يبدو أن السيد وزير الثقافة المصرى فى وادٍ، والحكومة التى ينتمى إليها فى وادٍ آخر، فمع أنه أزهرى قح، وأن الإسلام دين ودولة، وأن مصر دولة إسلامية تسمى فى الأدبيات التاريخية والمعاصرة: دار الإسلام وعقل الإسلام وحاضرة الإسلام، إلا إذا كان سيادته له منظور آخر مختلف، هذا المنظور ينتمى إلى فكر الحظيرة الثقافية التى أنشأها وزيره السابق فاروق حسنى، وأدخل فيها زمرة الشيوعيين وأشباههم لتكون حكرًا عليهم يغترفون من أموال الشعب المصرى المسلم، ويفيدون منه فى هجاء الإسلام والمسلمين والزراية بهم وبشريعتهم، وتجنيد إمكانات الوزارة وأموالها التى هى أموال المسلمين لشيطنة كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، ووصمه بالرجعية والظلامية والتخلف، دون مبالاة بمشاعر الأغلبية الساحقة والأقلية التى تشاطر الأغلبية ثقافتها وحضارتها. مولانا الوزير الأزهرى القح، يخالف سلوك الدولة وفكرها بالفعل والقول دون أن يبالى، وقد تجاوز كل الأعراف حين استقال من وزارة الجنزورى التى كانت ستستقيل بعد أيام قليلة ليحصل على جائزة الدولة التقديرية، وقدرها مائتا ألف جنيه وقلادة ذهبية، بل إنه أسهم فى حصول كاتب مسلسلات وأفلام شيوعى أو ناصرى – الأمر سيان – على جائزة مبارك التى سميت بجائزة النيل، وحصل على قرابة نصف مليون جنيه وقلادة ذهبية.. لقد هاجم المذكور فى مسلسل أمنى شهير؛ جماعة الإخوان المسلمين، والإمام الشهيد حسن البنا، ووصمه بالعمالة للإنجليز، وشوه الإسلام فى مسلسلاته وأفلامه، ومع ذلك يجعله مولانا الوزير يفوز فى ظل حكم من هاجمهم وأزرى بهم وشوه دينهم ورموزهم، وبعد حصوله على الجائزة خرج ليقول: "أنا مش متفائل خير"!. مولانا الذى فى الحظيرة بعد عودته إلى منصبه فى الوزارة الحالية مصرّ أن يبدو نشازًا فى هذه الوزارة، وأنه معارض لحكم الأغلبية، وإذا كان هذا الأمر مقبولاً بصورة أو أخرى، فإن من غير المقبول أن يصرح الوزير لبعض الصحف والمواقع، حين سئل عن الرسالة التى يريد توجيهها إلى المهتمين بالعمل الثقافى والشباب والباحثين، بالقول: إن مصر لن تصبح ولاية إسلامية كأفغانستان مثلما يروج البعض, فقد انتهى حكم الفرد الواحد والجماعة الواحدة, والشعب بدأ البحث والقراءة وهذا شىء إيجابى وصحى, وعلينا بالثقافة فهى القوة الناعمة للتغيير. الرجل الأزهرى يعلم جيدًا أن مصر دار الإسلام وعقله وحاضرته، ثم إن تشبيهها بأفغانستان فيه خلل تاريخى، وهو المتخصص فى التاريخ، فأفغانستان دولة إسلامية شاء الشيوعيون والليبراليون أو أبوا، أفغانستان الجبال الشم الراسخة، التى قهرت الغزاة الروس الشيوعيين، والغزاة الصليبيين الأمريكيين، ومن قبل هؤلاء الغزاة جميعًا الغزاة الإنجليز.. أفغانستان ليست مجرد جماعة طالبان التى قهرت الأمريكان الغزاة، ومولانا الذى فى الحظيرة يعرف أن أفغانستان تاريخ من المقاومة لأعداء الإسلام على مدى تاريخها الحديث والقديم. كنت أتمنى من مولانا المتخصص فى التاريخ الحديث ألا يذكر أفغانستان فى مناسبة الولاية