عاجل|عدم تجديد التراخيص للمصانع خارج المناطق الصناعية يفرض اعباء جديدة على مصنعين الغزل والنسيج    عاجل- تليفزيون "بريكس" يبرز مشاركة السيسي في احتفالات النصر بروسيا ويكشف تفاصيل لقاء مرتقب مع بوتين    القبض على عاطل فرض «إتاوات» على السائقين بالسلام    الصحة: مصر تمتلك واحدة من أقوى برامج التطعيمات ورصد الأمراض المعدية    "نجوم الساحل" يعلنون بداية فصل الصيف بطريقتهم الخاصة مع منى الشاذلي غدًا    السجن المشدد 6 سنوات لعامل بتهمة الإتجار فى المخدرات بقنا    وزير الصحة والسكان يناقش مشروع موازنة قطاع الصحة للعام المالي 2026/2025    الأسباب والأعراض    7 مايو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    خلال أيام.. صرف مرتبات شهر مايو 2025 للموظفين وفقًا لبيان وزارة المالية    قانون الإيجار القديم أمام البرلمان.. الحكم الدستوري لا يحرر العلاقة بل ينظمها بعد عقود من الظلم    وزارة التنمية تبحث الإستفادة من المنتجات غير المصرفية بالتعاون مع الرقابة المالية    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن 70 وظيفة شاغرة    استشهاد 22 فلسطينيا فى قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع جنوب آسيا وتدعو الهند وباكستان للتهدئة    موعد مباراة باريس سان جيرمان وآرسنال بدوري أبطال أوروبا    «ليه نستنى نتائج الأهلي؟».. طارق يحيى ينتقد تأخر صدور قرارات لجنة التظلمات حول أزمة القمة    دي يونج: وداع دوري الأبطال محبط وعلينا التركيز على لقب الدوري    صيدلة بني سويف الأهلية تنظم يومًا علميًا يجسد مهارات التواصل وتكامل التخصصات    رابط الاستعلام عن موعد امتحان المتقدمين لوظيفة حرفي رصف وسائق بالهيئة العامة للطرق والكباري    إصابة شاب إثر انقلاب ملاكي داخل ترعة بقنا    تطورات حادث خط الغاز بطريق الواحات: ارتفاع عدد الوفيات ل6.. والنيابة تبحث عن الجاني    تحرير 507 مخالفات لعدم ارتداء خوذة وسحب 934 رخصة قيادة خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط: ضبط مشروبات غازية غير صالحة وتحرير 382 محضر خلال حملات تموينية    تعرف على مدة الدراسة فى الترم الأول بالعام الدراسى الجديد 2026    رئيس جامعة القاهرة يفتتح المؤتمر الدولي لكلية الصيدلة    حظك اليوم.. مواليد هذه الأبراج «شباب دائم» لا تظهر عليهم الشيخوخة هل أنت من بينهم؟    فتح باب التقديم لمشاريع "ملتقى القاهرة السينمائي".. تعرف على قائمة الشروط    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    الطيب صالح و«بيضة الديك»!    امتنعت عن المخدرات وتوبت توبة نصوحة.. وائل غنيم: أعتذر لكل من أخطأت في حقهم    البابا تواضروس خلال محاضرة بالقصر الرئاسي بصربيا: «دعونا نبني جسورًا لا أسوارًا»    7 مايو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    العمل: بدء التقديم في منح مجانية للتدريب على 28 مهنة بشهادات دولية في معهد الساليزيان الإيطالي    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    سفير مصر ووزيرة الثقافة الفرنسية يشاركان باحتفالية إصدار كتاب حول مسلة الأقصر    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    طائرات مسيرة تُهاجم أكبر قاعدة بحرية في السودان.. ما القصة؟    