مر بأزمة, ولم تمر الأزمة, طالت واستطالت ولم تؤذن بإشارة رحيل, بحث عن مخارج وحلول, وظل يشتكى, أسر بشكواه لأصدقائه المقربين وأنا واحد منهم, تأسفنا لحاله, ولم نملك مساعدة, فأزمته أو أزماته مختلفة. تضخمت الأزمة, أحاطت.. أظلمت.. أقامت كجار السوء وضيف ثقيل ظل, غمامة لا تغادر الأفق, وأرض لا ترى السماء, استحكمت حلقاتها, فردد قول الشافعي: ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرجُ ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تُفرجُ واستبشر خيرا, لكنها لم تنفرج, شك فى كل شيء, ظل يلمح السوء فى كل شيء, وأصبح كالمغناطيس الذى يجذب ما يشبه مثاقيل حديد الأزمة, ذكّرناه بأنه لن يغلب عسرٌ واحدٌ يسرين, فإن مع العسر يسرا, إن مع العسر يسرا, فنام مطمئنا ممنيا نفسه بأنها انتهت وآذنت بصباح التفاؤل, وعند أول صباح ضاقت أكثر, فهاتفنى بأنها لم تنفرج, والحمد لله على كل حال, لكن الحال لا يسر صديقا ويسعد عشرة أعداء. قلت إذن أنت دنياك سعيدة. لو أن كل أعدائك لم يتجاوزوا عشرة.. تصور أنى أسخر, فرحت أستمع فى أدب ومشاركة ومواساة وتوسعة بالكلام. ليله صار نهارا, ونهاره ليلا, نام حيث يستيقظ الجميع, وظهر حينما اختفى الجميع, فظن أن الجميع متآمرون ومتضامنون فى تأزيم الأزمة.. فهاتفنى يشتكي, فقلت: تحت أمرك ورهن إشارة لقائك, فاختر مقهى قريبا والحساب عندي. التقينا, وقلت افتح خزانة مشاكلك, ضعها كلها على الطاولة, لا تخبئ شيئا, قل ما ترى, وما لا ترى أنها من أسباب الأزمة.. طرح كل شىء بلا مواربة ولا تجمل فى الكلام.. وطال بنا الكلام, وأذن الفجر ونقل المسجد القريب هواء الراديو.. قمنا لأداء الفريضة, وأطال صاحبى فى السجود.. ودعته وبودى لو أن بيدى حلولا لمشاكله, وودعنى وأنا خائف عليه بسبب ضغط دمه ومشاكل قلبه.. بعد العصر, جاءنى صوته فرحا عفيا, فصرخت: هيه فُرجت؟.. قال:أتانى أبى فى المنام, وقال: أنت سيئ الأدب.. لماذا تشتكي؟ ومن تشتكى لمن يا جاهل؟ هل تشتكى ربا لمخلوق؟ ثم قال أبي: وإذا أتتك ملمةٌ فاصبر لها صبر الكريم فإنه بك أكرمُ وإذا شكوت إلى ابن آدم زلةً فكأنما تشكو الرحيم إلى الذى لا يرحمُ.. فقلت: بان السبب فبطل العجب, وبزغ النور.. فُرجت يا صديق, رحم الله أباك. قل آمين. القاعدة الذهبية: الشكوى لغير الله مذلة. [email protected]