مقتل خطيب بالهرم والتعدى على آخر فى الإسكندرية بسبب موضوع الخُطبة هل توقف «الأوقاف» الحديث عن المشاكل المجتمعية وتقصر خطب الجمعة على العبادات؟ المتحدث باسم الأوقاف: الوزارة لها دور مجتمعى فى توعية الناس بالمخاطر كبير الأئمة: استحضار المشاكل الشخصية على المنبر خطأ فادح.. ويستحيل أن تحصر الخُطبة فى الصوم والصلاة والزكاة والحج فقط خطيب بمساجد المعادى: لا يجوز التطرق للقضايا الشخصية.. خطيب بالهرم: ما أعظمه من شرف الوفاة على منبر رسول الله المساجد بيوت الله، وعمارها هم ضيوف الرحمن، هي ملاذ الخائفين الذين يجدون الأمان فيها، فمن ذا الذي يتجرأ على أن يفعل ما يغضبه سبحانه مهما بلغت جرأته، لكن جرائم القتل والتي تكتسي طابع الثأر عرفت طريقها إلى المساجد وراح ضحيتها أكثر من شخص، بينما كانت الظاهرة الجديدة في استهداف الخطباء، ليس ذلك لأسباب شخصية، بل بسبب فحوى خطبهم، وقد تطور الأمر من الاعتداء اللفظي عليهم إلى الاعتداء البدني. وقُتل محمد العدوى الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، بطعنة من أحد المُصلين، أثناء إمامته المصلين في صلاة الجمعة، بزاوية الرحمة في منطقة التعاون بالهرم، أثناء سجوده في الركعة الثانية، وقيل إن القاتل ارتكب جرمه بسبب موضوع الخُطبة التي كانت عن المشاكل الزوجية، وظن القاتل أن الخطيب يقصده هو بكلماته. بينما كانت هناك رواية أخرى، تقول إن أحداث الواقعة، بدأت قبيل بدء شعائر صلاة الجمعة، بعد طلب أحد المُصلين من خطيب الزاوية، قراءة آية الكرسي في الخُطبة، إلا أن الأخير رفض مبررًا ذلك بالتزامه بخطبة الجمعة المحددة مسبقًا من قبل الوزارة والتي حملت عنوان: "المسئولية.. وفضائل شهر شعبان". صعد الخطيب إلى المنبر، بعد أن رفع المؤذن أذان الجمعة الأول؛ استعدادًا لإلقاء الخُطبة، وبدا الأمر عاديًا، ولم يحدث أي شيء غريب أو لافت للانتباه، واستمع المصلون إلى الخُطبة، التي استغرقت ما يقرب من ربع الساعة، طبقًا لتعليمات وزارة الأوقاف، أقام بعدها المؤذن للصلاة. أمَّ خطيب الزاوية المصلين، وبمجرد أن انتهى من الركعة الأولى، وشرع في الثانية، سمع المصلون صوتًا غريبًا، توقعوا أنه لبعض الأطفال الذين اصطحبهم آباؤهم لأداء الصلاة، إلا أنه كان صوت الخطيب الذي أخذ يصرخ في الميكروفون، بعد أن طعنه أحد الأشخاص. هرول المصلون سريعًا إلى الخطيب محاولين إنقاذه، وهموا بنقله إلى مستشفى الهرم، إلا أنه فارق الحياة بمجرد وصوله، وتحفظوا على الجاني، الذي تبين أنه أستاذ جامعي يبلغ من العمر 41 عامًا، وقيل إنه مصاب بالانفصام. وعلى إثر ذلك، قرر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إعفاء كل من وكيل وزارة الأوقاف الجيزة، الشيخ محمد نور، ومدير إدارة الهرم الشيخ هيثم معوض، ومفتش المنطقة الشيخ علي موافي، من العمل من مواقعهم القيادية والإدارية لإخلالهم بواجبهم الوظيفي، وعدم تنفيذ تعليمات الوزارة بعدم إقامة الجمعة في الزوايا إلا للضرورة وبترخيص مسبق من القطاع الديني وعدم السماح لأي شخص غير مرخص له بالخطابة باعتلاء المنبر. وكلف الوزير، الشيخ أمين عبدالواجد، وكيل الوزارة للوجه القبلي بتسيير أعمال مديرية أوقاف الجيزة. لم تكن الواقعة هي الأولى من نوعها، لكنها جاءت بعد أيام من تعرض إمام بمحافظة الإسكندرية، لمحاولة الاعتداء على يد مصلٍ اعترض على خطبة الجمعة، حي كان الخطيب يلقي الخُطبة عن المخدرات وأثرها على الشباب ومخاطر الإدمان على سلوكياتهم. واعتقد شاب بين المصلين أن الخطيب كان يقصده، فتوجه نحوه مخترقًا صفوف المصلين وصعد للمنبر، واعتدى عليه بالضرب وسط دهشة الجميع، وكشف فيديو لكاميرا مراقبة بالمسجد قيام المصلين بالسيطرة على الشاب وإبعاده عن المنبر، ثم أخرجوه من المسجد ليستكمل الإمام خطبة الجمعة. وتبين أن الشاب يدعى "تامر.