فى مصر هذه الأيام كل شىء جائز ، وكل ثلاثة أو أربعة أنفار يمكن أن يشكلوا ائتلافًا، يتحدث باسم الملايين ويعتبر نفسه تلقائيًّا المعبر الشرعى عن قطاع ضخم من الشعب المصرى، ومن العبث أن تسأل هؤلاء عن "مشروعية" تمثيلهم لهذا القطاع أو شرعية تحدّثهم باسم الآلاف أو الملايين من أبناء البلد، ولكن هذا حال مصر هذه الأيام والفوضى التى يتمدد فيها كل مُدَّعٍ. قبل أيام اجتمع مجموعة أصدقاء من العاملين فى مجال الفضائيات وقرروا أنهم يمثلون الإعلاميين المصريين، واختاروا أنفسهم بأنفسهم، وأعلنوا أنهم "قرروا" تشكيل مبادرة مِصرية لتطوير الإعلام أو حماية الإعلام، وأنهم أجروا انتخابات داخلية، فقرروا اختيار فلان أمينًا عامًّا للائتلاف أو المبادرة وفلانة الفلانية أمينة سر وفلان الفلانى المتحدث "الرسمى" باسم المبادرة!، وخد بالك من "الرسمى" هذه، الرابط الوحيد بين غالبية المشاركين فى المبادرة أنهم من العاملين فى "إعلام الفلول"، فجميعهم تقريبًا يعملون فى قنوات فضائية مملوكة لفلول نظام "مبارك"، والذين انتفخت كروشهم من المال الحرام، وجميعهم يعلمون أن الملايين السخية التى يحصلون عليها من تلك القنوات هى أموال نهب البنوك الوطنية أو سرقة أراضى الدولة، ومن ثم فإن يتحدث هؤلاء بوصْفهم "ائتلافًا ثوريًّا" يطالب بإصلاح الإعلام، فذلك يكون نوعًا من محاولة اختطاف الثورة أو غسيل السمعة. الملاحظة الثانية أن هؤلاء "المتآمرين" أو المؤتمرين حرصوا على أن يختاروا بدقة كل ما لا ينتمى إلى التيار الإسلامى، فهناك عشرات من مقدمى البرامج والعاملين فى الفضائيات من أصحاب التوجه الإسلامى لم يدْعُهم أحد؛ لأنهم "إسلاميون"، ومقتضيات "التكفير الإعلامى" تستدعى أن لا يشاركوهم فى هذا الائتلاف أو أن يكون لهم حضور أو صورة، ووصل الفجور بهم أن يدعو إعلاميًّا مثل محمود الوروارى، رغم أنه يعمل فى فضائية "العربية" غير المصرية، ورفضوا أن يدْعوا خالد عبد الله، رغم أنه يعمل فى فضائية "الناس" المصرية، فقط هناك شخص واحد من الإخوان المسلمين دعوه ، لزوم ذَرّ الرماد فى العيون أو الحفاظ على جسر مع البرلمان، كذلك حرص القائمون على هذه المبادرة "التكفيرية" على أن يستبعدوا رموزًا إعلامية فضائية لمجرد أنهم يختلفون معهم فى الرأى أو الموقف السياسى، كما تدخَّل "كيد النِّسا" فى استبعاد إعلاميات يقدّمن برامج بارزة، مثل استبعادهم الإعلامية "رانيا بدوى" مقدمة برنامج "فى الميدان" بقناة التحرير، ودعوا بدلاً منها "دينا عبد الرحمن"، رغم أن دينا عاطلة عن العمل الآن، بينما الإعلامية الحالية "رانيا" هى مقدمة البرنامج، لكن مراعاة لمشاعر دينا رفضوا دعوة رانيا، وهذه هى العقلية والنفسية التى يريدون بها تطوير الإعلام. بديهى أن الإعلام المصرى فى حاجة إلى التطوير، لكنه قبل التطوير بحاجة ماسة إلى "التطهير"، وأجزم بأن تسعين فى المائة ممن شاركوا فى هذا اللقاء هم من "الأدران"، التى ينبغى أن يتطهر منها الإعلام المصرى قبل التفكير فى تطويره. [email protected]