جمال سلطان عندما رأيت صورته في التليفزيون تذكرته ، وتذكرت الأيام السوداء ، كان المستشار عبد الغفار محمد يرأس المحكمة التي تنظر في القضية 462 / 1981 أمن دولة عليا ، وهي التي كانت تعرف بقضية الجهاد الكبرى ، وقد هاله ما اطلع عليه من وقائع التعذيب المثبتة في أوراق القضية مما تشيب له الولدان ، وهي وقائع أثبتتها جهات التحقيق بالمناظرة والمعاينة وأثبتها الطب الشرعي على أجساد مئات المعتقلين ، كان حجم التعذيب وأساليبه من الإجرام والفظاعة إلى حد أن استحال على المحكمة تجاهله ، فأمرت في حيثيات حكمها التي أثبتت فيه وقائع التعذيب وأدانته ، أمرت بإحالة الضباط الذين مارسوا هذه الجرائم البشعة إلى المحكمة لأنه عار على القضاء المصري ألا يحاكم أمثال هؤلاء الجلادين ، وتمت إحالة مجموعة الضباط الذين قادوا عملية التعذيب إلى المحاكمة في العام 1986 ، وعرفت بقضية الأربعة وأربعين ، لأن هذا كان عدد الضباط المحالين إلى المحكمة ، وكان المتهم الأول في قائمة هذه الجرائم هو العميد محمد عبد الفتاح عمر ، قائد فريق التحقيق في سلخانة القلعة ، كانت الأجواء السياسية وقتها فيها مسحة انفراج ، وكان الرئيس مبارك لم يتم مدته الأولى في حكم مصر ، ولا توجد ضغوط وتدخلات من التي نعرفها جميعا ، وكان القاضي يصر على أن يدخل هؤلاء الضباط المتهمون القفص الحديدي كمتهمين ، وبعضهم كان يبكي كالنساء أمام الجميع ، وذهبوا إلى أسر الضحايا وعرضوا عليهم تسويات مالية ضخمة للتنازل عن القضية ، وفي النهاية وجدت المحكمة بعد تداول طويل أن شيوع التعذيب وتبعثر وقائعه يجعل من غير الممكن إسناد وقائع بعينها إلى ضباط بعينهم ، وبالتالي نجا الأربعة وأربعون من سيف العدالة ، تذكرت المتهم الأول والذي تم ترقيته بعد ذلك إلى لواء ودخل مجلس الشعب في الانتخابات الأخيرة وأصبح وكيلا للجنة الدفاع والأمن القومي بوصفه أحد الرموز التي تشرف حزبها الحاكم ، تذكرت محمد عبد الفتاح عمر عندما رأيته في شاشات التلفزيون يدافع عن البلطجة التي مارستها قوات الشرطة ضد المتظاهرين المسالمين ، وسمعته وهو يقول بملئ فمه على الهواء مباشرة : طبعا يستحقوا السحل في الشوارع ، تذكرت صورته : المتهم الأول في قائمة الأربعة وأربعين الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية . والد هند الحناوي التي تورطت مع الشاب المستهتر ابن الفيشاوي في ما يعرفه الناس جميعا الآن ، وقف أمام شاشات التليفزيون كمناضل كبير يخطب في الناس : أيها الناس لا تقتلوا بناتكم إذا أخطأوا ولا تجهضوا الجنين ! ، كنت أتأمل في وجهه وأنا مذهول ، هل هذا الرجل من مصر ، وجدتني أحدث نفسي جبرا كأني أخاطبه : يا راجل روح شوف لك خيبة تتدارى فيها ، بدلا من هذه المسرحية الهزلية التي تتقمص فيها دور الزعيم سعد زغلول ، .. حاجة تقرف . الدكتور مصطفى الفقي نشر مقالا في أخبار اليوم السبت الماضي عن "فضيلة الاعتذار" وتكلم كما ينبغي لمثقف كبير يفهم أسرار المعاني ، وأعماق الخلق الرفيع ، مهاجما من لا يعتذرون عن أخطائهم ، مبينا أن الاعتذار لا ينقص من قدر صاحبه بل يزيده رفعة في أعين الناس ، واشتكى الفقي من كثرة ما يجب أن نعتذر عنه في هذا الزمان ، وضرب عدة أمثلة ، لم يكن من بينها مع الأسف المثل البديهي باعتذاره هو شخصيا عن اغتصاب مقعد بندر دمنهور من صاحب الحق الشرعي والوطني فيه وهو الدكتور محمد جمال حشمت . بالمناسبة ، الكاريكاتير الذي نشرته أخبار اليوم في نفس العدد في صفحتها الأولى ، وهو الكاريكاتير الرئيسي للعدد ، والذي صور فيه الدكتور سعد الدين إبراهيم بشكل فاحش جدا ، هذا الكاريكاتير يكشف بوضوح عن أن أخلاقيات المهنة في بعض الصحف القومية قد وصلت فعلا إلى الحضيض . [email protected]