حالة من الترقب والحذر والقلق يعيشها المواطن المصرى بسبب أزمة الوقود، والتى باتت تهدد أمن واستقرار معظم الأسر المصرية، بعد أن قررت حكومة الدكتور هشام قنديل إلغاء الدعم على الوقود، بهدف القضاء على أزمة عدم توافره، بعد تأكيدات الحكومة أن أزمة الوقود التى عانت منها البلاد على مدار الأشهر الماضية ناتجة عن العجز عن تمويل استيراد المواد البترولية «المدعمة»، نتيجة عجز الموازنة العامة للدولة، الناتج أصلاً عن استمرار الدعم، وهو ما يتطلب إلغاؤه، كما صرح الرئيس محمد مرسى بأن دعم الوقود يصل لنحو 100 مليار جنيه، بالتزامن مع تأكيدات حكومية عن وضع خطط وبرامج محددة لإعادة هيكلة وتنظيم وترشيد دعم الوقود، ليصل إلى مستحقيه، وسيتم هذا من خلال نظام «الكوبونات»، ونظام «الكروت الذكية»، الأمر الذى لاقى احتجاجًا واضحًا من معظم أصحاب سيارات الأجرة وكذلك السيارات الملاكى، حيث يقول "محمد إسماعيل" - سائق تاكسى- أعلنت الحكومة عن توفير احتياطى استراتيجى للوقود، وأن وزارة المالية بصدد تدبير المبالغ اللازمة للاستيراد من الخارج وبخاصة البنزين، إلا أننا اكتشفنا أن الأزمة تتفاقم يومًا بعد آخر، ومعظمنا يرى أن هذه الأزمة هى فى واقعها أزمة مصطنعة.. تمهد لاقتحام قضية الدعم المخصص للوقود سواء لوسائل النقل أو تشغيل الكهرباء.. أو احتياجات المواطن العادى من البنزين والسولار والمازوت. ويقول "مجدى خورشيد"، سائق تاكسى، إن الحكومة لا تملك قاعدة بيانات موضوعية وحقيقية عن المسارات التى تذهب إليها هذه المنتجات ومدى تلبيتها للاحتياجات العامة والخاصة، فهناك محافظات تشكو من قلة الحصص التى تتسلمها.. أو اقتطاعها بحجة توفير الوقود على محطات الخدمة بالطرق السريعة خلال موسم الإجازات، ويعلل كريم عبيد- صاحب سيارة ملاكى - أزمة طوابير البنزين بسبب تسريبه أو بيعه فى السوق السوداء أو تهريبه إلى غزة عبر الأنفاق، ولذلك اتجهت الهيئة العامة للبترول لمشروع صرف البنزين بالكوبون لأصحاب السيارات على غرار أسطوانات البوتاجاز، بهدف وصول الدعم لمستحقيه من ناحية، وتوفير مصادر الطاقة المهدرة والتى تتسبب فى خسارة الوطن لثرواته. فكرة كوبونات البنزين لا تختلف كثيرًا عن فكرة كوبونات أسطوانة البوتاجاز، حيث سيحصل صاحب السيارة على كوبونات بقيمة 2500 جنيه سنويًا لتموين سيارته على أن يشترى بالسعر الحر بعد نفاد الكوبونات، وسيطبق هذا النظام على السيارات المنتجة حتى عام 2000 بصرف النظر عن سعتها اللترية، أما بعد 2000 والتى تتجاوز سعتها اللترية 1600 سى سى فسيحصل أصحابها على البنزين بالسعر الحر. ووفقًا لدراسة الهيئة العامة للبترول، يبلغ حجم الاستهلاك اليومى للمواطن 5 لترات تكفى 40 كيلومترًا بمعدل شهرى 120 لترًا، ومن المقرر إلغاء الدعم بشكل نهائى بحلول 2018 من خلال توزيع كوبونات البنزين والسولار على مدى 5 سنوات، ورفع أسعار بعض المنتجات المدعومة بشكل تدريجى مثل بنزين 95.. كما أن وزارة المالية تدعم المنتجات البترولية بمبلغ 70 مليار