يظهر بالتحليل البسيط، كما بيّنا في الحلقة السابقة أنّ المسلمين ليسوا على وجه القطع بالمستفيدين من أحداث 11 سبتمبر، بعدما ظهرت نتائجه في التغلغل الصهيوني والأمريكي في أراضيهم ماديا ومعنويا، إلا ما كان من قليل المصلحة التي لا تخلو منها مفسدة على الأرض. أمريكا والكيان الصهيوني: فالناظر إلى الواقع الأمريكي قبيل إدارته الجديدة يجد أن الأمريكيين قد كانوا على طريق الخسارة إقتصاديا وسياسيا، فإنه كما سبق وبيّنا في مقال سابق قد توجهت العديد من الدول إلى النظر في استخدام اليورو بدلا من الدولار، وهو ما بدأته العراق بالفعل، وظهرت بوادره في الصين وكوريا وغيرهما، ثم حالة الركود والفساد الإقتصادى والسياسي الذي عانت منه أمريكا والذي جعل إختيار رئيس جديد بدلا من الديموقراطي خيار رابح عام 2000. ثم أن الكيان الصهيوني كان في طريقه لتنفيذ مخطط جديد يتسارع به إلى تأمين حدوده، والقضاء على المقاومة وتوسيع دائرة نفوذه في الشرق إلى حدود الفرات، وهو تماما ما أظهرته الأحداث بعيد سبتمبر بدءاً بإغتيال عرفات – الشريك القديم لأمريكا – إلى شراء الأراضى وإقامة المكاتب في أرض الرافدين. والدوافع المباشرة التي يمكن تتبعها لدى الإدارة الأمريكية تتلخص في الأتي (مرتبة حسب أهميتها بالنسبة للإدارة): دوافع شخصية: وهي الأكبر في هذا السيناريو، وتتمثل في النهم المادي للرئيس الجديد بوش الأصغر في تنمية ثروة عائلته من خلال مكاسب البترول(1) وذلك بالسيطرة على منابعه الأكبر في العالم، خاصة وأنه وعائلته، ونائبه تشيني من أكبر مستثمرى البترول في أمريكا. فإن الخاسر الأول من هذه الزيادة الهائلة في أسعار البترول والتي وصلت إلى 100% في الشهور السابقة، هم الشعوب المستهلكة وعلى رأسها الشعب الأمريكي الذي لا يعبأ به رئيسه على الإطلاق، بينما المستفيد الأول هو من يملكون أسهما في صناعة البترول وعلى رأسهم محور بوش/تشيني المغتصب. ذلك غير ما كان من تأمين العقود اليت تصل إلى البلايين من الدولارات في العراق وفي أمريكا إلى مجموعة الشركات التي يسيطر عليها محور بوش/تشيني مثل هاليبرتون لضمان عملات خيالية. وقد كان المحللون من ذوى الإطلاع المحدود، الذين لا ينظرون إلى الصورة في كليتها، يتوقعون أن الأمر ببساطة هو إرادة الإدارة الأمريكية أن تحمي منابع البترول في الشرق الأوسط حتى يمكن ضمان تدفقه إلى بلادهم دون إنقطاع، وبالتالي كان من المتوقع أن تنخفض أسعاره نظرا لهذا الضمان والسيطرة، ولكن، وياللعجب، زادت أسعار البترول في العالم كله، على المستهلك، بنسبة الضعف! وهو ما يهدم هذا النظر القاصر في الدوافع من وراء هذا الإحتلال الذي أعقب أحداث سبتمبر والذي إتخذها ذريعة للعدوان، رغم أن "الإرهاب" وراء احداث سبتمبر 11 كان من المفترض أن مركزه في أفغانستان لا العراق!!.، فيالَلإجرام والتعدى! هي إذن الأرباح الخيالية من وراء رفع أسعار البترول لا حرب الإرهاب ولا يحزنون! دوافع دينية: وقد استخدم بوش/تشيني الأمريكيين المتطرفين من الأنجليكان، الذين يؤمنون أن المسلمين هم الشيطان عدو المسيح، وأن تمكين دولة إسرائيل في الشرق هو تحقيق لنبوءة إلههم يسوع! ومن ثم يدفعون بكافه قواهم الإقتصادية والسياسية خلف الإدارة الجديدة التي اتخذت منهم محركا لحملتهم الإنتخابية. دوافع سياسية: وعلى رأسها تكريس القوى السياسية خلف محور بوش/تشيني لضمان تحقيق الهدفين الأول والثاني. كذلك يأتي هنا موضوع ضمان أمن إسرائيل وتوسعها على حساب "الشيطان الإسلامي!" الذي يجب الخلاص منه. وللحديث بقية إن شاء الله (1) يمكن الرجوع إلى تفصيلات هذا الأمر في العديد من الكتب الذي نشرت في أمريكا وعلى راسها الفيلم التسجيلي رائعة مايكل مورز "Fahrenheit /11"، وكذلك كتابه "Stupid White Men" والذي لخصناه من قبل على صفحات مجلة المنار الجديد.