المتأمل فى المشهد السياسى المصرى يرى حالة تشبه السعار أصابت مؤخرًا التيارات الكارهة للإسلام والمخاصمة لمنهج السماء من علمانية وليبرالية وقومية ويسارية... إلى آخر هذه الأسماء التى لا يجمعها شيء كما يجمعها العداء لإسلامية مصر وصعود تيارات الإسلام السياسى إلى صدارة المشهد. وكان آخر نوبات هذا السعار ما نرى، هذه التيارات الخاسرة تحتشد له من محاولات حثيثة لأشكال من الاندماجات والتحالفات والائتلافات والتى أراها لا تمثل خطرًا حقيقيًّا أو ذا بال على الحركات الإسلامية، بقدر ما أراها تمثل حافزًا ومنبهًا لتيارات الإسلام السياسى إلى حتمية الأخذ بروابط التوحد والائتلاف للوقوف صفًّا واحدًا وبنيانًا مرصوصًا فى مواجهة حمى ائتلافات التيارات العلمانية والمتمرغين فى أوحال الفلسفات السياسية الفاسدة الغازية. ولا شك أن ما بين الحركات الإسلامية من قواسم مشتركة جامعة بينها هى أكثر من أن تحصى، بصورة يرى معها المتأمل المتعمق أن ما بينها من مظاهر ضئيلة للاختلاف إنما تعنى ثراء الحركة الإسلامية وأن هذه الاختلافات الطفيفة هى اختلاف التنوع والتعدد وليس اختلاف التضاد، ولهذا أجزم – كما يجزم كل متعمق فيما وراء هذه الخلافات أو الاختلافات – أننا إذا حررنا النزاع سوف نجد أنه لا خلاف بين الحركات الإسلامية فى عمق منطلقاتها وغاياتها. هذا هو أهم دواعى التوحد والاصطفاف الذى ينادى الحركات الإسلامية إلى كلمة سواء توحد سبيلهم وجهودهم، والذى أراه لا يقل أهمية عن هذا الداعى هو أن أصحاب التيارات الفاسدة المنكرة لهدى السماء والمتربصين بهوية مصر الإسلامية يؤلمهم أن تكون مصر متوضئة ومتطهرة من رجس هذه الأفكار الغازية، ويقض مضاجعهم أن تكون مصر على اتصال وثيق بهدى السماء. ويكفى لكشف هذه الحقائق التعرف عن قرب إلى رموز هذا السعار المحموم وهم يلهثون فى لملمة تشرذم هؤلاء الكارهين للإسلام، لنرى حقيقتهم الفاضحة المفضوحة، حيث تربوا فى مزابل النظام الفاسد المقبور، وصاغتهم أجهزة أمن الطاغوت مبارك، بدءًا من (عراب إسرائيل) إلى (نصير الغزو الأمريكى الصهيونى لبلاد الإسلام) إلى حفنة أخرى من المجاهرين بعدائهم لصبغة مصر الإسلامية والمتقولين على الحرية بأباطيل من غوايات الانحلال والفساد الخلقى والقيمى والاجتماعى أمثال (مخرجة الفضائح). لهذا فإن الواجب الذى لا واجب قبله – فى هذا السياق – هو أن تعتصم الحركات الإسلامية بما فى أيديها من حبل الله المتين، وألا ينزلقوا إلى تعميق الخلافات الطفيفة فيما بينهم فتصبح متجذرة وعميقة، فى الوقت الذى لا أيسر فيه من تجاوزها والاستمساك بالقواسم المشتركة العريضة الثرية الوافرة فيما بينهم. والعبء المحمود الذى تضعه هذه الحالة وهذه المرحلة على رموز هذه الحركات المتوضئة الموصولة بمنهج السماء، أمثال المحدث الشيخ أبى إسحاق الحويني، ومحمد عبد المقصود، ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ود.محمد إسماعيل المقدم، والهيئة الشرعية بعلمائها، ودعاة الخير بالأزهر الشريف والساسة والمفكرين من الحركات الإسلامية، وعلى رأسهم د.محمد عمارة. فعلى هؤلاء الرموز أن يبقوا جذوة العزائم متوهجة، ويجمعوا الصفوف ليحشدوها فى مواجهة أعداء إسلام مصر وعروبتها وكل قيم تراثها وحضارتها، وأن يبتدئ هذا الحشد منذ هذه اللحظة، وأن يبقى متواصلًا لا تخبو شعلته المباركة، لأن أمام الحركات الإسلامية معركة قادمة هى بين فسطاطين: الحق والباطل، وساحة هذه المعركة هى الانتخابات البرلمانية القادمة، والتى يؤمل فيها الكثير لصياغة حضارية جديدة لمصر الإسلامية بعد أن تجاوزت بأقل الخسائر الممكنة المرحلة الانتقالية فيما بعد ثورتها المجيدة الظافرة. وما هذا إلا لأن صوتًا ما زال ينبعث مرتعشًا أحيانًا وصارخًا أحيانًا، ينطق به لسان حال هؤلاء الإلحاديين قائلًا ما حكاه عن أمثالهم رب العزة سبحانه: { أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}. لهذا فليس أنجع لمواجهة هؤلاء الفكرية من طهارة المتوضئين من أصحاب الحركات الإسلامية.