«مستقبل وطن» ينظم احتفالية جماهيرية لإحياء ذكرى ثورة 23 يوليو بالإسكندرية| صور    فتح باب التسجيل لاختبار القدرات بجامعة الأزهر.. الاثنين المقبل    انخفاض سعر الجنيه الذهب اليوم الأربعاء 23 يوليو بالتعاملات المسائية    «تنظيم الاتصالات» يقر تعويض عملاء فودافون المتأثرين من عطل الشبكة الثلاثاء    مع اختتام محادثات إسطنبول.. أوكرانيا وروسيا تنفذان عملية تبادل أسرى جديدة    استشهاد نحو 12 فلسطينيًا في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: لا بد من عقوبات موجعة لوقف جرائم الاحتلال    الخطيب يخضع لفحوصات طبية جديدة في باريس    ليفربول يتعاقد رسميا مع الفرنسي هوجو إيكيتيكي    ضبط سائق توك توك دهس «مسن» وتسبب في وفاته بالشرقية| فيديو    فريد النقراشي: «الجميع يقدم في الملك وأنا أداء استعراضي بخلافي»| خاص    أحمد سعد يطلق "اتك اتك" رابع أغنيات الوش الثاني من "بيستهبل" |فيديو    تصالحوا على الهواء.. المواجهة الأولى بين مصطفى كامل وراغب علامة    «سلاح البر مفتاح الحسم».. رئيس الأركان الإسرائيلي: نعمل في طهران وبيروت ودمشق وغزة    «بعد طلب وزير خارجية الاحتلال».. هل ستصنف أوكرانيا الحرس الثوري الإيراني «منظمة إرهابية»؟    بدء طرح الوطنية للطباعة بالبورصة 27 يوليو بسعر 21.25 جنيه للسهم    مدبولى يعلن بدء إجراءات تطبيق قانون الإيجار القديم: «لن يضار أي مواطن» (فيديو)    بيراميدز يعلن خوضه مواجهة ودية جديدة في معسكر تركيا    السد القطري يضم فيرمينو    رسميًا.. أتلتيكو مدريد يعلن حسم صفقة هانكو    ناجى الشهابي: ثورة 23يوليو ما زالت ملهمة للسياسة الوطنية رغم محاولات التشويه    الفرحة بتطل من عنيهم.. لحظة خروج 1056 نزيلًا بعفو رئاسي في ذكرى 23 يوليو    «كرسن حياتهن للخدمة الروحية».. البابا تواضروس يلتقي أرامل الكهنة المتنيحين في الإسكندرية    مدبولي يبحث مع وكلاء ماركات عالمية ضخ استثمارات في مصر ودعم سياحة التسوق    مروحية إيرانية تعترض مدمّرة أمريكية في بحر عمان    في عيد ميلاده.. أحمد عز يتصدر قائمة الأعلى إيرادًا بتاريخ السينما المصرية    المركز القومي للبحوث يحصد 5 من جوائز الدولة لعام 2024    أول تعليق من أسماء أبو اليزيد بعد الحلقة الأخيرة لمسلسل "فات الميعاد"    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    تحدث في معدتك- 5 أعراض لمرض الكبد الدهني احذرها    رئيس الجامعة البريطانية في مصر يكرّم السفير جاريث بايلي تقديرًا لدعمه للتعاون المشترك    «الريس عبدالواحد»    أوريول روميو يقترب من الرحيل عن برشلونة    الكنيست يوافق على قرار لفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة وغور الأردن    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    منهم برج الدلو والحوت.. الأبراج الأكثر حظًا في الحياة العاطفية في شهر أغسطس 2025    «الأسانسير وقع بيهم».. إصابة 3 أشخاص داخل مزرعة دواجن بالدقهلية    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    أهم أخبار السعودية اليوم الأربعاء.. وفد اقتصادي يزور سوريا    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    أفضل الوسائل الطبيعية، للتخلص من دهون البطن في أسرع وقت    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    تمكين المرأة الريفية    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جحا المسلم.. وفضيلة الصمت
نشر في المصريون يوم 15 - 09 - 2012

بعكس ما قد يرى كثيرون، فإنى لا أراها حماقة من جحا أن يحمل الحمار مع ابنه ويسيران به فى الطرقات، بعد أن أرهقهما الناس عنتًا وتهجمًا ونقدًا أيًّا ما كان سلوكهما، فعندما ركبا الحمار فى أول الأمر انتقدهما الناس ورأوا سلوكهما قسوة على الحمار الضعيف، وعندما ركب جحا وسار ابنه إلى جواره انتقدهما الناس ورأوا جحا أنانيًّا، ومؤثرًا نفسه بالراحة عن ابنه الصغير، وعندما ركب الابن وسار جحا انتقدوهما لعقوق الولد وقلة احترامه لأبيه، وعندما سارا معًا ولم يركبا الحمار انتقدوهما ورأوهما قليلى العقل؛ لأن لهما حمارًا ويسيران على أقدامهما فلا يركبانه.. وهنا كان تصرف (جحا) صرخة احتجاج فى وجه هذا الإسراف فى النقد والاستعداد السابق للتهجم، فحمل الحمار مع ابنه وسارا به فى مشهد عبثى يتسق تمامًا مع عبثية موقف الناس منهما.