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    بيدري منتقدا الحكم بعد توديع الأبطال: ليست المرة الأولى!    استولى على 13 مليون جنيه.. حبس رجل أعمال 3 سنوات بتهمة الاحتيال على لاعب الأهلي "أفشة"    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي على أصوله    كندة علوش تكشف علاقتها بالمطبخ وسر دخولها التمثيل صدفة    بعد حفل زفافها.. روجينا توجه رسالة ل «رنا رئيس»| شاهد    استشهاد عدنان حرب قائد الدعم اللوجستي في وحدة بدر بحزب الله    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    أمير مرتضى منصور: «اللي عمله الأهلي مع عبدالله السعيد افترى وتدليس»    ترامب: لا يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية ولن يبقى أمامنا خيار إذا سارت في طريق آخر    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    الهند: هجومنا على باكستان أظهر انضباطًا كبيرًا في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحالة السياسية في مصر
بقلم: د.عبد المنعم سعيد

تتفق الدول في أمور كثيرة‏,‏ ولكن كلا منها ليس مجرد نسخة من الأخري‏,‏ فالظروف التاريخية والجغرافية تجعل إناء الدول يحتوي علي مفارقات عدة يعطيها شكلها الخاص وهويتها المتميزة
‏ ومن بين أهم ما يحدد الفارق بين الدول الطريقة التي تدير بها أمورها السياسية‏,‏ حتي بين الدول الديمقراطية فإن هناك اختلافات ملحوظة ما بين القرار السياسي في الولايات المتحدة وكندا القريبة والمملكة المتحدة التي خرج كلاهما من رحمها‏.‏ وتستطيع أن تجد فارقا بين ألمانيا وفرنسا كلتيهما والدول الإسكندينافية أو اليابان‏;‏ وربما علي سبيل الجمع يمكنك أن تتحدث عن تقاليد أنجلو سكسونية أو لاتينية أو آسيوية‏,‏ ولكنك حتي داخل كل هؤلاء سوف تجد الألوان غير متشابهة‏.‏ وبنفس الطريقة فرغم ما يجمع الدول الديكتاتورية فإن ألبستها مختلفة‏,‏ فإيران ليست كوريا الشمالية‏,‏ وكلاهما لا يبدو كحكم راؤول كاسترو في كوبا‏,‏ ولا بد أن حكم البعث في سوريا له سماته الخاصة‏.‏ وعندما ترسو الحال علي دول تسير في مرحلة للتحول الديمقراطي طال زمنه أو قصر‏,‏ فإن الاختلافات تبدو بائنة‏,‏ ومن كثرتها كانت الحيرة ما بين معيار القياس وما إذا كانت من البلدان الديمقراطية النقية أو البلدان الديكتاتورية الصافية‏.‏
ومن بين هذه الدول المحيرة تأتي مصر لأن من قيموها لم يحاولوا فهم منطقها الخاص‏,‏ ولكنهم وقعوا أكثر في فرض معايير خارجية عليها مع تجاهل عملية التطور التاريخي الذي سارت فيه‏.‏ وانشغل باحثون باختراع يناسب الحال فكان وصف جماعة كارنيجي للنظام السياسي المصري بأنه سلطوية ذات لباس ليبرالي أو‏LiberalizedAuthoritarianism,‏ بينما اكتفت جماعات أخري من الكتاب المصريين بخبط كف علي كف وإبداء الحيرة من هؤلاء المصريين العجاب الذين لا يريدون السير في طريق يسهل فهمه أو القياس عليه‏.‏
