في روايته الساخرة (يوميات نائب في الأرياف) و التي تصف بدقة عمق الريف المصري في الأربعينيات من القرن الماضي يدير توفيق الحكيم هذا الحوار مع مأمور القرية: -و الانتخابات يا حضرة المأمور؟ -عال... -ماشيه بالأصول؟ -فنظر إليّ ملياً و قال في مزاح كمزاحي: نضحك على بعض، فيه في الدنيا انتخابات بالأصول! فضحكت و قلت: قصدي بالأصول، مظاهر الأصول. -إن كان هكذا، اطمئن ثم سكت قليلاً، و قال في قوة و خيلاء: هل تصدق بالله، أنا مأمور مركز بالشرف، أنا لم أتدخل في انتخابات في عمري كله، و لا أضغط على حرية الأهالي، و لا قلت: انتخبوا هذا و اسقطوا هذا، فقاطعت المأمور و أنا لا أملك نفسي من الإعجاب: -شيء عظيم، و لكن هذا الكلام خطير على منصبك، أنت هكذا رجل عظيم، فمضى المأمور يقول: -هذه طريقي، الحرية المطلقة، أترك الناس تنتخب على كيفها، و بعدئذ أقوم بكل بساطة شايل صندوق الأصوات و أرميه في الترعة، و أروح واضع بدلاً عنه الصندوق الذي (وضبناه) على مهلنا. -شيء جميل...!! هذه السخرية اللاذعة على ما يجري في بلادنا من تزوير و تلفيق في الانتخابات ما تزال كما وصفها توفيق الحكيم مع بعض التحوير و التزويق و ليس بالطريقة الفجة و الصريحة التي قام بها مأمور القرية. هل هذه الشعوب لا تحب الحرية الحقيقية، أو لا تحب المشاركة السياسية بهذه الطريقة؟ المشكلة أن هذه الديمقراطية المستوردة من أوروبا دون زيادة أو نقصان قد لا تناسب شعوبنا التي لم تترسخ فيها المفاهيم السياسية، و ما تزال القبلية و العائلية و المدينية و الريفية و غيرها من الأسباب مما تبعد الإنسان عن المشاركة السياسية الحقيقية. و قبل كل هذا فإننا كمسلمين عندنا نظام يختلف عن اختلافاً كبيراً عن النظم الغربية، عندنا الشورى مهما قبل في عدم وضوح تفصيلاتها، فإنها أفضل من هذه الديمقراطية. و لا يعني هذا القبول بالديكتاتورية و الاستبداد الذي يفسد كل شيء في حياة الإنسان. و لذلك لا بد من إيجاد طريق ثالث يناسب و ثقافتنا و هويتنا و مجتمعنا. إن رجال السياسة في الأنظمة الموجودة الآن في بلادنا ليسوا رجال دولة، فكل تخطيطهم هو النجاح في الانتخابات بينما السياسة هي التخطيط لمصلحة الأمة و الأجيال القادمة.