إن كانا رئيسا مصر وإيران أشغلا من نيويورك بعض السُذّج من المصريين والإيرانيين فى القاهرة وطهران باستعراضات (رئيسنا صافح المرأة، ورئيسنا لم يصافحها) فى قاعة الأممالمتحدة!.. فإنّ دوىّ ذلك الضجيج فى الشبكة العنكبوتية الغوغائية، أحرجت بعض المجانين، مجنون فيس بوك المنشغل عادة بليلاه بما هو أكثر من مصافحة ومعانقة!.. كيف يُبرئ نفسه الآن، وهو الفيلسوف الأفلاطونى الخجول فى الميدان، والشيطان الشهوانى الجسور خلف الشاشات!؟.. معليش يا روميو باشا، عليك بترنيمة: (مالى بمرسى ونجاد إن صافح أو لم يصافح! لمّة حبّيتك ما خذتى رأى الناس!). أولاً نسأله نجاد: (إن كانت المصافحة حرامًا، فهل الاحتفاظ بالجزر الإماراتية المحتلّة عُنوة بسلاح الشاه حلال؟).. والجواب قد يكون مخجلاً وضعيفًا، لأنه يعلم وقد يشهد بنفسه على أن الحلال أقوى، قوة الحلال تُعلّمنا كيف نقبل الهزيمة، نعترف بها لا ننكرها، نُظهرها لا نُبطنها، نستفيد منها ولا نخجل منها، وبالعقل وردّ الحلال لأهله قد نردّ الاعتبار ذلك الذى افتقدناه، فتولد علاقات جديدة متجددة بالمنطقة، ودون تجديد لتلك التجاعيد القديمة! وأما القاهرة التى ألبسوها يومًا الحجاب والنقاب باسم (المقاطعة)، فتخلّينا عن مصافحتها ولم تعُد لنا القاهرة إلى أن عُدنا لها بالمعانقة قبل المصافحة.. هى ذاتها اليوم ولأول مرة منذ 1989 بحجم رئيس جمهورية مصر العربية فى الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك، وهى ذاتها التى كان قد وصلها قبل أيام من واشنطن (ابن الحسين/باراك أوباما)، الرئيس الأمريكى بُعيد فوزه الانتخابات الرئاسية الأولى، وصلها سندباد بحريًا، ليخاطب العالم الإسلامى من ميكروفونات القاهرة (عاصمة المليون مئذنة).. القاهرة حيرتنى اليوم، ولعلها هى المحتارة أكثر فى مصافحة المرأة من عدمها، أتحافظ القاهرة بالأفندى الناصرى وقد أحيت ذكرى وفاة جمال عبد الناصر وبطربوش البشوات؟.. أم ستُلبسه جُبّة الأزهرى بلحية الدراويش؟! إن خير ما فعلتها جارة بنغازى الليبى (القاهرة)، أنها لم تتشنّج، لم تُعبّأ الشارع المصرى بالجماهير الغاضبة (على الفيلم المسىء لذات الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم)، لم تُحرّض على الهدم والتخريب، كما فعلتها صنعاء وتونس، والسودان وباكستان ودمشق، وعواصم أخرى قد تكون متأهبة لغد مجهول.. برُبّ ضارّ غير نافع! شعرتُ وكأن الأرض ابتلعتنى، والقاهرة تنشغل فى مثل هذا الوقت بفبركة (هل صافح الرئيس المصرى النساء فى نيويورك أم لم يصافح؟!).. وبيروت قبلها بتجميل أنف برلمانى سابق!.. وقبلهما عواصم أخرى بفبركة الفيلم المدسوس المتزامن بالجمعية العامة للأمم المتحدة!.. القاهرة نريدها قوية فى وجه لغة القوة، تعرف من يُشغل عواصمنا ببعضها يومًا بعد يوم؟، وتعرف من هو ذلك المجهول الذى يقوى عادة على حسابنا يومًا بعد يوم!.. تكذب القاهرة إن اعتقدت أنها تنجح لوحدها، وتكذب دمشق وطهران وأنقرة إن اعتقدن أنهن جئن القاهرة لإبراز قوة فردية ونفوذ سيادى على كل العرب!، هذا المثلث الثالوثى الأخير (إيران تركيا ومصر) بغياب السعودية، لن تمتد لهم يدٌ من السماء لتساعد سوريا من قاعة الأممالمتحدة، إن لم تنضمّ الأيادى كلها، وبينها اليد الدموية السورية بكل أطرافها إلى اليد الواحدة العليا بكل العواصم، ليست بقاهرة وطهران وأنقرة فحسب، بل وبالرياض وأبو ظبى وخرطوم والجزائر وتونس والرباط، وكل العواصم الحبيبة إلى قلوبنا.. والعواصم الحبيبة، هى العواصم الإسلامية كلها، معظمها بثمانين ومائة ومائتين مليون على التوالى من أمّة محمد، ويعنى عاصمة المليار ونصف المليار مسلم فى وجه 14 مليون يهودى يعاكسونا تارة بالفيلم الحارق المسىء وتارة أخرى بالرصاصة المسيئة الحارقة! المسلمون على وجه الأرض 1.7 مليار، فقط فى آسيا مليار، وبإفريقيا400 مليون، و44 مليونًا فى أوروبا،10ملايين فى الأمريكتين، يعنى ربع الكون مسلمون!.. إذن لماذا المسلمون دائمًا ضعفاء فى العالم وهم السواد الأعظم من العالم؟!.. والجواب طُرفة وهزارًا: (ذلك لأننا نصافح النساء!)، وفى الحقيقة (لكثرة الشوشرة والضجيج الاستعراضى فى الأضواء من جانب، وكثرة التعليم ودقة التنفيذ فى الخفاء من الجانب الآخر!). إذن، فلنعُد للجمعية العامة المقبلة بجميع تلك العواصم وليست بالقاهرة وحدها، ولندخلها القاعة برؤساء ربع الكون1.7 مليار بشر، ولكن.. ويا حبذا لو كنا دخلناها هذه المرة وكل من محمود عباس بخيشة طحين بلا طحين!، ودخلها مندوب سوريا بسلندر غاز بلا غاز!، ومندوب العراق بمولد كهرباء بلا كهرباء!، ومندوب اليمن بشباك أسماك بلا سمك!.. وذلك ليتفقوا فيما بينهم على العاصمة المليارية المقبلة طحينها من حبوب عواصمها، أسماكها من بحارها، والغاز والكهرباء وكل الطاقات مصادرها عواصمها.. وليتفقوا على ألا يعودوا مرة أخرى إلى تلك القاعة المغلقة فى نيويورك بشين (الشيخوخة) وجيم (الجُبن).. طالما نحن بشين (الشجاعة والشفافية) وبفضاءات تلك العواصم، لأن شعوبها اليوم تُفضّل الهواء الطلق على الغرف المغلقة.. أحمد إبراهيم (كاتب إماراتى) البريد الإلكترونى: [email protected]