م" 32 عامًا، مهندس كمبيوتر، واعتقد أن الخطيب يقصده بكلامه عن المخدرات فتوجه له واعتدى عليه بالضرب. ومن الملاحظ أن الحادثين وقعا بسبب موضوع الخُطبة، بعدما ظن المتهمان أن الخطيب يقصدهما، وهو ما يطرح إشكالية ويثير المخاوف من إمكانية تكرار مثل تلك الاعتداءات، ما قد يجعل وزارة الأوقاف تعيد النظر في خطتها حول الخُطبة الموحدة، والابتعاد عن المشاكل الحياتية اليومية، والتركيز على الخطب التي تهتم بالعبادات والروحانيات، كالصلاة والصوم وغيرها. وقال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، والمتحدث باسم الوزارة، إن "الحادثتين عارضتان ولا يدلان على شيء، فالمجرم في كلتا الحالتين يعاني من أمراض نفسية". وأضاف: "زاوية الرحمة بشارع الأمراء بمنطقة التعاون بالهرم، التي قُتل فيها الإمام أثناء أدائه صلاة الجمعة، غير مرخصة، ولا تتبع الوزارة، وإمام الزاوية الضحية طالب بالفرقة الرابعة في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وليس إمامًا وخطيبًا تابعًا للوزارة، كما يدعي البعض، وتلك الزاوية كانت من ضمن الزوايا المخطط لإغلاقها". وتابع: "أما ما حدث من محاولة مصلٍ الاعتداء بالضرب على إمام مسجد بالإسكندرية فقد جاء بعد تحدثه عن المخدرات، بعدم ظن المصلي أن الخطيب يتحدث عنه". وأوضح المتحدث باسم الوزارة، أن "خطيب الجمعة لم يتعرض لأي سوء، وركل برجله الشخص الذي حاول الاعتداء عليه، وأكمل خطبة الجمعة بكل سهولة، ونجح في إيصال كل المعلومات في الخطبة، في إطار الدور المجتمعي لوزارة الأوقاف في توعية الناس بمخاطر المخدرات". وأكد الشيخ منصور مندور، كبير الأئمة بوزارة الأوقاف، أن "الإسلام نهى عن التعرض لأشخاص محددين في الحديث بالخطب أو الدروس أو الأحاديث العامة، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتحدث عن شيء، قال: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا"، فهذا هو الأدب النبوي في مخاطبة الجماهير. وأضاف: "وزارة الأوقاف، لا نقصد بالموضوعات التي يتم تناولها على المنابر، أشخاصًا محددين، إلا إذا استشعر أحد المصلين، أن الخطيب يقصده بجملة ما أو كلمة ما، ويستحيل أن تحصر الوزارة موضوعاتها في الصوم والصلاة والزكاة والحج فقط، لأن الشريعة في الإسلام جاءت شريعة عامة تتناول كل ما يحتاجه المسلم في أمر دينه ودنياه، وتعمل على إصلاح المجتمع بشتى الطرق والوسائل وتتلمس كل القضايا الحياتية التي يعيشها الإنسان، والإسلام دين عام وهو من يحكم وزارة الأوقاف، وليست هي من تحكم موضوعاته". وتابع: "أما عن هاتين الحادثتين لو صحت الأسباب التي ذكرت، فإن من المتوقع أمران، أن يكون الخطيب على علم بمشكلة المتهم وتفاصيلها واستحضرها في حديثه، وهذا يعد خطأ فادحًا، أو أن المتلقي أو الجاني، مصاب بخلل عقلي أو تهور، ففهم خطأ، فعزم على الإتيان بالخطيب بسوء، وفي النهاية الحادثتان لا تعبران عن أن هناك خللاً في منهج الوزارة، لن دائمًا الخطب التي تتناولها الوزارة، دائمًا ما تجمع بين الدين والدنيا بمنظور ديني وسطي". بينما قال، الشيخ "أ.غ"، إمام وخطيب بأحد مساجد المعادي: "لا نستطيع أن نغير الخُطبة أو موضوعها، فنحن ملتزمون بالخُطبة الموحدة التي تحدد موضوعها الوزارة، لكن تناول الخطيب للموضوع هو الفيصل وهو الفارق، فلا يصح أن يذكر الإمام مواضيع خاصة اعترف له به أحد المواطنين أو استشاره فيها". وقال الشيخ "سعيد.ا"، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، "لابد أن يتمتع من يقف على منبر رسول الله بالشجاعة، واقتحام المشاكل الحياتية التي تقابل المسلم في حياته، وأن يقدم الحلول لها ويعرض رأي الدين فيها بكل يسر، في إطار خُطبة الموحدة التي تحددها الوزارة، فلا يصح أن يكون الشارع في وادي والمسجد في وادي أخر، فالدين الإسلامي، دين المعاملة في الأساس". وعن إمكانية تعرضه للخطر بسبب الخُطبة، أضاف: "ما أعظمه من شرف أن يتوفاني الله وأنا ساجد، أو واقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم".