دَرجَت العادة فى الدول الديمقراطية، أن يحدث صمت سياسى تام، قوامه 100 يوم، من قوى المعارضة، فى أعقاب الانتخابات العامة البرلمانية أو الرئاسية. والهدف هو منح المُنتخب فرصة زمنية لكى يتحسس أوضاع البلاد والعباد عن قرب ومن داخل قصر الحكم. وبعد مرور 100 يوم، تبدأ الأحزاب المعارضة فى توجيه الانتقادات للحكومة أو الرئيس، غير أن هذه الانتقادات، تتم عبر تصريحات صحفية وإعلامية أو من خلال كلمات تلقى على هامش المشاركة فى المؤتمرات والندوات والمنتديات التى تعقد داخل أو خارج الوطن. ولم أسمع أو رأيت من قبل – خاصة التجربة التركية – وقوع مظاهرات ومسيرات ميدانية من أحزاب المعارضة، ضد إجراءات حكومية. ذلك أن الجمهور المتفق على كون "الصندوق" هو معيار وحكم بين المتنازعين والمتصارعين على السلطة والحكم، يدرك أن الطريقة الصحيحة والمعاصرة، لإسقاط وتغيير حكومة أو رئيس، هى فى صندوق الانتخابات فى موعده أو إذا حدث وتم تبكير موعد الانتخابات. وهذا الاحتكام للصندوق الانتخابى، لا يعنى أن تصمت أحزاب وجماعات المعارضة طويلاً عن توجيه النقد للحكومة أو الرئيس. فقط من باب الكياسة والتعامل الديمقراطى وحماية الاستقرار، أن لا يتم الانتقاد قبل مرور 100 يوم كاملة على تسلم السلطة. ولا يوجد فى الديمقراطية الغربية التى نسير على قواعدها، ويؤكدها الكثير جداً من التيار المسمى نفسه بالتيار المدنى أو الليبرالى أو الشعبى أو أى تسمية أخرى، شيء أسمه محاسبة أو محاكمة رئيس الحكومة أو رئيس الدولة المنتخب شعبيًا، بعد 100 يوم. لكن أحزاب المعارضة البرلمانية، بعد مرور ال 100 يوم، تنتهز فرصة عقد اجتماعاتها الأسبوعية بالمجلس – إذا كان لها مجموعتها البرلمانية - لكى توجه انتقاداتها للحكومة. أو تنتهز فرصة أى انتخابات تكميلية أو فرعية أو عامة أخرى، كالبلديات والحكم المحلى أو انتخابات الغرف التجارية والصناعية أو النقابات المهنية، لتفعل نفس الشيء. وكذا، يتم توجيه الانتقادات داخل اجتماعات الحزب ومؤتمراتة، داخل المقار العامة والفرعية أو بالفنادق أو المراكز المخصصة لعقد المؤتمرات. على أن هذه الانتقادات والمعارضة السياسية للحاكم، بعد المائة يوم، لا تقترب مما أسفرت عنه صناديق الانتخابات، لا من قريب ولا من بعيد. لأن نتيجة الصندوق "الشفاف والنزيه"، هى المعبرة عن إرادة الشعب والأمة. ومن الأعراف الديمقراطية أن سلطة الشعب هى أعلى السلطات وهى المحرك الأساسى لعجلة الحياة السياسية. بناءً عليه، لا يعد شيئًا متفقًا عليه أو مقبولاً - بموجب قواعد اللعبة الديمقراطية الغربية – أن تسعى أحزاب وجماعات معارضة، لاستخدام الشارع فى مصر، لمحاكمة الرئيس الذى اُنتخب ويعمل فى ظروف غير عادية. بحجة عدم توفيقه فى وعد ال 100 يوم، حتى لو وعد الرئيس بحلّ مجموعة من المشاكل المزمنة بالمجتمع المصرى.لأن الوعد هنا، ليس له علاقة بالانتخابات ونتيجتها، فضلاً عن عدم توفر الشروط العادية وحالة الاستقرار الشامل التى تساعده على تنفيذ برنامجه الانتخابى، فى منظوره القريب. وبما أن الأغلبية انتخبت الرئيس المصرى لمدة 4 سنوات، فيحق لها أن تحاسبه بقوة وبشكل عملى متحضر فى موعد الصندوق الانتخابى القادم، إما سلبًا أو إيجابًا. ويمكن وقتها أن تقول له، أنت لم تتمكن من تنفيذ كذا أو الوعد الفلانى، لم يتحقق، وتنتقده علنًا فى الميادين، وقت الحملة الانتخابية أو تمدحه وتجدد له العقد الاجتماعى. جس نبض المئة يوم فى أنظمة الحكم الديمقراطى، لا تعنى مطلقاً محاكمة الرئيس مادياً، أو الخروج عليه، لأنها ليست من نصوص قانون انتخابات رئيس الحكومة أو الدولة، وإنما هى مجرد عادة ديمقراطية، سواء وعد بها أو لم يعد. والعبرة فى نهاية المدة المتفق عليها وقت الانتخابات، حماية للاستقرار والأمن العام ولكى لا تتعرض الدوائر الاقتصادية والتجارية ومصالح البلاد والعباد للجمود والشلل، من ناحية وحماية للمال العام من الناحية الأخرى. لأن دوام التظاهرات غير المنضبطة والمحدودة، وكثرة الانتخابات العامة تعنى الخراب. اللهم احفظ مصر من المُخربين والخراب.