والحقيقة أن ما يقرب من تسعة عقود من نشأة الدولة المصرية تقريبا منذ عام‏1922;‏ وأكثر من مائتي عام منذ قيام الدولة الحديثة مع حكم محمد علي الكبير فإن الدولة خلقت منطقها الخاص الذي ارتبط إلي حد كبير بقيم الاستقرار السياسي ومن ثم كان التجاوز السريع للثورة العرابية لكي يستمر التحديث علي يد الأسرة العلوية‏;‏ ثم بعد ذلك القبول بنتائج ثورة‏1919‏ واستقلال الدولة عن الإمبراطورية العثمانية التي كانت في طريقها إلي الانقراض علي أساس وجود أغلبية سياسية واضحة يمثلها حزب الوفد تدور حوله مجموعة من الكواكب التي خرج بعضها من رحمه وبعضها الآخر من رحم الاختلاف‏.‏
فقد شهد حزب الوفد العديد من الانشقاقات والانسلاخات عن بنيته‏,‏ بحيث إن عددا من الأحزاب الصغيرة التي ظهرت علي خريطة القوي السياسية المصرية خرجت من عباءة حزب الوفد‏,‏ لدرجة أن بعض المؤرخين يعتبرون أن الأحزاب الصغيرة في مرحلة ما قبل ثورة‏23‏ يوليو‏1952‏ إما أنها خرجت من عباءة حزب الوفد أو نشأت برعاية القصر‏.‏ فقد تكون حزب الهيئة السعدية عام‏1938,‏ نتيجة للخلافات الشديدة التي عصفت بحزب الوفد‏,‏ وقد استمر في الحكم طيلة عشرة أعوام‏.‏ أما حزب الكتلة الوفدية فتأسس علي خلفية الصراع بين مصطفي النحاس ومكرم عبيد‏,‏ بعد أن أصدر الأخير الكتاب الأسود‏,‏ حيث قرر النحاس فصل مكرم عبيد وراغب حنا من عضوية الوفد في عام‏1942,‏ وعلي ضوء ذلك قرر‏17‏ عضوا من الوفديين في مجلسي الشيوخ والنواب الاستقالة من الوفد والالتحاق بمكرم عبيد كما قرر عدد من الكوادر الأخري السير في الاتجاه نفسه‏,‏ حيث ظهرت الكتلة المستقلة أو الكتلة الوفدية أو الحزب المكرمي في عام‏1943,‏ كما ظهر حزب الأحرار الدستوريين عام‏1922‏ برئاسة عدلي يكن باشا‏,‏ بعد الخلافات التي نشبت بين سعد زغلول وعدد من أعضاء الوفد خلال المفاوضات مع الإنجليز‏.‏ ورغم أن حزب الوفد نجح في تحقيق نتائج قوية في كل الانتخابات التي شارك فيها في العقود الثلاثة التي سبقت ثورة يوليو‏1952,‏ إلا أن فترات بقائه في السلطة كانت قصيرة‏,‏ بسبب دخول الحزب في مواجهات حادة مع الملك انتهت معظمها بإقالة الحكومة‏.‏ ولكن ذلك لم يحرم الحزب من أن يكون حجر الزاوية في السياسة المصرية حيث كان الحزب الذي وقع اتفاقية عام‏1936‏ مع بريطانيا‏,‏ كما كان هو الحزب الذي استدعاه الملك للحكم بعد أزمته مع الإنجليز عام‏1942‏ وأخيرا كان هو الحزب الذي تصور الملك أنه سوف ينقذ البلاد من غلواء التخبط والتطرف في انتخابات‏1950.‏
والحقيقة أن ثورة‏23‏ يوليو‏1952‏ لم تكن إلا استكمالا لذات الميراث حيث تمحورت أغلبية حول السلطة هذه المرة لكي تحل محل الوفد‏;‏ ولما ظهر مع النصف الثاني من السبعينيات أن الأغلبية لا تليق دون وجود أقلية جرت عملية التحرر السياسي بالمنابر ثم الأحزاب‏,‏ فكان النجم هو الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ وما بقي كانت كواكب لا يكتمل الكون السياسي المصري دون وجودها‏.‏
وربما كان روبرت بايندر علي ما أظن هو الذي أمسك بلباب السياسة المصرية في كتابه في لحظة الحماس الذي صدر عام‏1979,‏ ووجد فيه أن النخبة المصرية وأصولها ظلت علي استقرارها منذ عام‏1922‏ حتي وقت صدور الكتاب‏.‏ ولم يكن ضباط ثورة يوليو إلا امتدادا لأفندية ثورة‏1919,‏ حيث جاء كلاهما من ذات الشريحة الاجتماعية التي لم تختلف ممارساتها كثيرا ما بين سابق عهد ولاحقه‏,‏ وأتي كلاهما من ذات المناخ المتخلف الذي كانت عليه مصر طوال عقود طويلة‏.‏