الإسلامية، ولكن يذكرها فى مجال المقاومة الشجاعة والباسلة للتوحش الاستعمارى المجرم الذى لا يعرف غير شريعة الغاب والدم والنهب، وقد كان ينبغى على مولانا الذى فى الحظيرة أن يشيد بطالبان والشعب الأفغانى فى تصديهم للقوة الوحشية الأولى فى العالم التى تذبح الشعب الأفغانى البرىء دون ذنب أو جريرة أو تحقيق، وتشهر به وبإسلامه دون سبب. الوزير المحترم غاضب ممن ينتقدونه، ولكنه لا يجد غضاضة فى مهاجمة الأفغان والإخوان والحركة الإسلامية، ويزعم أننا نعيش فى زمن الكلام وكل ثلاثة أو أربعة يكونون ائتلافًا أو حركة، وبعضهم يحب الجدل وإشاعة البلبلة ويبتغى مصالح شخصية ويدعى الثقافة ويهاجم لحبه للظهور, وفى المقابل يوجد من هو محق, فكل له غرض ونحن لو التفتنا لكل هذا لن نعمل أو ننتج وستسرى ثقافة البلطجة والتهرب من العمل. وأفترض أن كلام الوزير صحيح، مع أن صاحب هذا القلم لم يقف على بابه ولا باب من سبقوه؛ وأسأله: ما هو العمل الذى تعمله والإنتاج الذى تنتجه؟. هل هذا العمل أو الإنتاج يتجلى فى مجلة الثقافة الجديدة التى يحررها شيوعيون، ويتصدر أحدث أغلفتها صورة جنرال عليه نياشين وله لحية كثة، وبجواره عبارة: الانتصار على طالبان انتصار للإسلام؟. هل هذا العمل والإنتاج يتجلى فى موافقة رئيس قطاع الإنتاج الثقافى الدكتور خالد عبد الجليل على إقامة صالون أسبوعى للدكتور مصطفى النجار النائب البرلمانى السابق عن مدينة نصر؛ ليخاطب من خلاله أبناء دائرته، ويهاجم فيه رئيس الجمهورية وسياسة حكمه، مخالفًا بذلك قرار وزارة الثقافة منع استخدام القاعات ودور عرض المسرح التابعة لمؤسسات الوزارة فى الأنشطة السياسية ومؤتمرات الدعاية الانتخابية واللقاءات الجماهيرية سواء بالتأجير أو الاستضافة المجانية!. هل هذا العمل والإنتاج يتجلى فى إلغاء الدكتور خالد عبد الجليل الندوة التى دعا إليها الرئيس السابق للمركز القومى للمسرح الأستاذ "سيد محمد على" عن مسرح الإخوان المسلمين، بعد أن وجه الدعوات لعدد من الأساتذة الأكاديميين المتخصصين فى المسرح وعدد من المهتمين بالشأن المسرحى؟. هل هذا العمل والإنتاج يتجلى فى الإصرار على أن تكون وزارة الثقافة فى عهد انتهاء حكم الفرد والجماعة الواحدة ملكًا للوزير الفرد وجماعة الشيوعيين وأشباههم، ينشرون كتبهم ويتصدرون المشهد الثقافى ويحظون بالمؤتمرات والسفريات واللجان والتفرغ وحضور المناسبات الثقافية والمحاضرات الأدبية ورئاسة المجلات الشهرية والفصلية وغيرها؟. إن مولانا الذى فى الحظيرة ما زال يعيش فى عهد حسنى مبارك الديكتاتور المخلوع، فقد عاش فيه طوال خمسة عشر عامًا مسئولاً عن دار الكتب والوثائق، ومن الطبيعى أن ينسى أنه يعيش فى زمن جديد سقط فيه حكم الفرد والجماعة الواحدة كما يقول، وليته يجد فى نفسه الشجاعة ليعلن عن رحيله من هذه الوزارة، وليته يكون أكثر شجاعة ليقول للمختصين: إن إلغاء وزارة الثقافة صار ضرورة ملحة لتوفير ملياراتها الأربعة من أجل البحث العلمى، فالإلغاء لن يغير واقع الثقافة ولن يؤثر عليه.