صباح اليوم الأحد 25 /9 /2005 ، ستختار الجماعة الصحفية المصرية ، نقيبا جديدا لها ، و كنت لا أريد أن أشغل القارئ بقضية يُعتقد خطأ أنها تخص "النخبة" و مصالحها و مشاكلها مع النظام غير أني لم استطع أن أمنع نفسى عن الكتابة في هذا الموضوع ، لأسباب كثيرة منها : أنني صحفي محترف عضو الجمعية العمومية بنقابة الصحافيين ، و أمر الانتخابات بطبيعة الحال يعنيني بالدرجة الأولى ، فضلا عن أن أزمات نقابة الصحافيين ليست أزمات فئوية تخص أعضاء النقابة و حسب ، و إنما هي أزمات متماسة و متداخلة مع أزمة المحتمع المصري كله و علاقته بالنظام و السلطة . فنقابة الصحافيين نقابة رأي ، أعضاؤها من حملة الأقلام ، و من التعبيرات المشهورة و المتداولة بين الصحافيين أنهم يعملون في "مهنة خطرة" تحتك يوميا و تتصادم مع النظام السياسي المصري ، ليس لأسباب فئوية و إنما دفاعا عن المصلحة العامة للبلد ، فكم تعرض الصحافييون للأذي من قبل السلطة و الذي بلغ مبلغ الضرب في الشارع (أيمن نور و جمال بدوي و مجدي حسين ) و اختطافه و ضربه و تعريته و تركه في الصحراء لقتله (عبد الحليم قنديل) أو الاختطاف والاختفاء (رضا هلال ) . لم يدخل صحفي السجن مثلا في قضية تتعلق بسوء سلوكه الشخصي ، و إنما بسبب تصديه للفساد ، و لم تغلق صحيفة بسبب إفلاسها مثلا ، و إنما بسبب دخولها في معارك صحفية طاحنة مع مافيات الفساد و من يساندهم من رجال النفوذ و السلطة داخل النظام ذاته ، و لذا فإن معارك الصحافيين و همومهم و طموحاتهم و أحلامهم حتى و إن كانت فئوية ، فهي جزء لا يتجزأ من معارك الرأي العام و همومه و طموحه و أحلامه ، فما يجري في نقابة الصحافيين ينبغي أن يكون محل اهتمام و مراقبة و متابعة من المجتمع كله ، لأنه يرتبط مباشرة بمصالحه ، فلا شك أبدا في أن الصحافيين هم الذين قادوا قاطرة التغيير التي تشهد مصر مخاضه هذه الأيام ، إذ اشتبكوا مباشرة مع السلطة و فسادها و فساد رجالها ، و كسرت هذه القداسة التي كانت تحمي أعلى سلطة في البلد من النقد ، و تخطت كل الخطوط الحمراء التي كان يضعها النظام حماية لنفسه و لرجاله . الصحاقة المصرية هي التي كشفت فساد وزارة الزراعة في عهد وزيرها الأسطوري يوسف والي ، و تصدت لعصابات المبيدات المسرطنة المحمية من رجال أقوى من القانون و فوقه داخل السلطة و خارجها ، و سدد الصحافيون فاتورة هذه المعارك من حريتهم و رزقهم و أمنهم و مستقبلهم المهني . الصحافة المصرية هي أول من أسست وعيا سياسيا رافضا للتوريث و حالت دون تمريره حتى الآن ، و نجحت بامتياز في استغلال الظروف الدولية و الإقليمية و المحلية الراهنة و استثمارها في الضغط على الرئيس مبارك لحمله على تعديل المادة 76 من الدستور ، و تعقبت ترزية القوانين الذين فصّلوا المادة المعدلة و اكسسواراتها على مقاس مرشح الحزب الوطني و فضحتهم ، و احرجتهم أمام العالم ، ما جعل النظام في وضع لا خيار أمامه فيه إلا أن يعد بإصلاح ما أفسده . الصخافة المصرية هي التي جعلت الرئيس ينزل من عليائه و برجعاجيته ، ليتجول في مدن مصر و محافظاتها يعرض نفسه و برنامجه على الناس ، بعد أن تبدل الحال بعض الشئ و شعرت الجماهير أنها لم تعد "رعية" في "تكية" أي مسئول في البلد مهما علا شأنه و منزلته السياسية . الصحافة المصرية تستحق من الشعب المصري أن يهتم بشأنها و لا ينظر إليها باعتبارها مهنة تخص العاملين بها وحدهم ، بل ينبغي أن يغضب إذا ما أراد النظام بها شرا ، فهي ملاذه من ظلم السلطة و جبروتها . أتمنى أن يتطور الوعي الجمعي المصري بأهمية الصحافة باعبتارها "أداته" في رد العدوان عليه و التعدي على حقوقه ، و يأتي اليوم الذي تخرج فيه المظاهرات السلمية احتجاجا على اغلاق صحيفة أو حبس صحفي . و لنتذكر دائما كيف أغلق النظام صحيفة الشعب عقابا لها على قيامها بدورها الوطني في حماية الشعب المصري من مبيدات يوسف والي المسرطنة ، و تسترا على جريمة تسليم أجساد المصريين للمبيدات الإسرائلية تفعل بها في عهد "السلام الساداتي" ما فشلت في انجازه سنوات الحرب معها . [email protected]