ربما لم أحصل على عضوية نقابة الصحفيين من خلال جريدة الشعب التى كانت فيها تجربتى الأولى للعمل الصحفى منذ كنت طالبًا بالجامعة بعدما طلب منى الأمين العام لحزب العمل آنذاك الكاتب والمفكر الإسلامى الراحل عادل حسين أن أحرر أنا وصديقى الصحفى ربيع سكر الباب الصحفى "شباب بلادي" الذى كان ضمن العدد الصادر صبيحة كل ثلاثاء وقد كان بابًا متخصصًا فى متابعة نشاط طلاب حزب العمل وبقية التيارات السياسية بالجامعات المصرية والمدارس الثانوية فضلاً عن اهتمامه بمناقشة القضايا الطلابية. والحقيقة أننى ظللت ولسنوات خمس أحلم باليوم الذى يستدعينى فيه الأستاذ عادل حسين أو رئيس تحرير الجريدة وقتها الأستاذ مجدى أحمد حسين ليقول لى أحدهما إننا قررنا تعيينك بالجريدة وإلحاقك بنقابة الصحفيين فقد كان ذلك غاية أحلامى الشخصية والذى كنت أراه أيامها أنه وعلى الرغم من كونه حلمًا شخصيًا إلا أنه لم يكن لذاتى فحسب فكونى صحفيًا نقابيًا يعد الوسيلة الوحيدة التى يمكننى من خلالها القيام برسالتى كناشط سياسى إسلامى على الوجه الأفضل متفاديًا الكثير من العقبات الأمنية. بهذه الكلمات أردت فقط أن أفسر علاقتى بجريدة الشعب وهو حديث طويل ذو شجون لا أحب اليوم أن أتطرق له لكننى رأيت أنه المقدمة الموضوعية الوحيدة التى يجب أن أسجلها فى تعقيبى على الإضراب الذى ينظمه زملاؤنا وأساتذتنا من صحفيى الشعب المتبقين على حالهم إذ الأصل أن يكون ما بداخلى من حنق وضيق على ضياع فرصتى فى التعيين بالشعب منذ سنوات طالت أن يشمت المرء فيما حدث وما زال يحدث لها وهى الصحيفة التى كانت يومًا ما أهم وأخطر صحيفة معارضة فى مصر حتى أن الكثيرين من النشطاء الإسلاميين فى تسعينيات القرن الماضى أخبرونى أن الحملات الأمنية التى كانت تداهم منازلهم لاعتقالهم كانت فى حال عثورها على أعداد من الشعب تعتبر أن هذا دليل إدانة ودافع قوى للاعتقال. اثنا عشر عامًا تقريبًا من التغييب مرت على جريدة الشعب بعد أن أصدرت لجنة شئون الأحزاب المصرية قرارها بتجميد نشاط حزب العمل نتيجة لذلك الصراع المصطنع على رئاسة حزب العمل بين الراحل المهندس إبراهيم شكرى مؤسس ورئيس الحزب والممثل حمدى أحمد وهو الصراع الذى لم يكن يعدو عن كونه مسرحية هزلية أخرجها النظام بمساعدة مباحث أمن الدولة من أجل قتل التوجه الإسلامى داخل الحزب وصحيفته التى كانت تعطى انطباعًا لأى قارئ وللوهلة الأولى أنها كانت الصوت المعبر عن الإسلاميين بمختلف توجهاتهم وإن بدا أنها انحازت للإخوان المسلمين فى سنوات ما قبل إغلاقها خاصة بعدما التحق بالحزب والجريدة العديد من العناصر المحسوبة على جماعة الإخوان وهو الأمر الذى كان معلومًا لدى الجميع. لقد كان عادل حسين – رحمه الله – حريصًا على احتضان كل الإسلاميين من مختلف التوجهات فكانت لقاءاته وحواراته مع المتحدث الإعلامى للجماعة الإسلامية علاء محيى الدين – رحمه الله – والذى اغتالته الأجهزة الأمنية فى بداية التسعينيات ما كان سببًا رئيسيًا فى تفجر الصراع المسلح بين الجماعة وأجهزة الأمن. وكانت اتصالاته ولقاءاته بآخرين من الجهاديين فى محاولات جمة ومستميتة من أجل ضمهم للحزب وتفعيل نشاطهم من خلال قناة قانونية تخفف حدة ووطأة ما عانوه من انتهاكات دولة مبارك وهو ما نجح فى تحقيقه مع عناصر كثيرة من بينها مثلا الدكتور كمال حبيب القيادى الجهادى الذى فتح حزب العمل له أبوابه فور خروجه من السجن حيث التحق بجريدة الشعب ليتم تعيينه بعدها ويصبح