جنيه، ونظام الكوبونات يوفر 13 مليار جنيه للبنزين، و4 مليارات جنيه للبوتاجاز. ويرى "ماهر درويش"، صاحب سيارة خاصة، أن ضعف الرقابة على التوزيع ساهم بشكل واضح فى ظهور طوابير السيارات التى تمتد لكيلو مترات.. ويأتى قائدو سيارات السولار من محافظات مختلفة من أجل الحصول على بضع لترات من السولار، وذلك بعد دفع إتاوات لصاحب المحطة أو مديرها، ويؤكد مدحت سرور، سائق ميكروباص، أن هناك بعض المحطات الفاخرة تخدم الأكابر وذوى النفوذ وتتواجد على الطرق السريعة ولا عزاء للفقراء أو المطحونين من السائقين والغلابة ومحدودى الدخل الذين قررت الحكومة معاقبتهم من خلال الكوبونات أو الكروت الذكية التى ستتسبب فى أزمة وكارثة، سيتحمل نتائجها سائقو السيارات الأجرة والميكروباصات والنقل والنصف نقل. ويتابع خالد عبد الوهاب، صاحب محطة للوقود بالعباسية، أن ما يحدث فى ملف الوقود أمر يثير الخوف والذعر بعد تفاقم الأزمة فى هذه الأيام بسبب الزيادة غير المبررة أو المسبوقة فى الاستهلاك. ووفقًا لإحصائيات حديثة، فإن مصر استوردت 5.3 مليون طن بنزين، بقيمة 6 مليارات دولار فى العام الجارى، بينما كانت تستورد فى السابق 2.2 مليون طن، بفارق يقدر ب 4 مليارات دولار، وبنفس المعدل تقريبًا، وبالتالى حدثت زيادة واضحة فى استهلاك مصر من السولار، ليصل الفارق الإجمالى فى الكميات المستوردة من السولار والبنزين ل12 مليار دولار، وهى الزيادة التى يبدو أنها تسربت خارج الحدود، خلال الثلاثة أشهر الأخيرة رغم أن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم، التى يزيد فيها معدل استهلاك الطاقة، بينما يتراجع معدل النمو الاقتصادى والطبيعى. ويرى "لبيب دويدار"، صاحب محطة للوقود بعين شمس، أن الحلول الحالية التى طرحتها الحكومة وأكدت أنها بصدد تطبيقها على أرض الواقع لا تزيد على كونها مسكنات، نظرًا "لأنه قدر استهلاك مصر من الوقود فى الفترة الأخيرة، باستهلاك دولتين، وربما يكون السبب تهريب الوقود «المدعم» لقطاع غزة. ويتابع "محمد عبد الرءوف"، صاحب سيارة نصف نقل، أن هناك محطات للوقود ترفع الأقماع الحديدية إعلانًا عن قدوم شحنة من البنزين فى غياب الرقابة الأمنية، وأزمة الوقود لم تقتصر فقط على البنزين الشعبى 80 الذى يباع بأعلى من السعر المقرر حكوميًا فحسب، بل قام بعض البلطجية ببيع جراكن البنزين بجوار المحطات المختلفة فى وضح النهار، وهناك مواطنون يقومون بشراء جراكن بنزين والاحتفاظ بها بمنزلهم أو بجراج سيارتهم لاستخدامها عند الحاجة.. لذا فلابد من التصدى الأمنى للجراكن ومصادرتها والقبض على المهربين وتجار السوق السوداء ومحاكمتهم. ويحذر "جابر عبد التواب"، سائق ميكروباص، الحكومة من ثورة السائقين بسبب الكوبونات التى أشعلت النار فى قلوب السائقين بعد أن أكدوا لأنفسهم أن التشرد والجوع فى انتظار أسرهم بسبب الكوبونات التى سنت أسلحتها للسائقين فقط. ويتساءل "محمد حمدى"، مهندس بترول، عن الأيادى الخفية التى استطاعت الاستيلاء على أكثر