ربما لم تكن الحماقة من جحا فى أن يحمل الحمار، ولكنها كانت فى انشغاله بالناس، وبما سيقولون إِنْ تصرف على هذا النحو أو غيره.. وما أشبه حال الحركات الإسلامية فى مصر الآن بحال جحا فى هذه النادرة التى توارثها المأثور الشعبى، فالتيارات المناقضة للفكرة الإسلامية وللمشروع السياسى الإسلامى من ليبرالية وعلمانية وقومية، تقف على أهبة الاستعداد والتربص لأى موقف أو مسلك لأى تيار من تيارات الإسلام السياسى، وقد شمرت عن سواعد جدها ونزلت إلى الساحة السياسية بثقل غير سابق فى تاريخ الحياة السياسية فى مصر.. فالهجوم على التيارات الإسلامية جاهز وانتقادها أشبه بالوتر المشدود، ولا شىء سيصدر عن الحركات الإسلامية إلا وله وجه من النقد معلّب وسابق التجهيز، ولا سبيل لأن يرخى وتر النقد المشدود حتى بانسحاب التيارات الإسلامية من الحياة السياسية.. وإن أقرب الشواهد على ذلك هو الموقف من التأسيسية الأولى للدستور، حيث امتثل أعضاؤها – وأغلبهم من الحركات الإسلامية – لحكم محكمة القضاء الإدارى، ولم يطعنوا عليه أمام الإدارية العليا، رغم أن طعنهم كان مرجح القبول والحكم مجددًا بإلغاء حكم مجلس الدولة، ولكنهم – إيثارًا لأقصى قدر من التوافق مع ألوان الطيف السياسى فى مصر – قد انصرفوا إلى تشكيل التأسيسية الثانية، وقد تلاشوا فى تشكيلها كل ما وجه إلى التأسيسية الأولى من أوجه النقد، فهنا انقسم المتهجمون ما بين (متصلب) عند أوجه النقد القديمة التى كيلت للتأسيسية الأولى، وما بين سابق للأحداث ومنتقد لمواد الدستور نفسها وهى لم تزل بعد فى طور الأفكار العامة ولم تصل إلى مرحلة الصياغة النهائية، ولم يقل الشعب كلمته الأخيرة فيها.
ولضيق الحيز المتاح للمقال سأكتفى برصد موجز لمظاهر الاستعداد السابق للهجوم ونقد الحركات الإسلامية، فمنها تلك الضجة التى صاحبت مقتل طالب الهندسة منذ شهور قليلة على أيدى بعض الشبان الملتحين الذين جرى إلصاقهم بالحركات الإسلامية السياسية عنوة، ليكونوا مادة خصبة للهجوم الشرس عليها.. فلما تكشفت الحقائق عن أن هؤلاء الشبان لا انتماء سياسيًّا لأى منهم لأى تيار سياسى، لم يكلف أحد المتنطعين المتهجمين على الإسلاميين نفسه بفضيلة الاعتذار عما صبه على الإسلاميين من هجوم وتبجح ضاريين.. ومن ذلك أيضًا ما لم تزل تلوكه أفواههم عن (أخونة) الدولة والاستيلاء على مفاصلها، وشاهدهم السخيف فى ذلك أن أربعة وزراء من بين واحد وثلاثين وزيرًا هم من جماعة الإخوان أو من حزب الحرية والعدالة!!، أو يقال عن المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى يشكل كل أصحاب الحركات الإسلامية (فى مصر الإسلامية) أقل من ثلث أعضائه.
