زبدة «الشيا» ب 100 جنيه.. الصبار علاج لكل مشاكل الشعر.. والمترو.. «كله موجود قول يا ربنا المعبود» «مواطنون ضد الغلاء»: كارثة.. البرلمان: جارٍ العمل على مواجهتها.. طبيبة: تصيب سرطان الجلد يصادفك هذا البائع الذي يفترش الرصيف، وهو يعرض على المارة بضاعته بثمن زهيد، مراكز تجميل متنقلة تعرض كل شيء، وتقدم النصائح وتحقق المستحيل، فهذه منتجات تطيل الشعر، وأخرى تساعد على إنباتها، من يريد تفتيح البشرة، فطلبه موجود، ومن تريد لونًا مختلفًا فلن تذهب بعيدًا، فكل شيء متوفر بأقل الأسعار، إنها "بيوتي سنتر الغلابة". إنها ملاذ كل امرأة تبحث عن "التجميل"، ولا تقدر على التوجه لكبرى بيوت التجميل المنتشرة في مصر، إلا أن الكارثة الأكبر تكمن في أن تلك الماكياجات المعروضة وغيرها لا أحد يعرف مصدرها الحقيقي، وسط تحذيرات من أنها تؤدي إلى الإصابة بأمراض جلدية قد تنتهي إلى الإصابة بسرطان الجلد. «الكركار» و«الشيا» والرصيف يقف الباعة وهم غالبًا من جنسيات سودانية يفترشون الطريق، وأمامهم ملاءات مليئة ببضاعة متنوعة بسيطة، منها أمشاط وزجاجات عطور وأنواع مختلفة من العطور وحنة وبرطمانات ل"الكركار" وأخرى لزبدة "الشيا". "الكركار ب25 جنيه بس هبيعهولك ب20.. وزبدة الشيا ب100 جنيه بس مش هينفع انزل في سعرها دي أصلية أنا اللي عملاها بأيدي"، بصعوبة بالغة استطعتُ تفسير تلك اللهجة السودانية لصاحبتها التي تفترش الطريق بلباسها الوطني، مؤكدة أن جميع المنتجات التى تبيعها سودانية الأصل، ولها تأثير فعَّال للبشرة والشعر. الصبار على أرصفة الطريق ينتشر الآن بيع "لب الصبار" والأمر غير مكلف للبائع، فهي عبارة عن قفص صغير، يضع بعض أوراق الصبار، وبعض الزجاجات أو البرطمانات الزجاجية الصغيرة، في انتظار أن يملأها بالصبار لمن يريد، وبعض الزجاجات التي امتلأت بأنواع الزيوت المختلفة لمزجها مع الصبار. "الصبار ده بيعالج كل مشاكل الشعر بيطوله ولو واقع بيخليه يطلع ويتقله كمان"، هكذا يقول أنور، وهو شاب صغير السن، يقف أسفل أحد الكباري بمنطقة وسط القاهرة، ويضع بضاعته على منضدة صغيرة، وعليها العديد من زجاجات الزيوت المختلفة من زيت زيتون، وزيت جوز الهند، وزيت جرجير وغيرها، وبعض البرطمانات الزجاجية الكبيرة والصغيرة. يقول "أنور"، ل"المصريون"، بعد سؤاله عن مصدرها: "أنا جايبها من إسكندرية حاجة أصلية نضيفة وجميلة". وعن الأسعار، قال: "البرطمان الصغير ب15 جنيه، والكبير ب20 جنيه، وهحط عليه من كل الزيوت دي وإنتي اضربيها في الخلاط، وادهني منها، وشوفي شعرك هيبقي عامل إزاي". باعة المترو "روج مطاط.. كل الألوان يا بنات.. جاف وسايل ب5 جنيه.. أوكازيون يا بنات عندي تصفيات.. مين تشتري مني.. أم عبير بس اللي بتبيع الجديد.. زيت شعر يا بنات مين تشتري ب25 جنيه بس يطلع الشعر ويقويه وكتير جربوه.. كله موجود قول يا ربنا المعبود". كثير من تلك الكلمات يتم تداولها في عربات المترو، وإذا كنت من رواده، فالمؤكد أنك سمعتها مرارًا، خاصةً داخل العربتين المخصصتين للسيدات على مدار ساعات اليوم، بلا توقف أو انقطاع. والفتيات اللاتى يقمن ببيع أدوات التجميل مختلفة أعمارهن، منهن سيدات كبار السن وأخريات أطفال صغار، ومستحضرات التجميل التي يتم بيعها بأسماء الماركات العالمية بأسعار تتراوح بين 10 و40 جنيهًا. وإذا صادف وكانت هناك فتاة اشترت ذلك المنتج من قبل وجربته تستعين بها البائعة، قائلةً: "شوفوا يا بنات اشترته وجربته وكان حلو اسألوها"؛ في محاولة لإغراء أخريات من أجل الشراء، وحتى يقمن بالشراء منها بكل ثقة، لكن البعض قد يراوده الشكوك من أن هؤلاء الفتيات يعملن معها، وأن تلك الحركات فقط لمحاولة "جر رجلك" للشراء. عندما سألتُ بائعةً متوسطة العمر، وتحمل على كتفيها طفلًا صغيرًا، وهي تنادي "روج ب5 جنيه": "هو ليه صلاحية إنتي جيباه منين؟"