من مليون ونصف مليون لتر، ومن يساند السيارات التى تم ضبطها وهى تلقى السولار فى الصحراء لتستمر الأزمة خانقة، ويطالب بإعادة هيكلة منظومة إنتاج وتوزيع الوقود وإبعاد الفاسدين منها.. وتخصيص عمولات مجزية لأصحاب المستودعات ومحطات الخدمة تشجعهم على التمسك بالسلوك الأخلاقى. فيما أكد "رضوان عبد الفتاح"، عضو الشعبة العامة للمواد البترولية، أن هناك عجزًا كبيرًا فى جميع المنتجات، سواء البنزين أو السولار أو البوتاجاز، كما وصلت نسبة عجز البوتاجاز إلى 30% فى القاهرة، و50% بمحافظات الوجه القبلي والبحرى، فيما تعدت نسبة العجز فى السولار ال40% على مستوى الجمهورية. ويشير الدكتور "جمال زهران"، خبير البترول، إلى أن حل أزمة الوقود يحتاج لإعادة هيكلة وزارة البترول، والتحويل للدعم النقدى، للقضاء على السوق السوداء، وأن 40% من منتجات الوقود يتم تخصيصها للقاهرة وحدها، فيما يحصل الوجه البحري على 25%، والقبلى على 35%. ووفقًا لتصريحات وزير البترول، فإن دعم المنتجات البترولية انخفض فى الموازنة الجديدة إلى 70مليار جنيه، وأن هناك 20% من الدعم يذهب إلى 80% من المصريين.. وأن وزارة التنمية الإدارية أصدرت بطاقات تموين ل 65 مليون مصرى، وأنها ستخصص حصة بنزين مدعم لكل سيارة فى مصر وفق قواعد وشروط، ووزارة البترول ستستخدم قاعدة بيانات بالتعاون مع وزارة الداخلية لمقارنتها ببطاقة الرقم القومى لتحديد المستحقين، وكل سيارة أقل من 1600 سى سى ولديها رخصة أو بطاقة التموين ستحصل على دعم للبنزين بشكل كامل، مع دراسة باقى الحالات التى تزيد بها السعة اللترية للسيارة عن 1600، وأن احتياطى البترول يكفى 17 عامًا، والغاز يكفى لمدة 30 عامًا، وسيتم صرف الكوبونات الخاصة بالبنزين مع المقررات التموينية. وكشف اللواء "أحمد زكى عابدين"، وزير التنمية المحلية، أن أسباب انتشار الأزمة بالمحافظات يرجع لقلة الوارد للمحطات عن الحصص المقررة وتموين السيارات على الطرق السريعة خارج المحافظات، الأمر الذى يؤثر سلبًا على حصص المحافظات المجاورة وتهريب جزء من الحصص الموردة للمحافظات. وسجلت محافظات القليوبية وبورسعيد ودمياط وبنى سويف والسويس فائضًا فى البنزين80، وبالنسبة لبنزين 90 لم تسجل نسب عجز بمحافظات الوادى الجديد وشمال سيناء والإسماعيلية وبورسعيد والغربية، أما بنزين 92 فقد حققت محافظة القاهرة فائضًا فى هذا النوع، كما لم تسجل الإسكندرية والغربية ودمياط وشمال سيناء وبورسعيد والإسماعيلية وأسوان.. ولا يوجد عجز بالسولار بالقاهرةوالقليوبية والدقهلية، بينما تفاقمت الأزمة فى قنا وأسوان والسويس والمنيا. هذا وقد طالب المحافظين بسرعة تطبيق نظام الربط التموينى لأسطوانات الغاز بالكوبونات، وتوفير البنزين والتوسع فى المخابز المليونية، وهناك دراسة حكومية لتخصيص كوبونات مدعمة للبنزين تصرف مع رخصة القيادة بعدد لترات مدعمة، والزيادة عنها تكون خارج الدعم. وأوضح عابدين أن مصر تستورد 50% تقريبًا من احتياجاتها من الوقود من الخارج، والأزمة