من فوائد هذه المرحلة أن الإنسان يستطيع بوضوح أن يعلم مسبقًا (بلا أدنى مفاجأة) أين سيقف فلان وفلان وفلان إذا صدر قرار من (فلان)؟, ومن سيناصرون ومن سيعارضون – وقد يكون ذلك متكررًا مع كل حكم أو قرار أو موقف, وقد ظهر جليًا خيانة (نعم خيانة) بعض الناس لما كانوا ينادون أو يبشرون به, فعلى سبيل المثال وجدنا ناصريًا شهيرًا (صباحى) يصطف مع رأسمالى كبير (ساويرس) لمواجهة الإسلاميين (مع أن أغلب أدبيات اليساريين والناصريين تنحاز للعدالة الاجتماعية ضد الرأسماليين انحيازًا للعمال والفلاحين والفقراء)!! إننا نرى بوضوح لا لبس فيه، تحالف قوى السلطة السابقة (السياسية والاقتصادية والإعلامية) للحيلولة دون وجود الإسلاميين فى صدارة المشهد السياسى وإن جاءوا عبر آليات ديمقراطية سليمة, لكن الغريب هو انحياز بعض القوى التى كانت تُبشر بالليبرالية وتدعو للديمقراطية إلى قوى السلطة السابقة لدرجة أن عددًا معتبرًا من السياسيين والباحثين الغربيين قالوا: لقد تفاجئنا بأن القوى الإسلامية فى الشرق الأوسط بدت أكثر ليبرالية وديمقراطية من القوى الأخرى إن كانت يمينية أو يسارية أو غير ذلك.. فى ظل هذا المشهد شديد السيولة شديد الالتباس خرج قرار الرئيس مرسى بإعادة مجلس الشعب للعمل بعد أن تم حله من قبل المجلس العسكرى تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية ببطلان بعض مواد قانون انتخابه, وثار جدل قانونى (مع وضد) القرار لأننا لم نعد نُخرج مواقفنا من (كيس واحد) فهذا يقول : دستور 1923 أو دستور1954 ينص على كذا, وذاك يقول دستور 1971 ينص على شىء آخر, وثالث يقول: فى فرنسا يحدث كذا ورابع يقول: فى أمريكا كذا, وخامس يتحدث عن الشرعية الدستورية وسادس يتحدث عن الشرعية الثورية وسابع يخلط السياسة بالقانون وثامن يستشهد بالإعلان الدستورى الأول أو المكمل (وقد كان ضدهما عند صدورهما) وتاسع يُفضّل أن يقوم العسكر بالتشريع ولا يقوم به البرلمان وعاشر يتحدث بما يحب أو يكره وهكذا.. وخروجًا عن الجدل القانونى الذى لن يُحسم, لعلنا نتحدث عن القرار من المنظور السياسى, وهل كان مناسبًا فى ظل كل هذه المُعطيات (التى لا يستطيع سياسى أن يتجاهلها لأنه لا يعمل فى فضاء بغض النظر عن صواب بعضها أو عدم صوابها).. لقد دخل الإخوان فى البرلمان فى صراع مع حكومة الجنزورى تحت ضغط الإعلام والشارع أنهم لم يفعلوا شيئًا, وتحجج الإخوان بأن السلطة التنفيذية ليست معهم لتحقيق ما وعدوا به ناخبيهم, وبدا أن الصراع فى غير موضعه, فقد كان للبرلمان مهام تشريعية أكثر عجلة وأهمية من إسقاط حكومة الجنزورى التى سترحل تلقائيًا بعض قليل (وها هو الرئيس المنتخب قد أطال فى عمرها لتسيير الأعمال), وبدا البرلمان فى حالة صراع مع القضاء عمومًا ثم مع المحكمة الدستورية ولم يكن ذلك فى وقته أيضًا, وتعثر البرلمان فى تشكيل جمعية تأسيسية مُرضية للقوى السياسية واعترف الإخوان بما فيهم الرئيس مرسى بخطأ تشكيلها.. وبدت شعبية البرلمان تنخفض بما انعكست سلبًا على شعبية الإخوان تحديدًا، فهبط التصويت لهم من 10 مليونًا فى مجلس الشعب إلى نحو نصف ذلك فى انتخابات الرئاسة فى جولتها الأولى الكاشفة بوضوح عن الأوزان النسبية للتيارات المختلفة.. وتم حل البرلمان طبقًا لعدم دستورية بعض مواد قانون انتخابه وأهمها مزاحمة الحزبيين للمستقلين على المقاعد الفردية (وهو المطلب الذى أصر عليه الإخوان!!). وقبل حل البرلمان استطاع تشكيل جمعيته التأسيسية الثانية التى بدت أكثر حيادية فلم يعد يرأسها إخوانى ولم تعد أغلبيتها كذلك, وإذا كانت أهم مهام البرلمان هى التشريع فقد شكل البرلمان أهم جمعية للتشريع الأهم والأكبر وهو إعداد مسودة دستور البلاد, وفى حالة موافقة الشعب عليه تُجرى انتخابات نيابية جديدة (وهذا قد يكون فى غضون شهر أو شهرين وربما ثلاثة على الأكثر) فلماذا الإصرار على عودة مجلس الشعب الآن, وماذا سيعمل إذا لم يكن من حقه صياغة التشريعات [ باعتبار أن الإعلان الدستورى المُكمل (الذى أقسم الرئيس وفق بنوده) قد حدد مهمة التشريع للمجلس العسكرى, وهو الإعلان الذى لم يقل الرئيس بسقوطه بعد ومن ثم لا يزال ساريًا]. إن الإصرار على عودة مجلس الشعب يماثل الإصرار على سحب الثقة من حكومة الجنزورى وهو يزعج بأكثر مما يفيد (وغياب مجلس الشعب واستمرار حكومة الجنزورى كلاهما أمر مؤقت).. إن الوطن ليس بحاجة إلى قلاقل أو صراعات, والحكيم هو من يترك قدرًا من حقوقه لنزع فتيل الأزمات, وفى الإسلام فإن أهل الورع يتركون بعض المُباحات تجنبًا للوقوع فى الشُبهات.. وإذا كان الإخوان والثورة (قد يلتقيان حينًا لكنهما لا يلتقيان دائمًا) فإننا بحاجة إلى فرز قرار الرئيس مرسى لإدراجه تحت العنوان المناسب, فإذا كان القرار تحت لافتة إصلاحية فهو غير مناسب بالمرة فى توقيته وآثاره ودلالاته, وإن كان تحت لافتة ثورية فهو قرار ثورى ينزع من العسكر صلاحياته ويقلم أظافر بعض أطراف المنظومة القضائية التى ندرك جميعنا عدم اكتمال استقلالها. وأخيرًا: حيثما تقف, وحيثما تنتمى سيكون تقييمك لقرار الرئيس بعودة مجلس الشعب للعمل مرة أخرى.. [email protected]