بعد مفاوضات واجتماعات وزيارات امتدت لسنوات، أعلنت وزارة الري والموارد المائية مؤخرًا، تعثر مفاوضات «سد النهضة»، وذلك عقب رفض الجانب الإثيوبي، اقتراحًا قدمته مصر لتشغيل السد. رفض إثيوبيا، للمقترح المصري جاء خلال الاجتماع الذي تم عقده يومي 15 و16 سبتمبر الجاري في القاهرة، والذي حضره وزراء المياه وأعضاء اللجان المختصة من مصر وإثيوبيا والسودان. وفي مؤتمر صحفي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وصف سيلشي بيكيلي، وزير المياه والري والطاقة، خطة مصر بما في ذلك حجم المياه التي تريد أن يسمح السد بتصريفها سنويًا بأنها «غير مناسبة»، معلنًا رفض بلاده للاقتراح الذي قدمته مصر لتشغيل سد النهضة الذي تبنيه على نهر النيل. وقال: «الاقتراح المقدم من مصر تقرر من جانب واحد، ولم يأخذ بعين الاعتبار اتفاقياتنا السابقة، لا يمكن أن نوافق على ذلك سنعد اقتراحنا»، مضيفًا: «الخبير المصري لا يمكنه السيطرة على سدنا»، واصفًا الخطة المصرية بأنها انتهاك محتمل لسيادة إثيوبيا. ولم يذكر سيلشي كمية المياه التي ترغب إثيوبيا في تصريفها، لكن مصر تريد تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من السد سنويًا. وقالت إثيوبيا إن السد سيبدأ إنتاج الطاقة بحلول نهاية عام 2020، وسيعمل بكامل طاقته بحلول عام 2022. من جانبها، قالت وزارة الموارد المائية والري المصرية، إن اجتماع وزراء المياه وأعضاء اللجان المختصة من مصر وإثيوبيا والسودان، لم يتطرق إلى الجوانب الفنية بسبب ما وصفته ب«تعنت أديس أبابا». ووفقًا لبيان صدر عن الوزارة، فقد عقد يومي 15 و16 سبتمبر في العاصمة المصرية القاهرة، اجتماع اقتصر على مناقشة الجوانب الإجرائية والتداول حول جدول أعمال الاجتماع، دون مناقشة المسائل الموضوعية، وذلك بسبب تمسك إثيوبيا برفض مناقشة الطرح الذي سبق وأن قدمته مصر للبلدين. وأشارت إلى أنه «في ضوء هذا التعثر، فلم يتسن إلا أن تقرر عقد اجتماع عاجل للمجموعة العلمية المستقلة في الخرطوم خلال الفترة من 30 سبتمبر إلى 3 أكتوبر 2019، لبحث المقترح المصري لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة وكذلك مقترحات إثيوبيا والسودان». وتابعت «على أن يعقبه مباشرة اجتماع لوزراء المياه بالدول الثلاث يومي 4-5 أكتوبر 2019 لإقرار مواضع الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة». وأكدت الوزارة في البيان أن مصر «ترى أهمية أن ينخرط الجانب الإثيوبي في مفاوضات فنية جادة خلال الاجتماعات القادمة التي تقرر عقدها في الخرطوم على أساس من حسن النية، بما يؤدى إلى التوصل لاتفاق في أقرب فرصة ممكنة يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، وفق أحكام اتفاق إعلان المبادئ الموقع في الخرطوم يوم 23 مارس 2015». وعلى مدار 8 سنوات دخلت مصر والسودان وإثيوبيا في أكثر من 20 اجتماع على المستوى الوزاري وعشرات الاجتماعات الفنية والزيارات المتبادلة بين الثلاث دول دون نتيجة. الدكتور عباس شراقي، مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية بإفريقيا بمعهد بحوث الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، اعتبر رفض إثيوبيا للمقترح المصري «امتدادًا للمراوغة التي تتبعها أديس أبابا منذ بدء المفاوضات، إذ أنها لم تستجب للكثير من المطالب المصرية». وفي تصريحات إلى «المصريون»، أضاف «شراقي»: «مصر تحلت كثيرًا بحسن النوايا وكذلك اتسمت بالمرونة في كثير منها، تنازلت عن أشياء ولكننا اعتبرناها مرونة