في مواجهات ثلاثة للرئيس مع القضاء, تحقق فيها للقضاء ما أراد, فلم يرغب الرئيس في أن يُقسم قسم رئيس الجمهورية أمام المحكمة الدستورية كي لا يقر بالإعلان الدستوري المكمل الذي قرره العسكر, ومع أن الرئيس أقسم في التحرير وغيره, لكنه أقسم أمام المحكمة الدستورية وصار بذلك (قانونيًا) رئيسًا للجمهورية.. وعندما قرر الرئيس عودة مجلس الشعب قرر القضاء عدم دستورية القرار, فكان للقضاء ما أراد.. وعندما قرر الرئيس تغيير النائب العام ( بالإقالة أو التعيين في منصب آخر) لم يستطع تمرير قراره, ودخل النائب العام مكتبه في حراسة كبار لواءات الداخلية (بالمناسبة... من وراء قرار تكليف كبار قيادات الداخلية بتأمين دخول النائب العام مكتبه؟), وهل هذا يعني انحياز الداخلية (كمؤسسة ) للشرعية بأكثر من انحيازها للرئيس؟ في هذه القرارات الثلاث لم يستطع مستشارو الرئيس تقديم النصح السديد له, فالرئيس وأيضًا جماعة الإخوان تكسب كل يوم خصمًا جديدًا, لماذا؟ كان (مبارك) الدكتاتور والمستبد ( قل فيه ما شئت) والذي كان بيده كل الصلاحيات, لا يُقدم على أمر قبل أن يُحصنه بقانون, فعل ذلك حين قام بالتعديلات الدستورية وإصدار حزمة من القوانين.. ويمكنك أن تقول ما شئت في نقد كيفية تحصين مبارك لقراراته بالدستور والقوانين (من خلال برلمان مزور وترزية قوانين وغير ذلك) لكنه (نظريًا على الأقل) بدا أن يحترم ( إلى حد ما ) القانون والقضاء.. أما المجلس العسكري (وقل فيه ما شئت أيضًا) سعى منذ البداية أن يُصدر إعلانًا دستوريًا ( أولاً ومكملاً) كى يحكم من خلالهما, ولم يستطع (وهم عسكر) أن يحكموا بلا قوانين أو دستور.. وأمريكا (أكبر قوة في العالم) تجتهد في استصدار قرارات قانونية من (مجلس الأمن) تُجيز لها استعمال القوة في العراق أو أفغانستان أو غيرهما ( بالترغيب أو الترهيب – بالصواب أو بالخطأ) لكنه بالقانون (نظريًا على الأقل). لا يستطيع أحد أن يتدخل عسكريًا في سوريا لإنقاذ الشعب السوري (كما حدث في ليبيا) لأن مجلس الأمن (بسبب الفيتو الصيني والروسي) لم يستطع إصدار قرار قانوني يُجيز ذك. حينما طالب مخلصون (الإخوان) بأن ينضووا تحت قانون الجمعيات الأهلية الحالي, ومن ثم يكون الوضع (قانونيًا) ثم السعي لتغيير القانون ليكون أكثر ملائمة لأنشطة الجماعة التي لا يستوعبها القانون الحالي, لكنهم لم يفعلوا وغضبوا من الاقتراح وأصحابه, وقلنا فلتكونوا (نظريًا على الأقل) تعملون وفق قانون, لكنهم لم يقبلوا!! الشاهد: أن أكثر الناس استبداد (كمبارك), وأكثر القوى تسلطًا في العالم (كالأمريكان), وأكثر المؤسسات عسكرة (كالمجلس االعسكري السابق) كانوا (نظريًا على الأقل) يسعون لتحصين قراراتهم بقوانين.. الغريب, أن الأقدار ساقت للرئيس مرسي أن يجمع بين السلطتين التنفيذية التشريعية, وكما كان للعسكر من قبل (الحكم والتشريع) صار الأمر نفسه للرئيس, وكان من المتصور أن يصدر تشريعات (سريعة وفورية) تفسح له الطريق لتطهير ما شاء من مؤسسات, ولتحقيق كثير من أهداف الثورة دون اللجوء إلى قرارات استثنائية (كما تفضل وقال), لأنه سيصدر قرارات سبقتها قوانين, ومن ثم ستكتسب صفة القانونية لا الاستثنائية, لكنه لم يفعل. مع أنه جرب هذا النهج مرة واحدة, فحينما أراد الإفراج عن رئيس تحرير الدستور, قام بإصدار قانون بعدم جواز الحبس الاحتياطي في قضايا النشر, ومن ثم تمكنت السلطات المعنية بالإفراج عنه. وأخيرًا: إن حماية الداخلية للنائب العام لدخول مكتبه (إن كان ذلك يعني انحيازها لدولة الشرعية والقانون) فهذا تغير ايجابي وكبير, وإن كان الرئيس لا يستطيع إقالة النائب العام (مع وجود رغبة شعبية عارمة في إقالته) فهذا يرسخ دولة القانون.. إن القضاء المصري فيه خير كثير, ولا يمكن تجاهل أن مبارك لم يكن يسيطر عليه (كله) ولذلك كان يلجأ للقضاء العسكري, وسعى لمنع الإشراف القضائي على الانتخابات, وحكم القضاء الإداري أحكامًا تاريخية ضد قرارات مبارك, لكن القضاء (كمؤسسة) ربما يشعر بتوجس, ولذلك التف حول (الزند) الذي قدم نفسه لعموم القضاة أنه (المدافع عن استقلالية المؤسسة), لذلك, فإن التعامل مع ملف القضاء لابد أن يكون بالحوار ثم بالقانون, وأخيرًا بالقرار.. [email protected]