المعارضة بطريقة "المكايدة" لا تشرف الثورة ولا تشرف أي تيار سياسي جاد، لا يمكن أن يدار الحراك السياسي بمثل هذه الطريقة التي تتسم بالنزق والطفولية وضيق الأفق، وإذا كانت قطاعات من المعارضة ترى القشة في عين الرئيس مرسي أو حزب الحرية والعدالة فإن العدالة والأمانة تقتضي أن ترى "الخشبة" في عينها هي، هناك أخطاء في الممارسة لا شك من كل الأطراف، لكن لا أحد يريد أن يعترف بأنه أخطأ، الكل يتخذ دور الشهيد أو الضحية أو النبي المعصوم، وعلى المعارضة المصرية الشريفة أن ترى مواقع أقدامها الآن، وأن تحلل بأمانة صورتها وهي تتخندق الآن مع معسكر أحمد شفيق وتوفيق عكاشة وعبد المجيد محمود وأحمد الزند، هناك خطأ مؤكد حدث، وإذا كانت تجربة الانتخابات الرئاسية قد كشفت عن أنه بالإمكان أن تحقق قوى المعارضة اختراقات قوية وحضورًا كبيرًا على الصعيد الديمقراطي، بدليل حصول المرشحين الذين خرجوا من الجولة الأولى على أكثر من ثلاثة عشر مليون صوت انتخابي، فإننا بهذه الطريقة التي تدار بها الأمور الآن وضعف الإحساس بالمسؤولية سنخسر كل ما أسسنا له في تلك الممارسات، فالذين اصطفوا الآن خلف النائب العام خانوا كل مواقفهم السابقة وخانوا كل من وقف معهم وصدق كلامهم، كما أن الدعوات للتظاهر على طريقة الانتقام أو الثأر من قوى أخرى هي رعونة لا شك فيها، وأن يضطر الداعون لمظاهرة يوم الجمعة المقبل إلى أن يضموا لأسباب تظاهرهم الاحتجاج على غلق المقاهي والمحلات في العاشرة مساءً، فهذا يكشف بوضوح عن قلقهم من ضعف الحضور في المظاهرة، وأنهم عاجزون عن تحقيق حشد لائق في الميدان، فراحوا يستغيثون بأي قضية فئوية حتى لو كان الأمر بهذه الطريقة المثيرة للشفقة، مليونية المقاهي والبقالات، لكن على كل حال من حقهم التظاهر، ومن حقهم الاحتشاد، ومن حقهم الغضب والاحتجاج. والحقيقة أني أتمنى أن يكون هناك عقلاء بين مختلف التيارات السياسية التي شاركت في ثورة يناير، من في الحكم ومن في المعارضة، من أجل عودة الحوار الوطني الجاد، حتى لو استمر الخلاف بعده، إلا أن الحوار مطلب مهم لتقريب وجهات النظر قطع الطريق على الوساوس والدس بين القوى الوطنية، كما أنه سبيل لتفريغ احتقانات النفوس والاستماع إلى وجهات النظر وجهًا لوجه، وإبداء الجميع الاحترام للآراء المخالفة، وربما الوصول إلى صيغ توافقية في كثير من التحديات، صحيح أن المبادرات الأسبق ينبغي أن تصدر من قبل الرئاسة الآن، ولكن المبادرات الشعبية ما زالت هي الأهم والأكثر تجردًا إن تحققت، ولا يستبعد منها أحد، الجميع يشارك، والجميع يحاور، كما كنا في بوتقة الثورة، مسألة الاصطفاف والتخندق والتراشق عبر الميكروفونات والميادين وشاشات الفضائيات تضر بالجميع، ولا تخدم مسار الثورة نفسه، وأخشى أن يكون البعض قد توصل الآن إلى "خيار شمشون"، عليّ وعلى أعدائي، حتى لو كان في سلوكه وعصبيته يندفع في هدم الوطن والثورة معًا. [email protected]