في خضم الأحداث التي تشهدها مصر هذه الأيام.. وهي أحداث يمكن أن ندرجها تحت بند «حياة أو موت» وجدت قلمي يتوقف عن كتابة مقال سياسي مطول من 3 أجزاء.. لأكتب بعض تعليقات لابد منها علي «بعض» ما نشر في جريدة «الوفد» الغراء يوم الأحد 4/3/2012.. خاصة أنها فرصة للعودة الي بعض الذكريات.. وفرصة أيضا لتهنئة الأخ سليمان جودة - الإعلامي البلاتيني - علي سلامة العودة!! أولا: المقارنة باليابان في مقال رئيس التحرير في عدد «الوفد» المشار اليه.. أشار الي أن اليابان - وهي تواجه أزمة مالية خطيرة - امتنعت عن الاقتراض من الخارج.. وقررت الاستعانة بالشعب الياباني من خلال زيادة ضريبة الاستهلاك! علي عكس ما اخترناه نحن في مصر من تفضيل الاستعانة بالاقتراض الخارجي!! والمقارنة هنا ظالمة.. فاليابان لديها احتياطي ضخم تراكمي من العملات الحرة.. بينما نحن في مصر لدينا «نزيف حاد» في الاحتياطي المتواضع الذي لدينا - أو مازال لدينا - من هذه العملات!! وعلي الرغم من أن موضوع تغطية عجز الميزانية يحتمل أكثر من اقتراح.. فإنني لن أتعرض للموضوع ذاته من الناحية الاقتصادية وأقتصر علي سرد 3 أحداث تجعل من الشعب الياباني أبعد ما يكون عن الأخذ به كمثل وقدوة: (1) ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية - وكانت اليابان قد تعرضت للتسوية بالأرض في أعقاب الغارات الجوية المكثفة علي مدنها ومصانعها - كان لابد من إعادة البناء.. دون موارد.. وقبل اليابانيون - شيوخا وشبابا، رجالا ونساء - العمل في البناء مقابل وجبة من الأرز والسمك.. دون أجر.. وخارج التخصصات ودون تحديد لساعات العمل!! وفي سنوات معدودة تمت إعادة «الصرح الياباني» لتصبح اليابان قوة ضاربة رهيبة علي مستوي اقتصاد العالم!! (2) ومنذ ثلاث عقود تأزمت العلاقات التجارية بين الولاياتالمتحدةواليابان نتيجة العجز الفادح في الميزان التجاري بين البلدين لمصلحة اليابان.. ورأت الحكومة اليابانية أنها يجب أن تتيح للواردات من الولاياتالمتحدة مجالا أكبر في السوق اليابانية.. وكان أن ناشدت الشعب الياباني أن يقبل علي شراء المنتجات الأمريكية المستوردة «المماثلة أو الأجود.. والأقل سعرا» من المنتجات اليابانية!! وكان رد فعل الشعب الياباني.. كلا. ثم كلا.. ثم كلا.. وفضل الشعب أن يستمر في شراء منتجات بلاده.. «الأغلي.. والأقل جودة».. وخرجت اليابان من الأزمة وبقيت صناعاتها شامخة وقادرة!! (3) وأخيرا تعود بنا الذاكرة الي التسونامي الرهيب الذي ضرب اليابان في مقتل بما في ذلك تفجير عدد من المحطات النووية!! ولم تطلب اليابان من المجتمع العالمي المشاركة وقال الشعب الياباني كلمته.. ساعات عمل أطول.. أجور أقل مشاركة تطوعية.. لا مطالبات!! وعاد البناء وظلت «الشمس المشرقة» حية وقوية!! أمثلة ثلاثة أوردتها لمجرد الذكري.. ولا أقصد المقارنة.. فالظروف مختلفة تماما.. وشعبنا قادر.. ولديه العزيمة والقوة والإرادة ولكن أين«ثقافة المواطنة».. وأين «ثقافة التضحية من أجل الوطن».. وأين «ثقافة الواجبات.. ثم الواجبات وبعدها الحقوق»؟! شعبنا افتقد القدوة.. وافتقد التعليم الجيد.. وافتقد الإعلام الواجب.. والآن.. ومع شباب الثورة.. سنستعيد الكثير.. بشرط «غياب المغرضين»!! ثانيا: الجمعية التأسيسية لوضع الدستور: وفي نفس العدد من جريدة «الوفد» قرأت عن اقتراح الوفد حول تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور.. وهو اقتراح - في تصوري - سيتعدل في ضوء المناقشات المطولة حول اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية.. وهي مناقشات أتصور أن تتعرض.. للشد والجذب.. للاختلاف والاختلاف.. لمحاولات الاحتكار.. ولمحاولات التخويف والترهيب والتخوين!! ولو أنني في النهاية أؤمن بأنه لن «يصح إلا الصحيح»!! وعلي الرغم من أنني سبق أن تعرضت لهذا الموضوع.. وعلي الرغم من أنني سأتناول مطولا في الأسبوع القادم.. فإن لي بعض الملاحظات المؤقتة بالنسبة للاقتراح المشار إليه: (1) في مقال سابق حول نفس الموضوع اقترحت اشتراط ما يأتي في أعضاء الجمعية التأسيسية: أن يؤدوا يمين الولاء لمصر حصريا. أن يمتنع عليهم الترشيح للانتخابات أيا كانت أو للمناصب لمدة 3 سنوات فيما عدا منصبي «رئيس الجمهورية» و«رئيس مجلس الوزراء».. ما العيب في هذا؟! (2) لماذا الإصرار علي أن يكون هناك 30 عضوا من مجلسي الشعب والشوري.. كيف؟ وما هو المبرر؟! (3) مثل كل دساتير العالم.. أين المختارون من ذوي الفكر والخبرة والثقافة؟! سأضرب لكم أمثلة محدودة مع حفظ الألقاب.. السيد ياسين، تهاني الجبالي، منصور حسن، أحمد رجب، فاطمة ناعوت، صلاح عيسي، ويمكن أن يصل العدد الي 20 أو أكثر!! لم لا؟! والغياب.. لمصلحة من؟! (4) قبل اختيار الجمعية التأسيسية.. هل يمكن التوصل الي «اتفاق» أو «وفاق» أو «اختلاف صريح» حول المبادئ الدستورية العامة ليلتزم بها أعضاء الجمعية؟! ثم أين وثيقتا الأزهر الشريف.. وأظن أن الغالبية من أبناء مصر.. توافق عليهما؟! وفي عجالة.. فإن الدستور له مواصفاته.. وأعضاء الجمعية التأسيسية لابد أن يتواءموا مع هذه المواصفات!! لقد دقت الأجراس.. ورددت المآذن الدعوة للصلاة.. ونحن جميعا نسأله تعالي أن يهدينا سواء السبيل.. وأن يكفينا شر النفس.. وشر الغير.. وحفظ الله مصر.. ولنا عودة.. وتحيا مصر.. وتحيا مصر.. وتحيا مصر!! ----- بقلم: الدكتور فؤاد إسكندر