لم تكن شديدة الوضوح قبل الثورة، حيث كان النظام السابق يعمل على الاستيراد من الخارج مع عدم السداد الفورى، نتيجة لتفاهمات وسياسات غير معلومة، وبعد الثورة أصبحت البلاد التى نستورد منها تصر على تقاضى مستحقاتها بشكل فورى، وقبل دخول سفنها إلى الموانئ المصرية، ذلك فى الوقت الذى نعانى فيه من عدم وجود ميزانية كافية، مما أظهر الأزمة بشكل واضح. ويؤكد المهندس "رفيق عبد الغفار"، بالهيئة العامة للبترول، أن مصر تدفع ملايين الجنيهات فى دعم الوقود والذى لابد أن يصل لمستحقيه، ولكن ما يحدث العكس والموضوع أكبر من كوبون للحصول على البنزين، لأن مصر تواجه الآن مشكلة خطيرة تحتاج إلى دراسة واعية لحلها، والبحث عن أساليب فعالة لترشيد الدعم، وبجانب دراسة نظام الكوبون لابد أن توازيه توعية المواطنين بأنماط استهلاك الوقود، وضرورة الترشيد والاكتفاء بسيارة، واستخدامها فى حدود معقولة، ويجب أيضًا الاهتمام بأسطول النقل العام وتدعيمه لتشجيع المواطن على استخدامه وترك سيارته الخاصة، وهذا معناه ضرب كذا عصفور بحجر واحد: توفير بنزين، وتخفيف الزحام المرورى، وتقليل الدعم الذى تتكبده الدولة والتضخم الناتج عن ذلك. ويقول المهندس "نصر شلش"، مدير عام إحدى شركات البترول، إن الأساس فى توزيع الكوبونات هو دعم محدودى الدخل، وكذلك سيتم تحديد كمية البنزين لكل مواطن من خلال سى سى سيارته، وهذا ليس عدلاً ولن يحل المشكلة لأن هناك أشخاصًا ستقوم بأخذ البنزين المدعم وبيعه، وقبل أن تتحدث الحكومة عن الدعم فعليها أن تمنع موظفى الهيئات والوزارات الحكومية الذين يحصلون على كوبونات بنزين مجانًا "رغم مرتباتهم الضخمة" فمثلاً ضباط الداخلية ومهندسو وزارة البترول وغيرهم يستخدمون سيارات الوزارة مجانًا، ويحصلون على كوبونات بنزين مجانًا لسيارتهم الخاصة، وهذا بالطبع سيولد أحقادًا بين أفراد المجتمع، وتابع شلش: أن مشكلة الوقود ستظل موجودة طالما ديون الشريك الأجنبى مازالت تحاصر مصر، وتصدير الزيت الخام مازال مستمرًا. ونظام الكوبونات ليس جديدًا، وهو مطبق فى أمريكا، وسينفذ عند ترخيص السيارة، حيث يحصل صاحبها على كوبونات حسب السعة اللترية لسيارته.. ويؤيد الدكتور حمدى عبد العظيم، الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، فكرة كوبونات البنزين بشرط أن يكون المعيار فى التطبيق السعة اللترية للسيارة وليس سنة الصنع؛ لأن الأخيرة ليست دليلاً على الثراء فسيارة موديل 2010 سعتها 1400 سى سى لا توازى سيارة موديلها أقدم سعتها فوق 1600 سى سى، إذ أن السعة اللترية للسيارة هى معيار لمستوى دخل الفرد، ويحصل صاحب السيارة على الكوبون عند الترخيص أو التجديد، وتتدرج حسب السعة اللترية بنظام شرائح متفاوتة أو متدرجة. وطالب عبد العظيم بضرورة تأمين الكوبونات بعلامة مائية؛ حتى لا تزور أو يتم تقليدها، ويحظر بيع الكوبون حتى لا تجد السوق السوداء، وفرض رقابة على محطات الوقود؛ لأنها سوف تتعسف مع أصحاب الكوبونات وضمان توفير البنزين المدعوم.