ولم يعدم الواقع العبثى لنقد الإسلاميين أمثلة أخرى تنصب على قرارات ومواقف الرئيس محمد مرسى نفسه؛ فإزاء قرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين فى السجون المصرية، قال من كانوا بالأمس يتصايحون بإلغاء قانون الطوارئ ومحو آثاره (ومنها الاعتقالات العشوائية) إن الرئيس قد أخرج القتلة والمجرمين من السجون، وإزاء دراسة الإفراج عن المحاكمين عسكريًّا من المدنيين قالوا إن مؤسسة الرئاسة تتغول على السلطة القضائية فى الدولة.. وحتى عندما اتصل (بالمشخصاتية) إلهام شاهين (لتطييب خاطرها) بعدما تعرضت له من هجوم كانت هى السبب فيه، حيث قالت فى تهجم وانتقاص من شأن علو المد الإسلامى فى الحياة السياسية فى مصر: لو جرت (أسلمة) الدولة المصرية فسأغادرها إلى بلد آخر!.. فحين اتصل بها لم يسلم من النقد، فقيل إن اتصاله بها غير كاف، وكأن الرجل مطالب (بشنق) من بادلها الهجوم بالهجوم فى معركة هى معركة رأى بالدرجة الأولى.. وهكذا فأيًّا ما كان التصرف الذى سيكون عليه موقف الإسلاميين فهم مستهدفون بالانتقاد إلى حد التجريح والتخوين والاتهامات الجزافية بل العبثية المتناقضة.
فالحذر كل الحذر هو ما يتوجب على الإسلاميين كى لا ينشغلوا كما انشغل جحا بالرد على هذه الانتقادات الجاهزة، لأنها لا نهاية لها، وستوقع المسيرة فى دائرة مفرغة من الفعل ورد الفعل، وتصرف الهمم عن قضايا الواقع الاجتماعى والسياسى.. وهذا هو بيت القصيد فى حماقة جحا، وهذا هو الموقف العبثى الذى تقود إليه مهاترات النقد من جانب التيارات المدنية، والدفاع ضد هذه الانتقادات من جانب الإسلاميين.
لهذا، فإن الأولى بالإسلاميين هو الانكباب على التطبيق العملى الواقعى الفعلى الحقيقى لمشروعهم النهضوى الإسلامى، هذا المشروع الذى أحدث زلزالاً فى الحياة السياسية وهو لم يزل نظريًّا فكريًّا، فاستحوذ على ثقة وطمأنينة المواطن المصرى المسلم هوية وثقافة وتراثًا، فمنحه تأييده فى أولى الجولات الانتخابية فى ظاهرة أربكت كل حسابات مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأى.. فلم يبق بعد ذلك إلا أن ينشغل أصحاب هذا المشروع الجليل بالهم الأهم، وهو سبر الفجوة وعبور الجسر بين أفق النظرية الفكرى، وواقعها المعيش.
لقد شهد القرنان الماضيان وفرة تصل إلى حد الفوضى من النظريات وتيارات الاجتماع السياسى، نظريات كانت براقة، وهى طور المشاريع والأطروحات الفكرية، ولكنها حين انصهرت فى معترك الواقع؛ فقد تلاشت واضمحلت وتقزمت، ولم تبق منها إلا أصداء فى جوف التاريخ.. وليس هكذا الإسلام، لأن النظرية السياسية الإسلامية هى منهج الحياة الأصلح لكان زمان ومكان، هكذا هى حين ينظر إليها كبنيان فكرى، وكنظرية معرفية فى السياسة والاجتماع والاقتصاد والعسكرية، وهذا ما أثبتته هذه النظرية فى وهلات التاريخ القليلة التى أتيح لها فيها أن تعمل فى معترك الحياة؛ لتقف وهلات التاريخ المضيئة بضياء النظرية الإسلامية خير شاهد على مصداقية وجدارة الشريعة الإسلامية ومنهجها للحياة، وهو ما يجب أن يكون الشغل الشاغل لطلائع الحركات الإسلامية، وهى ترسى اللبنات الأولى فى صرح التطبيق العملى للفكرة الإسلامية، فلا تتبدد طاقاتهم فى جدل أشبه بالجدل البيزنطى العقيم، لأن رجال التيارات الإسلامية هم أعرف الناس بظلال الهدى العظيم فى قول الله سبحانه: { قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِى فَعَلَيْهَا وَمَا أنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.