لأننا – فيما يبدو – مثل أبناء الجارية السوداء، لم يحفل السادة المسئولون فى الجمعية التأسيسية للدستور بأن يسمعوا رأى أمثالنا فى المواد التى تختص بالتعليم، ومع ذلك، فما إن قرأنا فى عدد الأخبار 20 سبتمبر حتى هرعنا إلى تسجيل رأينا فى المقال الحالى، قياما بواجب الشهادة التى أنذرنا المولى عز وجل بأن من يكتمها فإنه آثم قلبه. ويستغرق التعليم المواد من 21 حتى 27. ولا أدرى حقا الحكمة من وراء اختصاص التعليم الفنى فى المادة 21 بالرعاية والاهتمام، رغم إيماننا بأن هذا التعليم لم يلق ما يستحقه من هذه الرعاية والاهتمام، وإلا لكان من حق أنواع أخرى من التعليم أن تطلب الاهتمام نفسه، مثل التعليم الدينى، والتعليم الطبى، بل وكان علينا أن نبدى دهشتنا من أن تظل مرحلة رياض الأطفال خارج نظام التعليم، فى زمن أصبحت فيه الكثرة من الأمهات يعملن؟ وكم أنا فى شوق لأن أعرف: هل أُبدى هذا الاهتمام بالتعليم الفنى قبل تولى وزير التربية – المتخصص فى التعليم الفنى - الوزارة أم بعده؟! وإذا كانت المادة 22 تؤكد أن "التعليم فى مؤسسات الدولة مجانى فى مراحله المختلفة، وهو إلزامى فى مرحلة التعليم الأساسى، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى"، فإن هذه الصياغة تزيل اللبس الذى حدث من قبل حيث نشرت بعض الصحف هذا البند بصيغة "التعليم فى مؤسسات الدولة مجانى وهو إلزامى فى مرحلة التعليم الأساسى"، مما أدى إلى أن يفهم البعض من ذلك التراجع عن مجانية التعليم وقصرها على التعليم الأساسى، مع أنه حتى مع هذه الصيغة فإن الإشارة إلى مرحلة التعليم الإلزامى تعنى الإلزام فقط ولا تعنى مدة المجانية. نقول هذا، لأن محاميا كبيرا راح يخطب فى إحدى القنوات باكيا على ما تصوره من إلغاء المجانية، على الرغم من أن ضيفا آخر كان حاضرا حاول أن يصوب فهم المحامى الكبير، لكن حالة التربص التى عليها البعض فى المرحلة الحالية، تدفعهم دفعا إلى أن يروا الأمور بالمنظار الذى يلبسونه، حتى يبرروا لأنفسهم وللناس "لطم الخدود" حزنا على ميت موهوم!! بل لقد حدث ما لا يقل عن ذلك أسفا، أن أستاذا أحترمه كان يناقش رسالة ماجستير، أبدى أسفه فى أثناء المناقشة - مع أن هذا لا علاقة له بموضوع الرسالة - حيث إن لجنة الدستور قررت إلغاء مجانية التعليم، وأن هذا من تداعيات حكم الإسلاميين، مع أن هذا الذى قاله غير صحيح لا من قريب ولا من بعيد!! وحسنا ما أكدت عليه المادة 24 من إصرار على الاهتمام باللغة العربية، لكننا كنا نود النص على أن يكون التعليم باللغة العربية كذلك، ما عدا بعض الحالات التى يحددها القانون، حيث زحف التدريس بلغة أجنبية إلى الدرجة التى أدت إلى تراجع اللغة العربية، ووصل الأمر إلى أننا نعانى مأساة كبرى، ونحن نقرأ رسائل الماجستير والدكتوراه من سوء عربيتها، وتعزز نظم الدراسات العليا فى الجامعات هذا مع الأسف الشديد، حيث تشترط الحصول على شهادة بإتقان اللغة الأجنبية، ولا تشترط ذلك بالنسبة للعربية، لأنه من المفترض أن يتقنها الطالب، فماذا إذا كان هذا لم يعد قائما؟! ولا أدرى حقا الحكمة من هذا النص الذى تضمنته المادة 24، من "تلتزم الجامعات بتدريس القيم والأخلاق اللازمة للتخصصات المختلفة"، وملاحظتنا عليه تتأتى من زاويتين: الأولى: إذا كان المقصود هو ما نتعارف عليه مما يسمى "بأخلاقيات العلم"، فإن القيم والأخلاقيات بصفة عامة، ليست مما يتم "تدريسه" كما يقول النص، حيث إن "التدريس" يعنى وقتا محددا يتمثل فى "حصة" أو "محاضرة"، ومقرر، ومعلم، وامتحان، وإنما هى مما يتم "تشريبه"، واكتسابه من خلال مناخ وبيئة تقوم على الأخلاقيات بصفة عامة، فضلا عن وجود قدوة يتمثل فى سلوكها الكثير من هذه الأخلاقيات المنشودة. الثانية: إن سنوات التكوين الأولى طوال مرحلة التعليم الأساسى (ابتدائى وإعدادى) هى الأوْلى بإرساء حجر الأساس للقيم والأخلاقيات بصفة عامة، وإذا قيل إن المقصود هنا "قيم وأخلاقيات العلم"، قلنا إن الأخلاقيات وحدة متكاملة لا تتجزأ: القيم والأخلاقيات العامة، وأخلاقيات العلم. وإذا كان جميلا أن تبدى المادة 25 بقضية الأمية، لكن المفروض أن الأمية حالة مؤقتة، ونحن نعرف أن الدستور يهتم بالمبادئ والقواعد الكلية العامة ذات الاستمرارية، فماذا لو صدقنا الوعد، ووضعت الدولة خطة لمحو الأمية وتحقق هذا بالفعل خلال خمس سنوات، وهو أمر ليس خياليا، حيث لجمهورية "كوبا" تجربة فريدة فى ذلك، عندما استطاعت أن تمحو الأمية فى عام واحد، هل نعدل وقتها الدستور؟ وجميل أن تختص المادة 26 بأمر المعلم، لكننا كنا نأمل أن يتسع أفق القضية، فلا يقتصر على المعاملة المالية وحدها، مع الوعى بخطورتها وأهميتها، ومن ثم يزيد على هذا بأن ينص على العمل على التكوين العلمى والتربوى الشامل الكفء للمعلم، فإعداد المعلم لا يقل أهمية عن التعليم الفنى الذى اختص بنص فريد. وإذا قيل إن إعداد المعلم هو جزء من منظومة الإعداد الجامعى الكلية العامة، قلنا إن إعداد المعلم يحتاج إلى الاختصاص لأنه هو الذى يؤسس للتنشئة الكلية لملايين الطلاب، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا، وصدقت مقولة عالم الإحصاء الكبير الراحل: الدكتور أحمد عبادة سرحان، عندما قال إن كليات التربية هى سبب أزمة التعليم فى مصر، كما أنها هى المدخل إلى الحل!! وقد سعدنا حقا بما تضمنته المادة 27 القاضية بإنشاء مجلس قومى للتعليم، حيث كتبنا فى ذلك أكثر من مرة منذ أكثر من عام، لكننا نخشى أن يلتبس الأمر لدى كثيرين بأن هذا يكرر ما كان من إنشاء أبرز المجالس القومية وهو الخاص بالتعليم. وفضلا عن ذلك، فإن المسألة ليست مجرد إنشاء مجلس قومى للتعليم، ولكنها تكمن فى تبعيته، بأن يكون تابعا لرئاسة الجمهورية، وأن تكون كل من وزارتى التربية والتعليم العالى جهتى تنفيذ بالنسبة له.