ولمن يدهش ممن يعتقد أن بعض الممارسات الانتخابية تبدو كما لو كانت اختراعا جديدا فما عليه إلا أن يعود إلي أدب ما قبل الثورة لكي يجد استمرارية مؤلمة‏.‏ و يعد الكاتب الكبير توفيق الحكيم أحد الأوائل الذين سلطوا الضوء علي تزوير إرادة الناخبين المصريين حينما أشار في روايته الشهيرة يوميات نائب في الأرياف إلي الجوانب السلبية في المجتمع القروي المصري في فترة ما قبل ثورة‏1952,‏ بحكم كونه معايشا لتفاعلات هذا المجتمع الذي لحق به البلاء بدءا من الفقر الذي يدفع الفلاح لسرقة كوز ذرة‏,‏ مرورا بحلاق الصحة الذي يحصل علي تصريح الدفن من طبيب الصحة دون معاينة جثة المتوفي نظير حصوله علي خمسة قروش ومأمور المركز الذي يسعي وراء ولائم العمدة في أحداث الجرائم ويفتح السجون علي مصراعيها لملئها وقت الحاجة وانتهاء بتزوير الانتخابات لإنجاح مرشح الحكومة التي كانت خاضعة ذاتها للاستعمار الأجنبي فضلا عن معاناتها من التخلف الداخلي‏.‏
ومن ثم‏,‏ فإن فترة ما قبل الثورة ليست وردية أو تمثل جنة الانتخابات كما يحلو لعدد من الكتاب أن يصورها وإن الحنين إلي الماضي الذي يتشدق به البعض يتطلب الإحاطة الكاملة بالحادثة التاريخية بظروفها وشخوصها وأحداثها ووقائعها‏,‏ دون تلوين فيها أو اللعب في أحد مكوناتها‏.‏ فالحكيم استطاع بقلمه الرشيق ورؤاه الصائبة أن يكشف مدي تغلغل الفساد في قطاعات المجتمع المصري‏,‏ كالمركز والمحكمة والنيابة ومكتب الصحة‏,‏ فضلا عن الأطراف الفاعلة في هذا الفساد مثل الفلاح والحلاق ومفتش الصحة والمأمور والعمدة والأعيان‏.‏ ويسرد الحكيم في هذه الرواية مشاهدات من الحوادث والقصص التي عرضت عليه في أثناء عمله في القضاء في إحدي مناطق الريف المصري‏,‏ حيث إن مأمور الشرطة في الريف والمشرف علي الانتخابات قال لصاحب الرواية‏(‏ أترك الناس تنتخب علي كيفها لغاية ما تتم عملية الانتخابات وبعدين أقوم بكل بساطة شايل صندوق الأصوات وأرميه في الترعة وأروح واضع مطرحه الصندوق اللي احنا موضبينه علي مهلنا‏).‏
ولذلك ربما كان مفتاح التغيير في مصر هو تغيير البيئة الاقتصادية والاجتماعية المصرية لأنها علي وجه التحديد شكلت الفارق ما بين مصر من ناحية والبلدان الديمقراطية من ناحية أخري‏..‏ وبالتأكيد فإن قضاء اليابان علي الأمية عام‏1906‏ هو الذي جعلها تسبق مصر في السياسة والصناعة‏,‏ وكذلك فإن وجود‏72%‏ من المتعلمين في كوريا الجنوبية عام‏1960‏ هو الذي جعلها لا تقضي علي الأمية فقط وإنما تسبق مصر في كل شيء آخر من الصناعة إلي الديمقراطية‏.‏
الأمر الآن هو أن العقود الثلاثة الأخيرة بدأت تشهد مثل هذا التغير حتي لو كان ببطء شديد‏.‏ وأيا كانت المؤشرات التعليمية والصحية والتكنولوجية فإن مصر أخيرا وصلت إلي بداية الطريق الذي يجعل الوعاء السياسي أكثر شفافية وديمقراطية لعل بعضا منها سوف يظهر في الانتخابات التشريعية المقبلة‏.‏ ولكن الأهم من ذلك هو أنها تضع أيدينا علي نقطة البداية في التغيير في مصر‏:‏ استكمال تعليم الكافة في مصر‏,‏ التحول الكامل إلي اقتصاد السوق‏,‏ الاندماج في العالم المعاصر تكنولوجيا واقتصاديا وثقافيا‏.‏ أليس ذلك هو ما فعلته اليابان وكوريا وتركيا وماليزيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وكل من نريد أن نسبح مثلهم واللحاق بهم؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.