عقب مخاض عسير وإعاقات متعددة ومتنوعة خرجت القراءة الأولية ( مسودة) لمشروع الدستور الجديد الذي ترقبت البلاد والعباد صدوره. ووسط ترقب حذر أعلنت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور إنجاز هذه المسودة و طرحها للرأي العام المصري وإرسالها لأهل التخصص من أساتذة القانون وفقهاء الدستور ورجال القضاء والجامعات وسائر المعنيين بهذا الأمر ومن ثمَّ فقد بدأنا المرحلة الثانية من وضع دستور مصر الحديثة, وهي مرحلة الحوار المجتمعي حول "القراءة الأولية لمشروع الدستور الجديد" لإبداء الرأي والنصح والمشورة بالإضافة أو الحذف أو التعديل أو التصويب بغية إنجاز قراءة ثانية أكثر نضجًا وأعمق تعبيرًا عن الشعب المصري وأوضح دلالة عن أهداف الثورة وتطلعات المصريين في بناء دولتهم الحديثة. وأترقب أن تنطلق موجات شعبية للحوار الموضوعي حتى نحصل في نهاية المرحلة على ما نصبو إليه جميعًا من توافق مكونات الشعب المصري على مشروع الدستور الجديد، نأمل أن يُسهم الجميع – أحزاب و قوى سياسية وتيارات فكرية ومراجع دينية ومراكز تأثيرية مجتمعية، وجامعات ونقابات مهنية وعمالية واتحادات طلابية وكافة أطياف المجتمع المصري – في إنجاز وتحقيق هذا التوافق المجتمعي على مشروع الدستور، ولا يقتصر الحوار المجتمعي على حوارات ومساجلات النخبة السياسية عبر الفضائيات وصفحات وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والإلكترونية، بل يتسع ليشمل قطاعات واسعة من الشعب، كما كان في مرحلة الاستماع من خلال لجنة المقترحات. لقد فات وقت الجدل الذي استنفد طاقات الكثيرين حول تكوين الجمعية التأسيسية وأصبحنا أمام منتجع حقيقي يشمل خلاصة فكر وعصارة علم المجموعات والأفراد الذين شاركوا في إعداد القراءة الأولية لمشروع الدستور، والضمير الوطني يوجب علينا جميعًا – حتى من كان معترضًا على تشكيل الجمعية أو حتى وجودها – أن ينخرط في الحوار المجتمعي لإنضاج هذه القراءة الأولية وتعديلها لتكون أكثر تمثيلاً وأوضح تعبيرًا في قطاعات الشعب وأهداف ثورته، وهذا يلقي واجبًا وطنيًا على كافة التيارات السياسية ومكونات المجتمع المصري أن تترفع جميعًا عن مصالحها الفئوية ومطالباتها وأن تُغلب الصالح العام وتعمل من أجل أن يكون الدستور الجديد لكل المصريين. لقد اطمأننت كثيرًا لما ورد على لسان المستشار الجليل / حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية أن إقرار مواد المشروع ستكون بالتوافق قبل اللجوء للتصويت وأن الجميع يعمل لذلك، ومن أجل تقليل نقاط الخلاف المثارة حول بعض المواد و من ثمَّ يخرج مشروع الدستور الجديد ليعبر عن توافق القوى الوطنية، وكان واضحًا و حاسمًا ما أعلنه السيد رئيس الجمهورية أنه لن يعرض مشروع الدستور الجديد للاستفتاء الشعبي إلا إذا كان يعبر عن التوافق الحقيقي بين كافة أطياف الشعب المصري و دعا الجمعية للمشاركة في الحوار المجتمعي حول مواد المشروع وأن يسهم أصحاب الرأي والفكر ورجال القانون وكافة مكونات الشعب في إنضاج القراءة الأولية لمشروع الدستور. وتقديري أن حكم الشعب المصري سيكون قاسيًا في حق الجهات والتيارات السياسية التي تغرد اليوم بعيدًا عن مركز صالح مصر وبؤرة حقوقه وفي مقدمتها حق الشعب أن يكون له دستور يليق بتاريخه وتضحيات أبنائه. البعض يهوى السير عكس الاتجاه على قاعدة (خالف تُعرف) ويستهدف إيقاف مسيرة الشعب المصري الذي عبرت أغلبيته عن موافقتها على خارطة الطريق وصارت فيه خطوة خطوة وها هي تقترب من المربع الأخير بعد مخاضات عسرة دفع الشعب ثمنها من أمنه واقتصاده بل وحياة أبنائه الشهداء والمصابين والمضارين وهم كافة الشعب المصري. وأيًا ما كان حكم القضاء الإدارى فإننا - كشعب ومهتمين بالشأن العام والهم المصرى - قد وضعنا أنفسنا على بداية الطريق نحو تأسيس دولة الدستور والقانون، ولن يضيع هذا الجهد الذى بذله أعضاء اللجنة ومعاونوهم وعشرات الآلاف الذين تجاوبوا معها، كل الأمل أن تتجه إرادة المصريين جميعًا إلى التعاون والحوار من أجل إنجاز هذه المرحلة الأخطر في تاريخ مصر. وفي سطور قادمة - بإذن الله تعالى - أتناول بالتعليق المواد التى وردت فى القراءة الأولية لمشروع الدستور الجديد عبر أبوابه الخمس ومواده ال 231 نتوقف قليلاً لنعيش أجواء فريضة الحج و مشاعر عيد الأضحى المبارك، كل عام وأنتم جميعًا بخير وعافية. النائب السابق / أسامة جادو المحامى بالنقض والدستورية العليا