، أجابت، قائلةً بكل اطمئنان: "أيوه طبعًا جايباه من المصنع بسعر تكلفته"، وعلمت منها إنها من أسيوط ولديها 3 أبناء، وتعمل هي وزوجها في المترو. وقالت "غدير"، وهي فتاة اعتادت استخدام المترو يوميًا: "أنا لا أشتري أدوات تجميل أو مكياج أبدًا من المترو، فهي مجهولة المصدر وعلى الرغم من الماركات التي تتحدث عنها البائعة، إلا أنني أخاف من سعرها البسيط، وأفضل شراءها من أماكن متخصصة أو صيدليات". غش تجارى وفي تقرير صادر من الإدارة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في مصر، قدر إجمالي ما يستورده المصريين من مستحضرات تجميل بما يتراوح بين 400 و600 مليون دولار سنويًا. وأعلن الدكتور محمد البهي، رئيس شعبة التجميل، أن 60% من مستحضرات التجميل المتداولة مغشوشة أو مقلدة أو مهربة. وقال محمود الدجوى، رئيس شعبة الكوافير بالغرف التجارية، إن تلك المنتجات من إنتاج ورش "بير السلم" وهي تقليد للماركات المعروفة. وأضاف "يتم استعمال العبوات و"استيكرز" العلامات التجارية، والتى من الممكن أن تكون عبوات فارغة مستوردة من الصين، أو تم جمعها من جامعى القمامة، لتخرج صورة طبق الأصل من الأصلية". وأوضح أن "الأسعار الأصلية للماركات المعروفة أكبر بكثير من أسعار تلك المنتجات التي يتم بيعها على الأرصفة وفي المترو. ويؤكد محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، أن "هذا يعد غشًا تجاريًا، وأدوات التجميل في الشارع لها تأثير سيئ على البشرة، ولابد من التحرك بسرعة لوقف عملية بيع هذه المنتجات، فالباعة على لأرصفة وداخل المترو يتعاملون مع الجمهور دون رقابة، بينما المحلات تحصل على ترخيص للبيع، وتخضع لكشف دوري من الجهات الرقابية، ومن ثم لا تستطيع تداول منتجات غير صحية أو منتهية الصلاحية. وأشار إلى أنه "يتعين على المرافق ومباحث التموين أن تقوم بالقبض على من يبيع مثل هذه المنتجات مجهولة المصدر، خاصة أنها تسبب الأذى للبشرة والجسم، فهي كارثة، ولابد من التعامل معها بحزم، بل هي تعد جريمة متكاملة الأركان. البرلمان يواجه الظاهرة أكد محمد الشورى، عضو لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، في تصريحات إلى "المصريون"، أنه "حاليًا جارٍ تقديم مقترح للبرلمان لمواجهة هذه الظاهرة السيئة، التي تصيب الصحة والبشرة بكثير من الأضرار، وقد تؤدي إلى الإصابة بأمراض جلدية خطيرة خاصةً مع دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي المستمرة إلى الاهتمام بصحة المواطنين"، لافتًا إلى أن "شرطة المرافق والرقابة لها دور كبير في منع هذه الكارثة". تسبب السرطان من جهتها، حذرت الدكتورة هبة محسن، استشاري الجلدية، من خطورة تداول تلك السلع مجهولة المصدر، والتي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، خاصةً أنها المنتجات مصنوعة من مواد كيميائية يؤدي الخلل في صناعتها إلى اختلال بالغدد الصماء واحتمالية الإصابة بسرطان الثدي. وأشارت إلى أن مستحضرات التجميل المصنعة ب"الكرياتين" و"الفورمالين"، النسبة المتفق عليها علميًا هي 0.2%، لكن يتم زيادة النسب داخل ورش "بير السلم"، وبالتالى تؤدي إلى تدمير الجهاز المناعي، وتلف الدماغ والربو والسرطان وتدمير الجهاز الهضمي". وحذرت من أن "تلك المنتجات المقلدة والمغشوشة سبب رئيسي لسقوط الشعر بسبب منتجات "الكيرتاين"، و"البروتين"، و"الشامبو" المغشوش، وعلاج هذه المشاكل يمتد إلى فترات طويلة ويكلف آلاف الجنيهات".