قد تُبلى الأمم بالحروب فيعم الهدم والخراب وتتصدع المبانى وتنهار الجسور، وقد تعصف عوامل الطبيعة ببلد ما، فتحيله إلى ما يشبه بيوت الأشباح، وتجعل معالمه آثاراً بعد أعيان، وقد ينهار اقتصاد بلد آخر فيكون العجز بديلاً للوفرة ويكون التقشف عوضاً عن الرخاء. ومع كل حالة من تلكم الحالات تمتلك الأمم القوة ما امتلك الإنسان ذو الإرادة القادرة على الخلق والإبداع ، الإنسان صاحب الإرادة المخلصة المتحرر من الإحساس بالدونية، المحب لبلده، المقدر لقيمه، العالم بمواطن العزة فيه، فيحيل هذا الإنسان معاول الهدم إلى عوامل بناء، لكن إذا انتكست وتقهقرت إرادة الإنسان فهى إيذاناً بغروب شمس تلك الأمم، وصفحات التاريخ ذاخرة بخبر هؤلاء. إن الناظر لحجم الدمار والخراب الذى أصاب ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لا يمكنه إلا القول إن الألمان لن ينهضوا أبداً بعد أن أعادتهم الحرب إلى عصور الظلام، لكنهم بالإصرار والعزيمة ووحدة الهدف والتحدى أعادوا بناء برلين والمدن الأخرى التى عصفت بها آلة الحرب فى غضون سنوات قلائل وأصبحوا الاقتصاد الأقوى فى أوروبا. أما اليابان التى سُجل على أراضيها فى مدينتى هيروشيما وناجازاكى أول جرم نووى فى التاريخ أذابت الحجر والشجر وشوهت الأجنة فى بطون أمهاتها وخلفت مشاهد يندى لها جبين الإنسانية، لم يقف اليابانيون موقف الشعب المنكسر المتشرذم الذى يستدر عطف الأمم بمآسيه، بل امتدت يد الإنسان اليابانى وانطلق فكره وإبداعه وحبه لوطنه وأعيدت البلدان المدمرة كواحدة من أفضل مدن العالم ووثب اقتصادها حتى أخذ المرتبة الثانية عالميا منافساً الاقتصاد الأمريكى. أما لدينا، فلا تتوقف عجائب النخبة الورقية التى صنعتها أنظمة القمع المتعاقبة، فهى نخبة منبطحة دائما متطلعة إلى الخارج ناقمة وماقتة للداخل ولا ترقب فى وطنها إلاً ولا ذمة. فمنهم من يشجب دفاع الخارجية المصرية عن مقام الرسول الكريم بدعوى أنه لم يحظ بشرف الجنسية المصرية! ومن يتهكم على صلاة الرئيس مع العوام فى المساجد ويطالبه بوقاحة بالصلاة فى بيته، ومن لا يتوقف عن قصف اللجنة التأسيسية ويحرض على الانسحاب منها ولا يكف عن ترويج الأكاذيب عنها حتى لا تكتمل مؤسسات الدولة الدستورية، ومنهم من يستقوى ويستجير بالخارج ويقحمه فى وضع الدستور، ومنهم من يرغب للدستور أن يحوى مواد تضمن انشطار الوطن وتفتيته، ومن يرغب أن تقرر حقوق دستورية للشذوذ الجنسى والفكرى، فى الوقت الذى يعترضون فيه على وضع نص يمنع المساس بالذات الإلهية لأنهم يرون ذلك قيداً على إبداعهم فى "تظغيط البط" فى شرفة ليلى مراد! وكانت الطامة موقف احد الثائرين الأشاوس المهمومين بحقوق الفقراء، وهو يخوف المستثمرين الأجانب ويحذرهم من الاستثمار فى مصر فى مناخ غير آمن! بدعوى اندلاع ثورة قريبة فى مصر، لأن حزب الحرية والعدالة اغتصب السلطة بالشاى والسكر، وعدم توافق المصريين على تشكيل الجمعية التأسيسية!! فحول خصومته الحزبية إلى خصومة مع الوطن والفقراء الذين يتغنى بالدفاع عن استحقاقاتهم. فضلا عن ترهات بعضهم فيما يتعلق بالادعاء بوجود أسلمة قسرية واختطاف القاصرات وهدم وحرق الكنائس والاضطهاد الممنهج من قبل أجهزة الدولة وإخفاء تعداد المسيحيين. هذه الأصوات النشاز ومن على شاكلتهم ممن نادى ببقاء العسكر فى الحكم، والانقلاب على الثورة، ومن ينادى بالعفو عن مبارك والتصالح مع أركان حكمه الفاسد، وعودة الفريق الهارب متخففاً من فساده ليحكم البلاد باعتباره الفائز الحقيقى فى انتخابات الرئاسة، هؤلاء جميعاً يعيشون خارج التاريخ، ولا يعيشون واقع اللحظة التى أودت بكبيرهم خلف الأسوار بعدما كانت تفسح له المحافل، وطويت للأبد من مصر حقبة الفرعون الفرد. ولا يخفى دور الإعلام الفلولى الفاسد فى تسليط الأضواء على تلك الوجوه الكالحة التى سئمها الشعب، ويقيناً بإذن الله لن تعود عقارب الساعة للوراء وسيكمل الشعب مسيرته رغم أنوف المتربصين. والله الموفق