في إطار الظروف التاريخية العصيبة التي يمر بها واقعنا العربي المأزوم، ذلك العالم الذي بات ولا يظل يعاني من مشكلات أساسية تعترض حياته وتعيق تقدمه إلى المعيشة الملائمة، والمكانة الدولية المناسبة، التي بات ينشدها إبان كل حكم جديد. وأول هذه الطموحات تحرره من براثن التبعية لدول الغرب، تلك الدول التي جعلت من نفسها مركزًا تدور فى فلكها كافة الدول العربية، حسب توجهاتها وطموحاتها السياسية والاقتصادية في المنطقة. هذه التبعية التى كرست فكرة انفصال إرادة الشعوب عن إرادة أنظمتها الحاكمة، فكان الغرب دائمًا هو المهيمن على مقدرات الأمور في المنطقة العربية؛ لدرجة أن معظم الأنظمة السياسية التي سبقت موجات الربيع العربي كانت قد وصمت بعمالتها وولائها لدول الغرب، وفرضت على شعوبها عزلة سياسية عن بعضها واختلقت الأزمات بين الشعوب؛ مما أدى إلي مفصلة القوى السياسية، وتسييس قوى الشعب المعارضة؛ بما يخدم الأنظمة الحاكمة من جانب، وعلى الجانب الآخر يؤبد فكرة العزلة السياسية بين الشعوب العربية، ويكرس التبعية المطلقة للدول العظمى. ولما كان للأنظمة العربية الحاكمة إرادة مغايرة ومتعارضة مع إرادة الشعوب.. فقد ساهمت هذه الأنظمة الفاسدة في وقوع الشعوب العربية فريسة لاحتراق هويتها ذات الطابع الإسلامي والعربي الأصيل، بداية من اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التى ألبست الشعوب العربية أثياب فرنسية وأخرى إنجليزية وثالثة إيطالية، وصولاً إلى المد الشيعي الصفوي الذي ينخر كالسوس في عظام الأمة. واستمر الوضع المأزوم لسنوات من الكفاح تحملها الشعب العربي وحده في سبيل تحرير أراضية وتأمين مطعمه، ورغم تحقيق الاستقلال في الأرض، بيد أن مازال مستوطنًا في العقل العربي البسيط. وإذا كانت دول الغرب قد حرصت منذ بواكير الاستعمار على جعل المنطقة العربية سوقًا فسيحًا لبيع منتجاتها، فما زال الوضع قائماً بعد الاستقلال، وحرصت هذه الدول على بث روح الفرقة بين الشعوب العربية كافة بل وعملت على وأد أي فكرة للإصلاح وتوحيد للصف، وحاربت أي نية للتكامل الاقتصادي أو العسكري. ولعل فشل المشروع الناصري عام 1961م في تأسيس الجمهورية القومية خير شاهد على نية الغرب المستعمر في فض الشمل العربي. والآن وقد أثبتت الشعوب العربية بأنها تملك الإرادة الحقيقية وأنها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مصير أمتها واختيار من يقودها إلى المستقبل الذي تنشده. فقد تبلورت فكرتنا لتوحيد الصف العربي من خلال دعوة الشعوب العربية قاطبة لتكوين اتحاد فيدرالي عربي يجمع شتات أمتنا ويحفظ لها كرامتها ويحقق لها كفايتها في علاقات تقوم على التكامل والهدف الواحد مع الحفاظ على هوية كل دولة ومكتسباتها الثقافية. ومن ثم فإننا نميل إلى محاكاة نموذج الاتحاد الأوربي الذي استطاع أن يوحد بين الدول الأوربية ذات المصالح والثقافات والأوضاع الاقتصادية والسياسية المتباينة، وجاءت هذه الفكرة إيمانًا منا كنخبة من مثقفي الأمة بأن إصلاح أمتنا العربية لن يأتي إلا من داخلها، فقد أثبتت الأيام أن تبعية الأنظمة الحاكمة العربية لدول الغرب والاحتماء بها لن يحميها من غضب شعوبها، بل كانت هذه التبعية مصدر ضعفها وتفككها وضياع هويتها. ولا سبيل أمامنا الآن إلا بالتحالف اقتصاديًا وعسكريًا وإذابة كافة الخلافات العربية وإجراء مصالحات عربية واسعة لا مكان فيها للتدخلات الأجنبية؛ حتى تتمكن هذه الدول البيضاء من تشكيل الاتحاد الفيدرالي العربي المنشود، الذي ربما تنبثق منه حكومة فيدرالية عربية قادرة على تأسيس جيش اتحادي عربي وسوق عربية مشتركة، والأمر مطروح للزعماء العرب.. فهل يملك مرسي جرأة المبادرة..؟ [email protected]