حتى تسير الأمور لكن على ما يبدو أن الجانب الإثيوبي لم يقدر كل هذا ولا زال يمارس التعنت والمراوغة». ولفت إلى أن «مصر تريد أن يكون هناك تصريف معين عند بدء تشغيل وملء السد، فيما تريد إثيوبيا أن يكون الأمر حسب رغبتها وكيفما تشاء وهذا بالطبع لا يمكن ولا يرضاه أحد، حيث لا يجوز أن تحدد هي الآلية التي تراها مناسبة لملء السد». وأشار إلى أن «مصر ترى إمكانية حجز 10 مليار متر مكعب أي ما يعادل 20% من المياه، مقابل السماح بتصريف نحو 40 مليار متر مكعب». وأوضح أن «كمية المياه التي ستمر من السد عند بدء التشغيل نحتاج إلى الاتفاق عليها بنسبة من إلى حسب حالة الأمطار وليس كما تريد إثيوبيا، فهذا لابد أن يكون باتفاقية رسمية دولية». مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية بإفريقيا، قال إن «مصر عليها انتظار الاجتماع القادم وما سيسفر عنه، وإذا استمر التعنت من الجانب الإثيوبي فعلى مصر اتخاذ خطوات أكثر فعالية، ولابد أن لا يقتصر الأمر على الخطوة التي اتخذتها قبل أيام والخاصة باللجوء لجامعة الدول العربية». وأشار إلى أن «مصر عليها بعد ذلك عرض الأمر على الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية المختلفة، كما عليها عرض كافة المستندات والأوراق التي توضح من خلالها كافة الخطوات والإجراءات التي قامت بها من أجل المسألة، إضافة إلى عرض مراوغة الجانب الإثيوبي وتعنته المستمر». بدوره، قال السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن «تراخي مصر في المفاوضات، وعدم اتخاذها لموقف حاسم إزاء تعديات الجانب الإثيوبي جعله يمتد في إجراءاته المضرة بمصر وبالشعب المصري»، معتبرًا أنه لم يكن هناك جدية من مصر لحل الأزمة وإنهائها. وأضاف ل«المصريون»، أن «مصر ليس لديها الآن مقدرة على حل القضية، واللجوء للمؤسسات الدولية المختلفة لن يحل الأزمة بل سيبقيها مستمرة كما هي». وأبدى مساعد وزير الخارجية الأسبق، استعداده لتحمل مسؤولية حل ملف سد النهضة، قائلًا: «بغض النظر عن الخلاف فإذا كانت مصر تريد إنهاء أزمة ملف السد، فأنا على استعداد لتحمل الملف وإن شاء الله سأنهي الأزمة وليس لهم علاقة كيف سأفعل ذلك، لكن لابد توافر الإرادة لديهم». من جانبها، قالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية: «من الواضح أنه هناك خطة تحرك مصرية مدروسة خلال الفترة الحالية بشأن ملف المياه وسد النهضة، من خلال محاولة كسب تأييد المواقف العربية والأفريقية والدولية للرؤية المصرية». وتابعت: «كما أن التحرك المصري يهدف أيضا إلى محاولة حلحلة الموقف وعدم استغلال الوضع الموجود في السودان وتوقف المزيد من المماطلة، لا سيما وأن مصر تقدمت ببدائل كثيرة الآن لم يتم تبنى أي منها من الجانب الإثيوبي». واستدركت: «مصر عرضت العديد من البدائل لتوليد الطاقة وأسلوب تخزين المياه، غير أن الجانب الإثيوبي لم يتخذ أي خطوة في هذا الموضوع، ويوجد تعثر في المفاوضات، ولا يصح أن ننتظر خمس سنوات أخرى في إجراء مفاوضات لكي نصل لاتفاق في الوقت الذي تستمر فيه إثيوبيا في بناء السد». وأكدت عمر أنه «لن تكون هناك مواجهة عسكرية بين القاهرةوأديس أبابا»، مضيفة: «هناك قرارات كثيرة يمكن اتخاذها مثلما تحركت مصر خلال الفترة الماضية واستطاعت وقف تمويل بناء السد، لكن الآن هناك وثيقة تم توقيعها من قبل الرؤساء الثلاثة (مصر، إثيوبيا، السودان) وملزمة للدول الثلاثة وبمقتضى هذه الوثيقة يوجد قدر من التعاون المطلوب لتحقيق مصالح الشعوب الثلاثة».