صحفيًا نقابيًا. ومنهم أيضًا الشيخ عبد الله السماوى الذى قضى سنوات عمره الأخيرة فاعلاً وناشطًا سياسيًا ودعويًا داخل صفوف حزب العمل حتى بعد قرار تجميده عام 2000. نفس الأمر فعله حسين مع الإخوان المسلمين مظنة أن الحزب يمكن أن يكون لعناصر الإخوان وكوادرهم القناة التى يمارسون من خلالها نشاطهم السياسى بل إن أحلام عادل كانت تطمح إلى أن يكون الحزب أيضًا البوتقة الفكرية التى تنصهر فيها الخلافات والحواجز بين مختلف هذه التيارات حيث يعمل الجهادى بجوار الإخوانى والسلفى بجوار المنتمى للجماعة الإسلامية وهكذا. وبدا بعد سنوات قليلة أن دعوة حسين لاقت استحسانًا أيضًا من الإخوان فدفعت الجماعة ببعض عناصرها للالتحاق بالحزب فكان أكرم الشاعر وعلى فتح الباب وأحمدى قاسم وصلاح عبد المتعال وطارق عبد اللطيف وغيرهم ليكونوا أعضاءً بل وقيادات بحزب العمل فى الوقت الذى ينضوون تحت لواء جماعة الإخوان المسلمين. ومما أذكره بقوة أن هذا لم يكن يروق للعديد من عناصر الحزب الأصلية التى كانت ترى أن عادل حسين يمارس العمل السياسى بعاطفية يمكن أن تضيع الحزب لصالح أطراف أخرى فكانوا دائمًا ما يعلنون عن تذمرهم من ذلك قائلين له إن هؤلاء ليس ولاؤهم للحزب ولا لقياداته وإنما ولاؤهم للمرشد العام للإخوان ولو أنهم أخذوا تكليفًا منك يتعارض مع تكليفات المرشد لضربوا بتكليفاتك عرض الحائط. لم يكن عادل حسن غبيًا والحقيقة أنه كان يدرك صحة ما ذهب إليه المعارضون لضم عناصر إخوانية للحزب لكن إستراتيجيته فى هذا التوقيت هو كسب ثقة الإسلاميين فى الشارع والتأكيد على أن الحزب حدث داخله تحول حقيقى للرؤية الإسلامية وأن الاشتراكية التى كان يتبناها الحزب تاريخ وانتهى. وبشكل براجماتى أيضًا كان يرى حسين أنه وبنفس القدر الذى تستفيد به بعض العناصر الإسلامية ومنها الإخوان بسبب انضمامها للحزب يستفيد الحزب أيضًا فالفكرة التى يطرحها الحزب فكرة غير تقليدية ومركبة تحتاج إلى كوادر تتعلمها وتتفهمها وتؤمن بها وتدعو لها وهو أمر ليس سهلاً ولتحقيقه بشكله المثالى فإن ذلك يستغرق أجيالاً وأجيالاً ومن ثم فليس من مفر فى أن يكون انضمام هذه العناصر فرصة لمحاورتهم عن قرب فربما كان ذلك أسرع فى استقطابهم. مات عادل حسين ولم يحقق فكرته وثبت بالواقع صحة ما ذهب إليه معارضو إستراتيجيته لكن يبقى أنه كان يبحث عن المثالية مع كل الفشل الذى منيت به سياساته رحمه الله. لقد أثبتت أحداث التاريخ أن حزب العمل لم يكن للإخوان سوى أداة فقط مجرد أداة ليس لممارسة نشاطهم ولكن لأن يكون فى خدمة دعوة الإخوان وهو ما قام بتنفيذه حزب العمل على أفضل الوجوه ودون أدنى تردد. أذكر أننى وزملائى خلال حركتنا الطلابية – رابطة طلاب العمل الإسلامى – التى كان لى ولزوجتى دور فى تأسيسها وامتدادها لأكثر من عشر جامعات فى مختلف أنحاء مصر كنا حريصين أن نؤكد أننا لسنا أعضاء فى جماعة الإخوان لكن دائمًا كانت صحيفة الشعب تكذب ذلك فالجريدة كانت تنطق لكل ناظر فيها بأنها صحيفة الإخوان المسلمين فأغلب المقالات للكتاب والعلماء المحسوبين على الإخوان بل إن أغلب مقالات الأمين العام لم تكن تخلو من فقرات مطولة للحديث عن الانتهاكات التى كان يتعرض لها قادة الإخوان المسلمين من محاكم عسكرية واعتقال بلا مبرر. فى عام من الأعوام طالبنى الحزب بالتواصل مع القيادات الطلابية للإخوان فى الجامعة وأذكر منهم أحمد سبيع ومحمد القصاص وأحمد زينهم وغيرهم ممن أضحوا اليوم نجومًا