا واقتصادنا وتمام اعتزازنا بثقافتنا. ولا يُعد (الاستقلال) هدفًا مؤقتًا لكنه هدفٌ دائمٌ, لتمام تحقيقه أولاً ثم للمحافظة عليه (دائمًا) حتى تظل بلادنا حرة مستقلة مالكة لارادتها وسلاحها وطعامها غير خاضعة لأي ابتزاز أو تهديد.. ويبقى الأهم من أي كلام منمق مكتوب, أن يقدم الحزب ممارسة سياسية جديدة, يتجاوز التنابذ والتطاحن والتنافس البغيض.. حيث تشهد ساحة العمل العام في مصر حالة في غاية السوء - فقد يلجأ بعض الإسلاميين (بقصد أو دونه) إلى تكفير مخالفيهم, وقد يلجأ بعض العلمانيين (بتعالٍ أو دونه) إلى تجهيل الإسلاميين, وقد يلجأ آخرون إلى تخوين بعضهم بعضًا, لذلك, نأمل أن يدشن الحزب نموذجًا راقيًا لممارسة بلا تكفير أو تجهيل أو تخوين.. لقد حاز أبو الفتوح في انتخابات الرئاسة ثقة وتأييد حوالي 4 ملايين ناخب (بدون مال سياسي أو تنظيم), فلم يكن له أن يدعهم بلا روابط تجمعهم, ولذلك كان (مشروع مصر القوية) والذي يندرج تحته (الحزب السياسي), (جمعية مصر المحروسة) و(طلاب مصر القوية) ومشروع (ست مصرية) وبصدد التفكير في تأسيس كيان تنموي وتربويٍّ أيضًا, ككيانات مستقلة متمايزة متخصصة تجمعها الفكرة فقط... ومما يبشر بالخير أن من التحق بهذه الأعمال يؤمن بقيم وأهداف وغايات أهمها تعظيم قيمة العمل التطوعي لما فيه من خير للبلاد والعباد, لقد رأوا في (النبيل) نموذجًا إسلاميًا ووطنيًا لا يتلون, وقيم لا تتغير واعتدال مع إنصاف وخلق لا يُفارقه, ومن يتابع مواقفه بعد انتهاء انتخابات الرئاسة وفوز الدكتور مرسي, يجد اتفاقه مع الرئيس مرسي حينا كما يجد الاختلاف معه حينًا آخر, فلم يفعل مثل ما فعل آخرون ممن وضعوا نصب أعينهم تشويه وتسفيه (كل وليس بعض) مواقف وقرارات الرئيس, بل وجدنا رغبة حقيقية وصادقة لدى النبيل لإنجاح الرئيس مرسي حبًا وحرصًا على الوطن, هذا غير مواقفه وحزبه الموضوعية من الجمعية التأسيسية للدستور والمسودة الصادرة منها.. بما يؤسس نموذجًا سياسيًا أخلاقيًا بامتياز لعله يغري آخرين بالاقتداء لتسلم مصر وينهض الوطن.. [email protected]