فى عالم السياسة والإعلام من أجل التنسيق معهم فى الانتخابات الطلابية وكان الرد المتوقع إن أقصى ما يمكن أن تحصلوا عليه هو مقعد واحد فى اتحاد الطلاب ولم يكن بالطبع لى بل لصديق وأخ حبيب بالاسم ذلك أن نشأته كانت معهم وكان قريباً منهم فى حين كان مثلى مغضوباً عليه. أذكر أيضًا أننى ذهبت أشكو لعادل حسين ذلك الموقف طالبًا منه أن يعاتب قادتهم فى ذلك فرفض الرجل رغم انفعاله على هذا السلوك وقال لى حاول معهم مرة ثانية على أن تذكرهم بما بيننا من تنسيق وتحالف خارج أسوار الجامعة وبالفعل صنعت ما طلب منى غير أن طلاب الإخوان لم يستجيبوا لهذا مشيرين إلى أننا ليس لنا قوة على أرض الواقع. كان ذلك بالطبع إشارة لأن نتحرك بمفردنا وأن نؤلف قائمة خاصة بمرشحينا من الطلاب لمواقع الاتحاد وقد رفعنا نفس الشعار "الإسلام هو الحل" الذى لم يكن من صك الإخوان وإنما كان صاحبه عادل حسين فكان فى ذلك إثارة للجدل وإحداث الارتباك بين الطلاب المتعاطفين مع التيار الإسلامى. كما كان من أهم تداعيات ذلك أن ذهب بعض قادة الطلاب الإخوان للدكتور مجدى قرقر وكان وقتها أمين التثقيف بالحزب وأستاذًا فى كلية التخطيط الإقليمى والعمرانى بجامعة القاهرة ليطلبوا منه إزاحتى عن موقع أمين الرابطة بالجامعة ووضع زميل آخر فرد عليهم قرقر ردًا بليغًا إذ قال لهم إذن تعالوا حددوا لنا أيضًا مَن يصلح لموقع الأمين العام للحزب وكان يعنى ذلك أن قرقر اعتبرنى بمثابة عادل حسين بالجامعة. مرت الأيام ودعا الحزب لعقد ندوة موسعة يشارك فيها أطياف الحياة السياسية فى مصر وكان من بين هؤلاء المستشار مأمون الهضيبى – رحمه الله – غير أنه وفى اللحظة الأخيرة تم تغيير مكان انعقاد الندوة فطلب منى وصديقى ربيع سكر أن نكون فى استقبال الناس بالمكان القديم واصطحابهم للمكان الجديد فكانت فرصة أن نختلى فيها بالمستشار الهضيبى ونشكو له مما يفعله إخواننا فى الجامعة لكن للأسف لم يكن لشكوانا جدوى وما كان إلا أصابنا بالإحباط. الشاهد فى المسألة أن ذلك جزء مما كان يحدث مع القطاعات المختلفة فى الحزب حيث تشابه الأمر مع أمانات العمال والمرأة وغيرها من الأمانات وهو ما كان يعلمه ويدركه عادل حسين ومع ذلك لم يكن ذلك ليثنيه عن الاستمرار فى الدفاع عن الإخوان وعن حقهم فى الممارسة ولم يفكر يومًا فى أن ينتقم مما يحدث مع كوادر حزبه فى مختلف القطاعات. الحقيقة لا أستطيع أن أتخيل كيف كان يمكن أن تكون مسيرة الأخوان لو لم يكن حزب العمل وجريدة الشعب أعتقد أن حجم معاناتهم كان سيتضاعف وأن حجم الاهتمام الإعلامى بقضاياهم سيتضاءل فالكثير من الملفات حركتها صحيفة الشعب بل إن الإخوان لم يكن ليحظوا بهذا الكم الهائل من الخبرات الإعلامية المنتشرة فى العديد من الأماكن الآن إذ تم تأهيل وتدريب هذه القامات الإعلامية فى جريدة الشعب. مرة أخرى لست صحفيًا بالشعب ولا مستفيدًا من تسوية أوضاعهم ولست عضوًا بحزب العمل فقد استقلت منه منذ سنوات – لأسباب ليس من المناسب نشرها – ولم تعد لى به أدنى علاقة كما أننى تجاوزت مرحلة الخلاف مع إخوانى من عناصر الإخوان ويعلم الله أنى أحبهم فى الله وأدافع عن مشروعهم ليس إلا لأننى مع هذا المشروع قلبًا وقالبًا لكننى فقط أتساءل لماذا يتخلى الدكتور محمد مرسى وتتخلى جماعة الإخوان عن قضية صحفيى الشعب فذلك فى نظرى واجب الوقت كما يقول الإخوان وهو أيضًا نموذج للوفاء بالجميل ورد الإحسان لا يكون إلا بالإحسان.. أليس كذلك؟ نصيحة لوجه الله